أيدت محكمة الاستئناف في مقاطعة أونتاريو الكندية بالإجماع الاثنين الماضي، قرار محكمة فدرالية أميركية بتجريم الجمهورية الإسلامية في إيران لمسؤوليتها عن تمويل اعمال إرهابية استهدفت مواطنين أميركيين ومنشآت ومرافق أميركية، وتغريمها مبلغ مليار وسبعمئة مليون دولار كتعويضات للضحايا وذويهم، رافضة الاستئناف الذي تقدم به المحامون الممثلون لإيران، وفاتحة الباب قانونياً أمام مصادرة ممتلكات وأصول إيرانية في كندا.
جاء هذا الحكم بعد خمسة أيام فقط على حكم موازٍ أصدرته محكمة في مانهاتن في نيويورك سمح للحكومة الفدرالية وحكومة ولاية نيويورك بمصادرة وبيع مقر وممتلكات «المؤسسة العلوية» (the Alavi Foundation) في أميركا لتأمين التعويضات التي أقرتها المحكمة الفدرالية في جنوب نيويورك، في القضية ذاتها، مما يجعل التملص من تنفيذ الحكم بشقيه الكندي والأميركي أقرب إلى المستحيل.
وكانت محكمة الإستئناف في أونتاريو والتي تتخذ من مدينة تورنتو مقراً لها، وتضم على قوسها 22 قاضياً دائماً و9 قضاة ردفاء، قبلت النظر في الدعوى التي رفعها المتضررون من العمليات التي تتهم بها إيران، بعد صدور قانون «العدالة لضحايا أعمال الإرهاب» (JVTA) الذي أصدره البرلمان الكندي عام 2012، لتوفير مسوغ قانوني لمقاضاة الإرهابيين والدول الأجنبية للمطالبة بتعويضات. وهو قانون شبيه وسابق لقانون «جاستا» الذي أقره الكونغرس الأميركي عام 2015. وقد لجأ المدّعون بعد حصولهم على حكم لصالحهم في نيويورك إلى المحكمة الكندية نظراً لقلة الممتلكات والأرصدة الإيرانية في أميركا، وعدم قدرتهم على التحصيل هناك. وتضم مجموعة المدعين أشخاصاً من الذين تعرضوا للخطف أو الإصابة أو الضرر وورثة القتلى في العمليات التي نظرت فيها المحكمة.
وتضمنت لائحة الدعوى الأصلية أمام محكمة جنوب نيويورك اتهام إيران بتدريب أو تمويل وتسليح «حزب الله» في لبنان وحركة «حماس» في فلسطين. وتضمنت العمليات المشكو منها وفق لائحة الاتهام؛
– الهجوم على مقر قوات مشاة البحرية الأميركية قرب مطار بيروت عام 1983، والذي قتل فيه 243 من عناصر «المارينز»
– تفجير السفارة الأميركية في بيروت عام 1984، والذي أودى بحياة 14 أميركياً
– عمليات خطف الأجانب في لبنان خلال الثمانينات من القرن الماضي (فيما عرف بقضية الرهائن)
– إعدام عقيد أميركي (ريتشارد هيغنز)
– ثلاث عمليات تفجير في التسعينات من قبل منظمات تتلقى دعم إيران في إسرائيل والمملكة العربية السعودية والأرجنتين
– عملية التفجير التي قامت بها حركة «حماس» في الجامعة العبرية في القدس وأدت إلى مقتل طالب من كاليفورنيا عمره 22 سنة
حيثيات الحكم
ويمنح قرار المحكمة الكندية السلطات الحق في مصادرة وبيع ممتلكات وودائع إيرانية بينها بناية مكاتب في تورنتو، ومبنى مصنع في أوتاوا، وحسابان مصرفيان، إلا أنه يستثني مبنى السفارة الإيرانية ومنزل السفير في العاصمة أوتاوا. ومع أن إيران لم تحاول الدفاع عن نفسها امام المحاكم الأميركية سوى لاستئناف الحكم، كانت شديدة الحرص على متابعة القضية في كندا وقدمت دفوعاً شكلية واعتراضات قضائية تم رفضها، كذلك تقدمت باستئناف للحكم رفضته المحكمة بالإجماع.
وقال الحكم الذي أصدرته المحكمة وكتبه القاضي سي. ويليام هوريغان: «الاعتداءات الإرهابية التي انطلق منها الحكم القضائي الأميركي أعمال شنيعة بحق المجتمع المتحضر. حقيقة أن حكومة أجنبية يمكنها الانخراط في دعم فظائع من هذا النوع تثير القشعريرة. لا شيء عدواني في استخدام قانون سلمي لمكافحة الإرهاب، على العكس، إقرار التعويض عن الاضرار الذي يمكن ان تكون له مفاعيل رادعة رد مدروس ومعقول على الدولة التي تدعم الإرهاب وهذا ينسجم مع الأخلاق القضائية لكندا».
في نيويورك، سمحت محكمة نيويورك في حكم صادر عن هيئة المحلفين للحكومة بمصادرة بناية تملكها الجمعية الخيرية الإيرانية «المؤسسة العلوية» التي تتخذ من نيويورك مقراً لها. وجاء في الحكم ان المؤسسة تتحكم بها الحكومة الإيرانية وأن مردود الإيجارات في مبناها يعتبر انتهاكاً للعقوبات المالية المفروضة على إيران. ويقع المبنى في أحد أرقى شوارع مانهاتن (الجادة الخامسة) وتقدر قيمته بنصف مليار دولار. وكان قرار مماثل صدر عن المحكمة الفدرالية عام 2014، إلا أن محكمة الاستئناف قبلت الطعن الذي تقدم به ممثلو الحكومة الإيرانية، وبقي الأمر عالقاً في الأروقة القانونية حتى صدور قانون «جاستا» الذي أعاد السماح برفع القضية أمام هيئة محلفين. والأرجح أن الحكومة الإيرانية ستستأنف الحكم الجديد.
وتمتلك «المؤسسة العلوية» التي تأسست كجمعية لا تهدف إلى الربح عام 1978، إلى جانب مبناها الرئيس في مانهاتن، مركزاً دينياً ومساجد ومدارس في نيويورك وولايات ميريلاند، كاليفورنيا، تكساس وفرجينيا. وعلى الرغم من العرف السائد في أميركا الذي يعفي بيوت العبادة من المصادرة، يرى معنيون أن خسارة المؤسسة لمصدر دخلها الأساس من مبناها التجاري في نيويورك سيعني تلقائياً عدم قدرتها على الاستمرار في تمويل وتغطية نفقات المساجد والمدارس التابعة لها.
Leave a Reply