موضوع منح الجنسية تسمح كل الدول وفق قوانينها، ومنها لبنان، الذي يتسبب فيه هذا الموضوع، بحصول أزمة داخلية، تأخذ أبعاداً طائفية وسياسية، خصوصاً عندما يكون التجنيس جماعياً وليس فردياً، وهو الثالث بعد اتفاق الطائف الذي يثير ضجة وأزمة.
قانون الجنسية اللبنانية
وفي لبنان، يوجد قانون للجنسية اللبنانية، يعود تاريخه إلى زمن الإنتداب أو الإستعمار الفرنسي للبنان وسوريا بعد إتفاقية سايكس – بيكو عام 1916، إذ تقاسمت كل من فرنسا وبريطانيا بلاد المشرق العربي، فكان العراق وفلسطين والأردن من حصة الإنكليز، حيث صدر في 19 كانون الثاني 1925، قرارحمل الرقم 15 عن المفوض السامي الجنرال موريس ساراي للجمهورية الفرنسية لدى سوريا ولبنان الكبير والعلويين وجبل الدروز، أقرّ فيه منح الجنسية اللبنانية، وحدد الشروط ليعد لبنانياً مَن كان مولوداً من أب لبناني، أو كل شخص مولود في أراض لبنانية، ولم يثبت أنه اكتسب بالبنوة عند الولادة تابعية أجنبية، وكل شخص يولد في أراضي لبنان الكبير من والدَين مجهولين، أو والدين مجهولي التابعية.
تعديلات على القانون
وأدخلت تعديلات على القانون بتاريخ 11 كانون الثاني 1960، وتتعلق بمنح المرأة اللبنانية التي تقترن بأجنبي وتبقى لبنانية إلى أن تطلب شطب قيدها، إلى المرأة الاجنبية التي تقترن بلبناني تصبح لبنانية بعد مرور سنة على تاريخ تسجيل الزواج في قلم النفوس بناء على طلبها.
ومازالت المطالبات قائمة لإجراء تعديل على القانون، مثل منح المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي جنسيتها لأولادها، وهذا مطلب تصر عليه النساء اللبنانيات، ويقمن بتظاهرات واعتصامات ولقاءات مع مسؤولين وقيادات سياسية وحزبية لبنانية، من أجل حصول الأولاد على جنسية أمهاتهم، وهذا الموضوع يتم درسه ومناقشته في مجلس النواب، من خلال اللجان المعنية، إلا أن دونه عقبات أبرزها العامل الطائفي ثم هوية دولة الزوج، إذ يتم ربط الموضوع بالتوطين الفلسطيني، ووعد الرئيس سعد الحريري أن يقر هذا القانون في المجلس النيابي الجديد.
التجنيس عبر العهود
ولم يمر عهد رئاسي منذ العام 1943، إلا وخرج بمرسوم تجنيس، منذ أيام الرئيس بشارة الخوري إلى كميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو وسليمان فرنجية والياس سركيس وأمين الجميّل والياس الهراوي، وميشال سليمان والآن ميشال عون باستثناء عهد إميل لحود.
وبرزت أسماء شخصيات هامة وعائلات كان لها دور سياسي واقتصادي وثقافي في لبنان حصلت على الجنسية اللبنانية، وأن الكثير من العائلات اللبنانية متحدرة من أصول عربية وتحديداً سورية أو فلسطينية وأردنية وعراقية ومصرية أو أجنبية حصلت على الجنسية اللبنانية، حيث يبرز اسم نعمان أزهري صاحب مصرف لبنان والمهجر الذي شغل منصب وزير الإقتصاد في سوريا في الأربعينيات، وجاء إلى لبنان واستثمر فيه، وهو واحد من عشرات لا بل مئات الأسماء التي تبوأت مواقع متقدمة في مؤسسات الدولة والمجتمع، ومنها ما يُذكر عن مدير المخابرات السابق في الجيش اللبناني العميد جوني عبده، الذي نال والده الفلسطيني الجنسية اللبنانية.
شروط الجنسية
وحدّد القانون الشروط التي تسمح بإعطاء الجنسية لأي طالب لها في لبنان، وتقوم على رابطة الدم، وعلى أن يكون مقيماً في لبنان لأكثر من عشر سنوات دون إنقطاع، أو يكون قد اقترن بزوجة لبنانية وأقام معها مدة خمس سنوات، أو يكون قد قدم أعمالاً مميزة للدولة اللبنانية فتمنحه جنسيتها.
هذه الشروط، هي مَن يلجأ إليها طالب الجنسية، إلا أن الأرقام العالية التي تعطى لطالبي الجنسية هي ما يؤدي إلى فتح ملف التجنيس في لبنان الذي يربط دائماً بالعامل الطائفي، إذ يجري الحديث عن إعطاء الأرمن الجنسية اللبنانية وحقوق سياسية، وهو لم يعطَ لأصحاب جنسية عربية، إذ تمّ ربط جنسية الأرمن بإنتمائهم الطائفي المسيحي، وهو ما إنطبق على عائلات مسيحية فلسطينية وأخرى مسيحية سريانية وآشورية وكلدانية إلخ… وقد أتّهم الرئيس كميل شمعون بأنه كان وراء عمليات التجنيس هذه، للإستخدام السياسي في الإنتخابات.
مكتومو القيد والقرى السبع
وظلّت أزمة تجنيس مكتومي القيد، ممن لم يسجلوا في إحصاء عام 1932، في أيام الإنتداب الفرنسي، تلاحق آلاف اللبنانيين، الذين لم يحصلوا على الجنسية اللبنانية، لأسباب تتعلق بوجودهم في أطراف عكار أو البقاع وفي الجنوب، ومنهم مَن سموا بعرب وادي خالد، وقرى في الهرمل تتواجد داخل الأراضي السورية، وهم لبنانيون، إضافة إلى أبناء وأهالي القرى السبع الذين احتلت إسرائيل أراضيهم في العام 1948، وطردوا منها، ولم يتم تسجيلهم في لبنان، مما خلق مشكلة هوية لأبناء هذه القرى.
250 ألف مجنس
والتجنيس الذي أحدث ضجة كان في 21 حزيران العام 1994، إذ حضر رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري إلى مجلس النواب الذي كان مجتمعاً، وبشّرهم بأنه وقع ورئيس الجمهورية الياس الهراوي ووزير الداخلية بشارة مرهج مرسوم تجنيس 250 ألفاً، ويضم أهالي القرى السبع في الجنوب وأبناء وادي خالد، إضافة إلى آخرين، وأنه تمّ حل أزمة مكتومي القيد.
إلا أن هذا العدد الكبير من المجنسين جوبه برفض طائفي عبّر عنه النائب نعمة الله أبي نصر كرئيس للرابطة المارونية وقوى سياسية وروحية مسيحية، بعد أن تبيّن أن توزيع المجنسين كان 80 بالمئة منهم من المسلمين و20 بالمئة من المسيحيين، وأن هذا يحدث تغييراً ديمغرافياً، حيث تضمن المرسوم آلاف المجنسين الفلسطينيين والسوريين إلى رعايا عرب، وقد تمّ تحميل الحريري المسؤولية عن أنه يحدث إنقلاباً في التركيبة اللبنانية لصالح الطائفة السّنّية، إلا أنه تمّ تمرير المرسوم بسبب الوجود السوري الذي أمّن الغطاء له، لكن جرى الاعتراض عليه أمام مجلس شورى الدولة، الذي أصدر قراره متأخراً سنوات في العام 2003، وطلب بموجبه بضرورة إعادة دراسة الملفات وفق معايير معينة، ولم ينفذ هذا القرار إلا في العام 2011، أي بعد 8 سنوات من صدور قرار مجلس شورى الدولة و17 عاماً من صدور مرسوم التجنيس، وقد تمّ سحب الجنسية عن كل مَن لم يستوفِ الشروط، ومنهم مَن هو غير مقيم في لبنان، أو وجود تزوير في الأوراق، أو ظهور أسماء مسجلة في بلدان أخرى، ولديها جنسية أجنبية، وهم ليسوا من مكتومي القيد، إضافة إلى أفراد فلسطينيين مسجلين كلاجئين ولا ينطبق عليهم صفة مكتومي القيد.
مرسوم ميشال سليمان
ومع استمرار دراسة ملفات التجنيس الجماعي الذي حصل في عام 1994، لم يمنع رئيس الجمهورية ميشال سليمان من إصدار مرسوم بمنح 644 شخصاً الجنسية اللبنانية، وكان هذا في آخر عهده، وقد أثيرت ضجة حوله، وجرى التداول عن دفع مبالغ مالية لقاء الجنسية، إلا أن سليمان نفى ذلك، ولم يتم تقديم الطعن بالمرسوم.
المرسوم الشبح
وفي غمرة التحضير للإنتخابات النيابية، ومع صدور نتائجها، وقبل أن تصبح الحكومة مستقيلة، صدر مرسوم في 11 أيار الماضي، حمل تواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال عون وسعد الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق بمنح الجنسية لحوالي 300 شخص، حيث لم يثبت بعد الرقم النهائي، إذ أن معلومات أشارت إلى 258 مجنساً من بينهم 206 مسيحيين و52 مسلمين، والبعض يتحدث عن أن الرقم قد يرتفع إلى 400 وربما ما فوق الـ900، حيث رافق صدور المرسوم وعدم نشره في الجريدة الرسمية شكوكاً حوله، وجرى التنصّل منه، بعدم الإعلان عنه، حيث جرى الحديث عن صفقة حوله، دفعها متمولون لاسيما سوريون منهم ووصل المبلغ إلى مليون دولار للرجل وزوجته وولديه، و300 ألف دولار للرجل إن كان وحيداً، وتمّ تسريب أسماء عن أنها قريبة من النظام السوري ومن أعمدته، ليتم نفيها من قبل أصحابها، لعدم استغلالها في معركة سياسية داخلية ركّزت على رئيس الجمهورية، ومن أبرز أركانها «القوات اللبنانية» و«حزب الكتائب» و«التقدمي الاشتراكي»، والذين يستهدفون في حملتهم وتقديم طعن في المرسوم عند صدوره، الرئيس عون لأسباب سياسية وحكومية، حيث تمّ الرد على الحملة، التي قاربت اتهام رئيس الجمهورية بالتوطين، وهذا يؤثر في البيئة المسيحية، إلا أن الرئيس عون استدرك الأمر وطالب من الأمن العام التدقيق بالملفات وما إذا كانت مطابقة للقانون الذي أعطت الحق الاستثنائي لرئيس الجمهورية لإصدار مرسوم منح الجنسية، وأيّد الحريري هذا الحق، وأكد وزير الداخلية أن المرسوم سلك طريقه للتنفيذ بعد أن دقق به فرع المعلومات وسيتثبت منه الأمن العام.
والمرسوم بعد تنقيته إذا كان ثمة شبهة على أي اسم، بات معمولاً به، وخوّل القانون لرئيس الجمهورية حق استرداد الجنسية، وهو ينتظر تقرير الأمن العام.
Leave a Reply