من كان من اللبنانيين يتصور ان يسمع في يوم من الايام زعيماً يمثل الغالبية من المسيحيين يقول بأن سلاح «حزب الله» هو للدفاع عن لبنان وليس فقط لاستعادة الاسرى بل لحماية لبنان من الاخطار القادمة، الاخطار الاسرائيلية المتربصة بالوطن. اي الاقرار الضمني ببقاء هذا السلاح الى امد غير منظور الى امد من المؤكد انه يتجاوز ما بقي من عمر الزعيم المسيحي المقصود، لان الخطر الاسرائيلي على لبنان هو خطر بعيد المدى، طويل الامد من الصعب زواله.
القائل الخارج لتوه من وعكة صحية، يقف على مشارف الرحيل الابدي عن دنيا السياسة اللبنانية، تاركاً ورائه تياراً واسعاً يدين له بالطاعة والولاء، يقف الرجل مرتاحاً للرحيل واغماض عينه وهناك طائفة من اكبر الطوائف في لبنان مدججة بالسلاح بانواعه المختلفة، وتملك رجالاً اشداء خبرهم العدو والصديق وعرفتهم ساحات المعارك، واستطاعوا ان يهزموا اعتى واقوى دولة في الشرق الاوسط.
ليس هذا فحسب، بل يرتبط الجنرال السبعيني بحلف استراتيجي مع صاحب السلاح وحامله وكأنه وجد ضالته في هذا التحالف ليصبح متكأه وعصاه التي ينهر بها خصومه ويهزها بوجه اعدائه.
ولكن ما الذي دفع الجنرال الراديكالي المتشدد لخوض هذه المغامرة والوقوف بمواجهة الادارة الاميركية والغرب المسيحي وعلى رأسه فرنسا، اضافة الى المحيط العربي باستثناء سوريا التي ناصبها العداء لردح من الزمن؟!
عندما عاد العماد عون من منفاه الباريسي ولحظة وطأت قدماه ارض المطار استشعر الفتور الذي لاقاه به حلفاؤه في «14 آذار»، فهو لم يكن على الرحب والسعة، انما كان تسونامي سياسية خربت لبنان حسب الوصف الذي الصقه به عرّاب الحلف الرباعي آنذاك الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
في نفس اليوم الذي عاد به الجنرال من منفاه حُدد موعد الانتخابات النيابية وفقاً لقانون الانتخابات السابق المعروف بقانون الالفين او قانون غازي كنعان تهكماً. كانت هذه الصفعة الاولى المباشرة التي تلقاها عون على يد حلفائه معتقدين ان ذلك لن يمكن عون من الحصول على كتلة نيابية معتبرة، وبالتالي تحجيمه شعبياً وتنفيسه سياسياً. الا انه حتى تلك اللحظة كانت الصورة بالنسبة لعون تبدو وكأنها تكتيكية، محض داخلية بعيدة عن التدبير الخارجي، اي لا تعكس نظرة الولايات المتحدة الاميركية لموقعه ودوره في لبنان. الى ان زار الجنرال الولايات المتحدة في كانون الثاني من العام 2006 ولم يلق معاملة جيدة، ان من حيث المواقف الداعمة له وان من حيث وزن المسؤولين الذين التقاهم مقارنة بالنائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط. وكان ارفع مسؤول اميركي قابله عون هو دايفيد ولش الذي اسمع عون كلاماً مفاده الالتحاق بقوى الاكثرية والعمل من ضمنها وقطع علاقاته بـ«حزب الله».
رجع عون من زيارته بعد ان تأكد لديه بأن قرار عزله اتخذ بالخارج، وان لدى الادارة الاميركية توجهاً لاضعاف الدور المسيحي والحاقه بالصيغة الجديدة التي تجعل من سعد الحريري الممثل الوحيد للسلطة في لبنان. وذلك من ضمن خطة شاملة للمنطقة تضرب قوى الممانعة وتروض القوى الاخرى وتعطي السنة في لبنان ما خسروه في العراق بانهيار نظام صدام حسين.
وقف الجنرال عون بين خطين: الاول اميركي يعطيه بالشكل ويدخله في بوطقة السلطة تابعاً ملحقاً ويفقده رصيده الشعبي. والثاني وطني داخلي يضعه على اللائحة الدولية السوداء ويقطع حظوظه بالوصول للرئاسة الاولى، ولكنه يحفظ موقع المسيحيين في المعادلة اللبنانية ويجعلهم رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه. فآثر عون الخط الثاني وعقد تحالفه مع «حزب الله» على هذا الاساس بعد طول تفكيربجدوى هذا التحالف على المدى البعيد. ووجد عون ضمانة المسيحيين والموارنة تحديداً بتحالفهم مع الشيعة كأقليتين في بلد صغير هو جزء من محيط عربي سني ترعاه السعودية ويدين بالولاء للولايات المتحدة الاميركية. وكان هاجس عون وحزب الله على السواء هو اسقاط النظام في سوريا ما يحول الاخيرة الى دولة سنية تابعة للمحيط العربي فيصبح حال الموارنة كحال المسيحيين في دارفور او الاقباط في مصر ويصبح حال الشيعة في لبنان كحال الشيعة في البحرين.
وقد زادت ثقة الطرفين بهذا التحالف بعد حرب تموز 2006 عندما اجتمع العالم كله مع بعض الداخل من اجل ضرب الطائفة الشيعية واحداث تغييرات ديموغرافية لو نجحت لكان عون ثاني المتضررين.
استطاع الجنرال السبعيني ان يدخل التاريخ اللبناني من اوسع ابوابه المشرفة عندما استطاع ان يكسر حواجز مزمنة من الخوف والريبة بين مكونين اساسيين في وطنٍ لم يعرف الاستقراره منذ قيامته وحتى اللحظة..».
Leave a Reply