في محيط هذه الاستهلاكية الطاغية التي تجتاح الناس في كل زمان ومكان، وعلى وسائل الإعلام المسموع والمرئي هنا في ديربورن، لا يزال في الناس من يتشوقون إلى تقديس الحياة فيخلعون جلباب الأمر الواقع ويطوفون في واحات الجمال تعميقاً للإحساس بمعنى الحياة وتصويباً لمسيرة الأحياء.
من هؤلاء الناس ربيعة الجوهري، سيّدة ذكيّة مثقفة، تقدم برنامجاً إذاعياً عن الجمال مع دكتور مثقف وذكي هو الدكتور مازن حركة.
تملك السيّدة الجوهري صوتاً أنثوياً ساحراً مغزولاً من ضياء وسحر. لست الوحيدة التي تعشق صوتها. الكثير من المستمعين ينتظرونها كل أسبوع لسماع مقدمة برنامجها بلغة عربية سليمة، وبأسلوب مختصر مفيد تعبّر عن أفكارها بوضوح وأناقة، ويطيب لها أن تتأرجح بين الجدّ والدعابة حين تتواصل مع المستمعين وتجيب عن أسئلتهم المختلفة من خلال حوارها مع الدكتور حركة بكلمات فيها إيجاز عوضاً عن الإسهاب و«الفذلكة» الذي اعتاده المتحدثون والباحثون حيث تمتاز تعليقاتها بالتلميح الذكي عوضاً عن التوغل الغبي في الدراسات والأبحاث الثقيلة المملّة.
عندما تلتقيها لأول مرة، سرعان ما تشعرك –وعلى طريقة البوذيين– بأنكما لا بد وإن التقيتما في حياة سابقة. وتكتشف على الفور أنه ليس هناك ربيعة مثقفة وذكية وربيعة عادية، بل ربيعة واحدة، حسناء فاتنة وطيبة، تلقائية بعفوية ولها حضور خاص ومميز على الإذاعة وخارجها، وذوق مرهف يمزج الحنجرة الحانية والحنجرة الأوبرالية.
موهبة السيدة الجوهري، وتمكُنها من اللغة العربية، إضافة إلى ثقافتها الواسعة في الإنكليزية والفرنسية، وصوتها الصافي الجاذب لآذان المستمعين في خضم المعمعة من المذيعات “الربع كم”، هي مكسب لكل من تأسره الكلمة العربية الجميلة حين تُقال بصدق وعفوية وحرارة. تحية لك سيّدتي ونأمل أن نسمعك في برامج أكثر.
2
الغناء موهبة فطرية، يسير بلا دليل، يدخل المنافذ ليشيع جمالاً يتفق عليه الناس مثل الوجه الجميل. والموهبة الحقة هي قيمة ثابتة لا موضة عابرة، خصوصاً إذا مسّتها المعرفة الواسعة والثقافة من ينابيع الذوق المرهف السليم والإحساس الشديد بحرارة الحياة ولوعة الواقع، والجهد الصادق الدائب مقروناً بالعفوية والصدق.
هذا ما لمسته الأسبوع الماضي حين استمعت للأستاذ زياد نصر من خلال برنامج شموع عربية للمذيع المثقف الأستاذ سمير حداد. والأستاذ حداد غنيّ عن التعريف وبرنامجه بالفعل شموع عربية في عتمة الأمة العربية. لقد كان استماعي لبرنامجه دافعاً لأن أذهب إلى استديو الإذاعة ويكون لي شرف اللقاء والاستماع إلى الأستاذ زياد نصر، الفنان المبدع وهو يغني بذوق وطرب ويعزف على العود ببراعة وإحساس. وقد كان لي أن أطرب بالكلمة والنغمة والأداء.
تحية لسمير حداد وبرنامجه الإذاعي الثقافي المميّز بين البرامج الركيكة وتحية مماثلة لزياد نصر وإبداعه الفنّي – رغم أنه غير معروف في الجالية – على أمل المزيد من جرعات الفن الأصيل الذي افتقدناه.
Leave a Reply