برغم بعض التباينات الموضعية التي ظهرت بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، خلال مرحلة البحث في قانون الانتخاب الذي استقر على النسبية ضمن 15 دائرة، إلا أن تحالفهما المولود في شباط عام 2006، تجاوز بنجاح هذا الاختبار الجديد، واستطاع التعايش مع التفاصيل الخلافية، من دون أن تتاثر بها أعمدته الاساسية.
ولعل تفاهم كنيسة مار مخايل الذي استطاع أن يواجه عاصفة حرب تموز الاسرائيلية، وهو لا يزال طري العود، اكتسب منذ ذلك الحين مناعة سياسية، بحيث بات يهون امامه تحدي قانون الانتخاب مهما بدا صعبا في بعض اللحظات، لاسيما أن ثقة عميقة وخيارات استراتيجية تجمع بين ركني التحالف الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصرالله.
علاقة صلبة
وتؤكد مصادر قيادية في «حزب الله» لـ«صدى الوطن» أن العلاقة مع التيار صلبة، وحتى عندما برز أحياناً تمايز على مستوى بعض التفاصيل الجزئية التي تتصل بقانون الانتخاب، سرعان ما تبين أن تلك التفاصيل شكلية ومحدودة، ولا تؤثر على جوهر الخيارات الاستراتيجية التي يلتقي حولها الطرفان.
ويعتبر «حزب الله» أن وجهات النظر المختلفة في ظل علاقة متينة، كالتي تربط الحزب والتيار، لا يكون لها انعكاس سلبي على هذه العلاقة، بل أن من يراجع مجريات الأشهر الأخيرة من النقاش الانتخابي يظهر له أن المشكلة كانت مع الآخرين، وليس بين الحزب والتيار.
ومع ذلك، فإن «حزب الله» يعتقد أن أي خلاف يمكن أن يحصل حول التفاصيل، انما هو مشروع من حيث المبدأ، ولا يجوز أن يكون سبباً للتأثير على المسائل الحيوية. ويستند الحزب في إبداء هذه الثقة بصلابة التحالف إلى مواقف مهمة صدرت عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حيال المقاومة بعد انتخابه، وإلى مواقف مماثلة صدرت عن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله حيال متانة العلاقة بين التيار والحزب، ومن أبرزها إشادته بجرأة رئيس التيار الوزير جبران باسيل في تعامله مع القمة العربية–الأميركية التي انعقدت مؤخراً في الرياض، حيث لم يتردد وزير الخارجية في أن يتبرأ من بيانها الختامي.
وفي قناعة «حزب الله»، أن هناك جهات متضررة ومتذمرة من علاقته الوثيقة بالتيار الحر، وأن تلك الجهات لا توفر جهداً من أجل التشويش على تلك العلاقة وزعزعتها، لكنه يبدو متأكداً من أن كل هذه المحاولات ستفشل مستقبلاً كما فشلت سابقاً، لأن التحالف مبني على قواعد وأسس ثابتة، وليس على مصالح عابرة أو مكاسب طارئة.
ويعتبر «حزب الله» أن إقرار قانون الانتخاب على أساس النسبية يشكل نقلة سياسية نوعية، منطلقاً في ارتياحه إلى ما تحقق من أن القانون النسبي يتضمن من عدالة التمثيل وإتاحة الفرصة أمام القوى الصغيرة، ما يجعله محطة هامة في الحياة السياسية اللبنانية.
وتجدر الاشارة إلى أن الطرح الاساسي للحزب ينادي باعتماد النسبية على أساس أن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة، لكن الواقعية السياسية التي تستوجب مراعاة التركيبة اللبنانية الدقيقة، دفعته إلى التلاقي مع الآخرين في مساحة مشتركة على قاعدة النسبية في 15 دائرة.
ويتوقع الحزب، وفق ما يتسرب من دوائر القرار فيه، أن يحمل القانون الجديد عدداً من المفاجآت سواء لجهة أحجام الكتل زيادة ونقصاناً، أو لجهة خروج شخصيات ودخول أخرى إلى المجلس النيابي، مرجحاً أن تتمثل كل القوى المحلية والمحدودة بأحجامها، إلى جانب القوى الكبرى التي ستعود إلى أحجامها الواقعية، بدل تلك الوهمية التي أنتجها النظام الأكثري، لاسيما قانون «الستين».
إنجاز مشترك
على الجانب الآخر من معادلة تفاهم مار مخايل التاريخي، تؤكد أوساط قيادية في «التيار الوطني الحر» لـ«صدى الوطن» أن تحقيق النسبية كان هدفاً مشتركاً مع «حزب الله»، ولذلك فإن القانون المعتمد هو انجاز مشترك أيضاً، مشددة على أن التحالف بين الجانبين ثابت، وقد أثبت جدواه مرة أخرى.
وتكشف الأوساط البرتقالية عن أن «حزب الله» ساعد في إقرار أحدى أهم قواعد القانون وهي الـ15 دائرة، مشيرة إلى أن هذه المرونة تُسجل له بعدما كان يطالب بتوزيع آخر للدوائر الانتخابية.
وتوضح الاوساط أن هناك فضلاً للحزب أيضاً في اقرار مبدأ منح المغتربين ستة مقاعد نيابية، مشيرة إلى أن اللقاء بين الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ورئيس التيار, الوزير جبران باسيل كان محورياً ومفصلياً، ويمكن القول إن هذا اللقاء هو الذي فتح الأبواب أمام إنجاز التفاهم على قانون الانتخاب، إلى جانب سلوك رئيس الجمهورية الذي أسقط خياري التمديد وقانون الستين.
لكن التيار الحر يحرص في الوقت ذاته على عدم إغفال أدوار الآخرين، ولو تفاوتت، في انجاز قانون الانتخاب، ويأتي في طليعة هؤلاء، وفق تصنيف التيار، الرئيس سعد الحريري الذي وافق على مبدأ النسبية، وحزب «القوات اللبنانية» الذي ساهم في تحصين الموقف المسيحي المشترك، من دون تجاهل موقف الرئيس نبيه بري وبقية الجهات المعنية.
كما يحرص التيار على اعطاء انطباع بأن اعتماد النسبية لم يكن انتصاراً على الغير، بل تم بقبول الغير، معرفاً النسبية بأنها تلاقي الكبار من دون إلغاء الصغار.
وبرغم إقرار القانون الانتخابي في مجلس النواب، إلا أن التيار لا يزال يدعو إلى تعديلات تتعلق بعتبة المرشح، وبانجاز البطاقة الممغنطة كضرورة إصلاحية، خصوصاً أن التمديد 11 شهراً للسلطة التشريعية لا يبرره، برأيه، سوى اعتماد هذه البطاقة، أما إذا كان هناك عجز عن إنجازها، فان التيار يطالب باجراء الانتخابات النيابية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
Leave a Reply