خلال نصف القرن الأخير، واجه العرب الأميركيون عقبات كأداء، في طريقهم لتأمين مكان لهم في التيار السياسي الأميركي العام، وهي عقبات تمثلت في ترويج صور ذهنية نمطية سلبية عنهم من قبل أجهزة الإعلام الأميركية المنحازة، أو ممارسة ضغوط سياسية ضدهم، من طرف جماعات ومنظمات مختلفة، لحرمانهم من مقعد على الطاولة.
وبالإضافة لهذه العوامل الخارجية المعوقة، واجه العرب الأميركيون أيضاً عقبات داخلية، كان يتعين عليهم التغلب عليها، وهم يعملون من أجل بناء وتمكين مجتمعهم. وفي العديد من الحالات، كانت هذه العقبات والمشكلات، ترجع إلى تأثير الهويات المتنوعة، والولاءات المتنافسة التي حملها المهاجرون العرب معهم، عندما جاؤوا إلى العالم الجديد في فترات تاريخية مختلفة.
ولتكوين مجتمع عربي– أميركي قادر على النمو، والازدهار، كان يتعين التغلب على كل تلك العقبات، وتحقيق المصالحة بينها، أو وضعها في موضعها الصحيح. والحقيقة أننا نحن العرب الأميركيون كنا ناجحين في تحقيق ذلك، بل ربما كنا أكثر نجاحاً من العالم العربي ذاته، وهو يحاول معالجة انقساماته وتشرذماته المتعددة. ومنذ جيل على وجه التقريب، قدم «جيسي جاكسون» نصيحة حكيمة لمجتمع الأميركيين العرب، عندما قال لهم: «لا تستوردوا انقسامات الشرق الأوسط، بل قوموا بدلاً من ذلك بتصدير دروس التعاون والعيش المشترك التي تعلمتموها في أميركا إلى هناك». وطيلة السنوات التي انقضت منذ ذلك الحين وحتى الآن حاولنا دوماً العمل بهذه النصيحة على رغم ما كنا نواجهه من ضغوط. ولعل الأمر الذي فاقم من الضغوط الداخلية إلى حد ما، هو الأعداد الكبيرة من المهاجرين العرب، التي جاءت إلى الولايات المتحدة منذ بداية القرن الحالي (ما يزيد عن 600 ألف مهاجر).
لقد بقينا طيلة الوقت نضع أعيننا على التاريخ، وعلى المستقبل. والشيء الذي عرفناه حق المعرفة خلال ذلك، هو أن الكثير مما نشاهده اليوم، قد حدث من قبل، وأن الموجات السابقة من المهاجرين العرب إلى الولايات المتحدة لم تكن أقل تشرذماً من الموجات الحديثة. وفي كل موجة من الموجات استلزم الأمر عملاً شاقاً، وتطلب وقتاً طويلاً من أجل ترسيخ الإحساس بهوية المجتمع. والدرس الأهم الذي تعلمناه خلال ذلك كله هو أننا إذا ما استمررنا في تقديم الخدمات، وفي توفير فرص التمكين والتقدم، فإن المجتمع سينمو، وسيزداد قوة وتماسكاً على الدوام.
وأنا شخصياً تعلمت درسين خلال الأربعين عاماً التي انخرطت خلالها في هذا العمل. فباعتباري رئيساً للمجلس العرقي التابع للحزب الديمقراطي، تعلمت أن كل مجتمع عرقي في الولايات المتحدة يعاني من ضغوط داخلية، وأن الأمر لا يقتصر علينا نحن العرب (وإن كان انحدارنا من 22 دولة عربية مختلفة يجعل وضعنا أكثر تعقيداً)، وإنما يشمل أيضاً مجتمعات أخرى مثل مجتمع الإيطاليين الأميركيين، والأوكرانيين الأميركيين، أو الأرمن الأميركيين، فنحن جميعاً مجتمعات أدركت أنها يجب أن تعمل من أجل بناء الإحساس بالمجتمع أو الحس المجتمعي العام.
والدرس الثاني الذي تعلمته، أن الكفاح من أجل تحقيق أهداف المجتمع لا ينتهي أبداً ففي كل حقبة جديدة تظهر عقبات جديدة ذات طبيعة مختلفة يتعين التغلب عليها. وفي الوقت الراهن يعاني مجتمع العرب الأميركيين، بسبب ما سمي «الربيع العربي»، والثورانات التي تلته، وظاهرة الإسلام السياسي، وتصاعد الخوف المرضي من المسلمين «الإسلاموفوبيا»، فهي جميعاً عوامل تمثل اختباراً عسيراً لإحساسنا بمجتمعنا، ولقدرتنا في الحفاظ على هويتنا المشتركة.
Leave a Reply