من بين البرامج الهامة والاساسية التي نفذها المجلس العربي الاميركي والكلداني في تسعينيات القرن الماضي برنامج سمي «التمييز المتعلق بوثائق الهجرة» نفذه المجلس بشراكة مع وزارة العدل الاميركية في العاصمة واشنطن، مكتب المدعي العام الخاص، قسم الممارسات غير القانونية في التوظيف، وكنت حينها مشرفا على هذا البرنامج مع المحامية كاثي قاقيش التي كانت تعمل آنذاك في المجلس، اضافة الى المحامية ساندرا التي تعمل في الوقت الحاضر في دائرة الهجرة والتجنس في ديترويت.. كانت اهمية البرنامج الذي استمر لفترة سنة كاملة تكمن في توعية وتثقيف اصحاب الاعمال في المقاطعات الرئيسية الثلاث وتوعيتهم لاحترام الوثائق القانونية التي تصدرها دوائر الهجرة للمهاجرين الجدد، تلك الوثائق التي تمنح للمهاجرين لتسيير امورهم في المجتمع الاميركي وهم ينتظرون وصول الكارت الاخضر والاقامة الدائمة. كنا اضافة الى مهماتنا في التوعية والتثقيف لاصحاب الاعمال مخولين بتحذيرهم من قضية عدم احترام هذه الوثائق القانونية الصادرة عن الحكومة الفيدرالية.. وان رفض الاعتراف بها وبالتالي عدم توظيف حامليها يعتبر خرقا للقانون يعاقب عليه، وقد تصل العقوبة الى اغلاق مكان العمل.
انتهى البرنامج بعد عام كامل تواصلنا خلاله مع مئات اصحاب الاعمال الذين تعلموا وتثقفوا والتزموا ببنود القانون ولم يخالفوه..! مرت السنوات الطويلة والحكومة تراقب لعل احدا من اصحاب الاعمال يخالف هذا القانون، لكنهم وربما بسبب جدية وشجاعة وتأثير برنامجنا المذكور اعلاه بقي القانون بكرا، نظيفا وكادت الوزارة (وزارة العدل الاميركية) ان تستغني عنه حتى قررت هي نفسها مخالفته لاعطاء سبب وجيه لاستمراريته.. لكن.. كيف تخالف الحكومة قوانينها..؟
هذا ماحدث في الاسبوع الماضي حين اقرت حكومة ولاية ميشيغن ممثلة بوزير العدل فيها مايك كاكس وسكرتيرية الولاية اقرت برنامجا حرمت فيه المهاجرين الجدد الى ولاية ميشيغن، من لاجئين قانونيين وطلاب واصحاب مهن متعاقدين للعمل مع شركات ومؤسسات في ميشيغن وافراد عائلاتهم اضافة الى جميع المهاجرين غير القانونيين في الولاية حرمتهم من الحصول على رخص قيادة السيارة او الهويات الشخصية..! وباستثناء المهاجرين غير القانونيين فان القادمين الجدد من لاجئين وطلبة وموظفين، جميعهم يحملون وثائق قانونية اصدرتها دوائر الهجرة، او وزارة الخارجية الاميركية ممثلة بسفاراتها في الخارج.. وثائق قانونية كأذونات العمل.. او البطاقات البيضاء التي تحمل رقم الكرت الاخضر، او بطاقات الدخول الرسمي والقانوني للموظفين المتعاقدين مع شركات ومؤسسات اميركية.. وتأشيرات الدراسة جميعها وثائق رسمية قانونية تصدرها وزارات ودوائر تابعة للحكومة الاميركية وليس حكومات موزمبيق او كوريا او ايران او كازاخستان.. فكيف، وبأي حق يرفض قبولها؟، وهل يعقل ان ينتظر اللاجئون الجدد في ولاية ميشيغن لفترة خمس او ست سنوات حتى تصلهم وثائق الاقامة الدائمة وهي البطاقات الخضراء او مايسمى بالكارت الاخضر ليقوموا بعدها بالتقدم للحصول على رخصة قيادة السيارة كما يتطلب القانون الجديد الذي لا يعترف الا بالجنسية الاميركية او الكارت الاخضر..!
احد اللاجئين العراقيين الذي وصل حديثا الى ميشيغن مع عائلته كان بين مئات المراجعين لمكاتب المجلس العربي الاميركي والكلداني، قال لي بألم ومرارة.. امضيت ثلاث سنوات في احدى الدول الاوربية لم اكن خلالها بحاجة الى رخصة قيادة السيارة فهناك نظام مواصلات حديث يستخدمه العمال والموظفون والجميع من غير استثناء على مدار الساعة.. ولكن.. كيف استطيع التنقل في هذه الولاية.. من البيت الى العمل.. هذا اذا وجدت عملا.. بلا وسيلة مواصلات..! وبلا رخصة لقيادة السيارة.. وبلا هوية شخصية..؟ مثل هذا اللاجئ العراقي الحزين والتائه…! آلاف المهاجرين الجدد الذين وصلوا للتو الى ولاية ميشيغن، من اجل تحقيق الحلم الاميركي المتمثل بالجد والاجتهاد والعمل، لتوفير حياة كريمة لهم ولافراد عائلاتهم.. هؤلاء اللاجئون واجهوا فور وصولهم الى هذه الولاية عقبات اقل مايمكن وصفها بانها سخيفة، وغبية ولا تمثل وجه اميركا الجميل المناهض والرافض لكل انواع العنصرية والتمييز..!
حتى تتم معالجة وتصحيح وتعديل هذا الوضع غير السوي، على المجلس العربي الاميركي والكلداني التقدم بعرض لوزارة العدل الاميركية من اجل اعادة برنامج مكافحة التمييز المرتبط بوثائق الهجرة.. مع تعديلات بسيطة على فقراته.. بحيث يجب ان تتوجه برامج التوعية والتثقيف حول قضايا التمييز لحكومة الولاية.. وليس ضد اصحاب الاعمال…
Leave a Reply