الليل اللي ماخافوا منو
الموت اللي ما بعدو عنو
الكاس اللي هجموا وشربو منو
الشمس اللي ضوها بعمرن مش راح تنطفي.
بابتسامة من نور، وعينين جميلتين واسعتين، وبقامة مستقيمة فارعة، وبإيمان راسخ بالله، وبمحبة لامتناهية للبنان، الوطن، نال أخي الشهيد ابراهيم حسين خليل، شرف الشهادة في عملية نوعية ضد الاحتلال الصهيونية وعملائه، داخل الحزام الأمني الذي أقامه الجيش الإسرائيلي في قرى جنوب لبنان.
كان ذلك قبل 25 سنة، وتحديدا يوم الخامس عشر من أيلول سنة 1985. وعلى امتداد تلك السنوات، حملت أنا الحزن في صدري عليه، وعلى كوكبة شهداء تضم أكثر من خمسين شهيدا من القرية التي أنتمي اليها، وخصوصا الشهداء الذين يحملون اسمه الغالي: ابراهيم. ابن عمتي الشهيد ابراهيم حسين اسماعيل والذي استشهد في أوائل الحرب اللبنانية الإسرائيلية. الشهيد ابراهيم رمضان الذي اغتالته يد الخيانة المحلية قبل يد الغدر الإسرائيلية. الشهيد ابراهيم حناوي الشاب الجميل الذي قضى في عملية نوعية ضد اسرائيل وعملائها. الشهيد ابراهيم كمال شهاب.. الشهيد الأكبر لاثنين من أخوته الشهداء الأبطال مثله، والشهيد ابراهيم علي شهاب.
هؤلاء الشهداء الأبطال وغيرهم الكثيرون، سواء أكانوا من قرى الجنوب في لبنان، أو من بعض المناطق اللبنانية، أضاؤوا شمعة التحرير من الخوف والفزع من الجيش الاسرائيلي الذي قهر جيوش التخاذل العربية. دم هؤلاء الأبطال دحر ذلك الجيش وطهر تراب الجنوب من أقدام الإسرائيليين القاسية مثل قلوبهم. الموجع أن يبقى بعض الخونة عملاءً لاسرائيل. الخائنين لربهم ووطنهم، وهؤلاء الخونة لعنهم الشهداء الأحرار عندما “وقفوا بوجه الشمس وقالوا ملعون اللي بيخون بلادو”.
الأسبوع الماضي كنت أشاهد أخبار مأساة الفيضانات في باكستان. سأل المذيع إحدى السيدات عن شعورها فأجابته: الآن أشعر ببعض الارتياح لأني وجدت جثة أبي. على الأقل لن يبقى بين الركام، وسوف لن يذهب الى مقبرة جماعية. بحرقة بكيت وأنا أسمعها. فأنا بعد 25 على استشهاده لم أستطع العثور على جثمان أخي الشهيد ابراهيم، كذلك جثامين رفاقه الشهداء الذين كانوا معه خلال دفاعهم عن تراب لبنان.
ترى هل أكلت الطيور والوحوش البرية أشلاءه؟ أم هل أخذ الجنود الاسرائيليون جسده، وسرقوا اعضاءه الحيّة فغرسوا عينيه الواسعتين الجميلتين في وجه أحدهم ليبصر، وزرعوا قلبه المحب في صدر صهيوني مريض ممتلئ بالكراهية والعنصرية؟ وحده الله يعلم.
في ذكرى استشهادك، أخي الحبيب، هذه السطور ليست رثاء لك، إنها تحية لك ولكل الشهداء الأبرار الذين غادرونا وبشهامة باكراً، وفي كل صباح، أرى ضوء عينيك الجميلتين.. في كل مساء أسمع صوتك العذب مرنماً: “يا وطني، تراتيلك جميلة وحزنك سيسبغ عليّ الشرف. سوف أبدأ حياتي في عالم خالد جديد. أيها الوطن المعذب.. إنني ألقي عليك تحية الوداع”.
Leave a Reply