قصة سيدة أميركية وعائلة عربية جمعتهما »هبة الحياة«
ديربورن هايتس – خاص »صدى الوطن«
مع ارتفاع معدل الإصابات بأمراض الكلى بصورة كبيرة على مدى العقدين الماضيين، وفق مصادر المعهد الوطني لأمراض السكري والجهاز الهضمي والكلى لم يعد مفاجئا أن تكون فترة لائحة الانتظار للحصول على متبرعين طويلة، وطويلة جدا.
وبالنسبة للشاب العربي الأميركي رامي حيدر (21 سنة) من مدينة ديربورن هايتس، فإن فترة الانتظار كانت مقلقة وقاسية. فالشاب حيدر كان قد وضع على لائحة الانتظار للحصول على كلية من متبرع بعد تشخيص إصابته بمرض القصور الكلوي المعروف باسم »آلبورت« وهو مرض نادر يصيب الكلى ويتطلب خضوع المريض لعمليات غسيل كلوي لكن في النهاية تمس الحاجة إلى عملية زرع. وقد انتظر رامي لمدة سنتين ونصف السنة، غير أن فترة الانتظار هذه كانت مرشحة للاستمرار لخمس سنوات أخرى، مع ما يعنيه ذلك من ارتياد متواصل للمستشفى وما يتخلله من متاعب نفسية وجسدية ترافق عمليات الغسل المتكررة.
في شهر كانون ثاني (يناير) من هذا العام تلقت والدة الشاب حيدر السيدة رائدة اتصالا هاتفيا أحدث انقلابا ايجابيا في صورة الانتظار والقلق التي كان يعيشها الشاب وأفراد عائلته.
كان الاتصال من سيدة أميركية صديقة للعائلة، تدعى شيري لادويغ وتعمل كموظفة استقبال في مركز اللياقة البدنية »بودي بليتز فيتنس« المعروف سابقا باسم »غولدز جيم« في مدينة ديربورن.
تقول السيدة حيدر: »لقد اتصلت بي لإبلاغي أنها قررت أن تكون المتبرعة بإحدى كليتيها لرامي« وتضيف »لقد انتباتني نوبة بكاء لشدة فرحي«.
وكان الوضع الصحي لرامي قد تم تدواله لمرات عدة بين خال الشاب رامي السيد علي شرارة والسيدة لادويغ التي عبرت عن قلقها على وضعه ولم تنقطع عن التفكير في كيفية مساعدته. وتقول السيدة حيدر إن السيدة الأميركية أبلغتها أنها عانت من الأرق الليلي وهي تفكر في كيفية المساعدة.
ولحسن حظ الشاب رامي، كانت السيدة الأميركية تحمل فئة الدم (أ) النادرة وهي الفئة المثالية في تطابقها مع فئة دمه. كان على السيدة لادويغ أن تخضع لسلسلة من الفحوصات الطبية الطويلة، على مدى 8 أشهر قبل أن تقرر الجهات الطبية المختصة أهليته للتبرع لرامي بإحدى كليتيها.
لكن المسالة، بكل تعقيداتها، لم تشكل بالنسبة للسيدة لادويغ سوى »ثمن بسيط« تدفعه لتوفير فرصة إمكانية إنقاذ حياة إنسان. وبالنسبة لوالدة الشاب فلم يكن هنالك أغلى من هذه »الهدية« التي يقدمها أي شخص لعائلتها.
»إمرأة تمنح ابني كليتها، هي أكثر من فرد من أفراد عائلتي.. ليس بمقدوري أن أفيها حقها من الشكر«، تقول السيدة حيدر.
في 15 تموز (يوليو) الماضي تلقى رامي كلية من السيدة لادويغ، قام الأطباء بزرعها في جسده العليل، وقامت لادويغ على الأثر بزيارة رامي في المستشفى لتقديم الدعم المعنوي له، بعد منحه »هدية الحياة«، مثلما قام أفراد عائلة رامي بزيارتها خلال خضوعها لجراحة استئصال الكلية-الهدية من جسدها.
تعززت علاقة السيدة لادويغ بوالدة رامي وعائلته في الايام السابقة للعملية، وحصلت لقاءات حول موائد غداء وزيارات أخرى، وبالنسبة لها كانت لها رؤية رامي وهو يخرج من محنته تجربة تستحق التضحية.
»لقد جعلوني جزءا من عائلتهم، إنهم أناس رائعون وتعاملوا معي ومع زوجي باهتمام فائق« تقول لادويغ.
»إنهم يجعلونك فعلا تشعر بعظمة الخطوة التي تقدم عليها ولقد أحسست أني ارتفعت إلى ما فوق الغيوم، ولو عاد بي الزمن إلى الوراء لما ترددت لحظة في الإقدام على هذه الخطوة«.
لكن لسوء حظ السيدة لادويغ وعائلة حيدر، فإن النهاية السعيدة لهذه التجربة ظلت تنغصها محنة أخرى:
شقيق رامي الشاب محمد (17 سنة) يعاني أيضا من المرض نفسه الذي أصاب شقيقه والذي يقول الأطباء إن نسبة الإصابة به هي واحد بالمليون، لذا ينتظر الحصول على متبرع ملائم بكلية.
وما زاد من قلق العائلة وصديقتها الأميركية أن محمد خضع لعملية زرع كلية في جسده في 15 اب (أغسطس) الماضي، غير أن الأمور أخذت منحى سيئا، عندما قام جسده برفض الكلية المزروعة.
تقول والدة محمد ورامي: »عندما تلقيت الاتصال الهاتفي من زوجي حول فشل العملية، كان أسوأ يوم عشته في حياتي«. لقد خابت آمال الوالدة برؤية ابنها الثاني معافى، وبدلا من ذلك ظل يصارع المرض على سرير المستشفى. لكن رائدة لاتزال تحتفظ بالأمل بأن متبرعا آخر سيحضر في الصورة ويقدم »هبة الحياة« الثانية لولدها ولعائلتها.
وتقول الوالدة بنبرة مفعمة بالألم: »الناس يخافون من التبرع، لكنهم لا يمتلكون فكرة عن مدى معاناة أقرانهم«.
اضطر الشاب محمد الى البقاء في المنزل، بعيدا عن مدرسته »كريستوود هاي« طيلة العام الماضي بسبب وضعه الصحي، وقال اطباء إنه معرض لخطر الاصابة بنوبة قلبية في عمر الخامسة والعشرين إذا لم يتلق كلية جديدة، إلى جانب تعقيدات صحية أخرى وساعات لا حصر لها من الالم في مستشفى »هاربر« في ديترويت.
وتصف السيدة لادويغ تجربتها بالقول إن جراحة استئصال الكلية التي خضعت لها لم تكن بالصعوبة التي يتصورها البعض. وقدمت لادويغ الشكر إلى زوجها جون لوقوفه إلى جانبها ودعمها وتقول إنها عادت إلى حياتها الطبيعية الآن، بما في ذلك عملها في نادي اللياقة البدنية.
أما رامي الذي تحسن وضعه جذريا منذ زرع الكلية فإنه يحاول شرح مدى أهمية التضحية التي قدمتها له الصديقة الاميركية: »لا أدري كيف يمكن للكلمات أن تعبر عن مدى تقديري لها«.
يواظب رامي حاليا على الدراسة في كلية هنري فورد الجامعية ويخطط لدراسة الصيدلة. لكن اهتمامه حاليا ينصب على المساعدة في العثور على كلية لشقيقه محمد وفي عودته إلى متابعة مسيرة حياته الطبيعية »أريد أن أرى نهاية المعاناة التي يعيشها شقيقي« يقول رامي.
ووجهت العائلة نداء إلى الراغبين بالمساعدة ممن يتمتعون بفئة الدم (أ) وبصحة جيدة أن يبادروا إلى الاتصال بالسيدة رائدة حيدر على رقم هاتفها:
3135291001
وتتطلع والدة محمد نحو يوم تلتقي فيه متبرعا آخر يتمتع بطيبة قلب وتضحية السيدة لادويغ.
وتختم السيدة حيدر بالقول »لقد كان بامكان لادويغ التوجه نحو أناس آخرين، لكنها اختارتنا نحن.. إنها ملاكنا«.
Leave a Reply