هل العام الجديد ٢٠١٠ على منطقة ديترويت الكبرى فلبست الطبيعة حلةً بيضاء بعد أن اتشحت بالسواد حزناً على ابي عبد الله الحسين في ذكرى عاشوراء حيث طافت المراكز الإسلامية وضاقت بمحبي أهل البيت عليهم السلام الذين استذكروا هذه الثورة المباركة ألتي جعلت من الإمام الحسين على مر العصور المفاعل النووي الايماني والنوراني في قلوبهم.
أما في بلد “الطائفية السياسية والحروب الأهلية” فالوضع على حاله من المراوحة والدوران في حلقة مفرغة. فبعد “بعبع” إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وألتي جزع منها أصحاب الكيانية وأذيالهم (ولعل أطرف تعليق جاء من فتفت بان العلة ليست في الطائفية السياسية بحد ذاتها بل في تطبيقها! ربما صرح فتفت بهذا وهو يحتسي شاي مرجعيون)، جاء دور التعيينات الإدارية ونفس الدوامة مع لازمة السؤال الذي من المعيب مجرد طرحه في دولةٍ حديثة “مستقلة” عن “الإستقلال والسيادة”: هل تتم التعيينات عن طريق المحاصصة المذهبية أم الكفاءة؟ بمعنى آخر، هل يتم التعيين بواسطة “التناتش” الطائفي السابق حيث يوضع الرجل (أو المرأة) غير المناسب كفاءةً أو علماً في المكان غير المناسب فيستمر الفساد الإداري والبرطيل والمحسوبيات والواسطة والترهل الاداري؟ إذا اردنا أن نحكم على التجربة السابقة في التعيينات نقول إننا غير متفائلين.
على صعيدٍ آخر، فحفلة المصالحات جاريةً على قدمٍ وساق بإستكمال دولاب اليانصيب البشري استدارته الكاملة بلقاء النائب وليد جنبلاط الجنرال ميشال عون في الرابية. وكان قبل يومٍ واحد قد حضر لقاء مصالحة في الشويفات بحضور طلال ارسلان، إستحضر فيه تحالف الضاحية والجبل أيام العز النضالي ضد حلفاء الأمس القريب من جماعة الجميل-جعجع. وقبلها جاء بقدميه إلى الجاهلية لحضور غذاء مصالحة مع وئام وهاب برفقة مروان حماده أحد أكبر الصقور الـ”١٤ آذرية” الذي لم يكن يعترف بوجود وهاب أصلاً! والحق يقال أن وئام أثبت براعةً فائقة في الأزمات وفي مرحلة الوئام، جعلته يشق طريقة كزعيم درزي ووطني ثابت في المعادلة اللبنانية. وبرأيي فإن وئام وهاب هو الوحيد الذي جعل وليد جنبلاط “يعود إلى وعيه” ويثوب الى رشده بعد تأديبة “٧ ايار”، لأن وهاب بدأ يلتف حوله قسمٌ لابأس به من الدروز في منطقة الجبل التي كانت محرمة على غير “التقدميين” مما أصبح يهدد بنزاع دموي درزي-درزي لا يمكن أن يتحمله جنبلاط لأنه كالصليب الأحمر يستعمل دماء كل العالم، لكنه غير مستعد أن يسيل قطرة واحدة من دمه! وهكذا أصبحت طريق دمشق معبدة أمام جنبلاط، لكن المشكلة اليوم هي كيف سيعود إلى وضع تلك الغشاوة التي غطت عينيه لمدة ٢٥ عاماً ولو كانت “غشاوة كاذبة” كما صرح يوماً. واليوم وبعد أن ترك جوقة “١٤ آذار” المفرنقعة، هل كان يكذب عليهم أم على السوريين؟
ولكن بالرغم من زعم جنبلاط أن المصالحات لا تستهدف أحداً، بقي فريق الكتائب-القوات يغرد خارج السرب لأنه يبدو أنه لم يتعلم من التجربة الدامية السابقة التي جرت الويلات والكوارث. فها هو سمير جعجع يبشرنا بحربٍ إسرائيلية جديدة بعد أن برأ إسرائيل سلفاً من شن هذه الحرب ونتائجها وذلك حتى يعلم الجميع بانه مازال موجوداً في حمأة زيارة الحريري لدمشق وإبتعاد وليد جنبلاط عنه وعن “١٤ آذار” أو بقاياها. هذا الدور الذي يقوم به جعجع اليوم يذكرنا بدور معلمه بشير (حيةٌ فينا) الجميل الذي كان على علمٍ بالغزو الإسرائيلي عام ١٩٨٢ وساهم فيه عن طريق محاصرة بيروت ومنع الطعام وحتى حليب الأطفال من العبور إلى العاصمة الأبية التي، للأسف، رفعت صوره فيها جنباً إلى جنب مع عقل هاشم ذات ليلةٍ ليلاء حالكة الظلام من “ثورة بولتون ودبليو أبو حذاء”. وكما ذكر شارون في مذكراته أنه زار بشير الجميل عدة مرات وكانت زوجته تعد له في كل مرة أطباقاً لذيذة! ربما مذاك الحين ومن كثرة محبته للاطباق اللبنانية، راودت شارون فكرة سرقة صحن الحمص اللبناني.
إذاً ليس صدفةً أن يتناغم التهويل الاسرائيلي مع التحذير الجعجعي. لكن اليوم غير الأمس، وعوالم بأكملها تغيرت منذ ١٩٨٢في لبنان وحتى في إسرائيل. فهذه الأخيرة تكاد لا تنام اليوم بعد أن تحطمت أسطورة جيشها الفزاعة بوجه العرب وبعد أن تكاد تموت قلقاً على ما يحمله عدوها من مفاجآت لا تعرفها ولا قدرات لها على رصدها. كما اننا كلنا نعلم أن اسرئيل تعمل ولا تتكلم وحين تتحدث عن حربٍ مقبلة فهي تفعل ذلك لردم هيبتها المهشمة وللاستهلاك المحلي ليس إلا. وهنا لا بد من ملاحظة على الهامش، حول موقف جعجع وذاك السياسي الطيب اردوغان الذي مازال يدهشنا بمواقفه النبيلة التي يجب أن يندى لها جبين النظام الرسمي العربي فقيد الشرف والكرامة (وتثلج صدر المقاوم الأول فؤاد السنيورة). لم يجرؤ سياسي عربي ولو نفاقاً على عادته أن يقترب من المحرمات الإسرائيلية كما فعل الطيب رجب عندما حذر من ترسانتها النووية ومن خرقها لمئة قرار دولي! هل هي صدفة أن دولتين غير عربيتين تدافعان بحزم عن قضية العرب الأولى في وقتٍ يبني فيه العربان جدران فصل عنصري واخلاقي وإنساني بينهم وبين فلسطين ويتلهى الشارع العربي بقشور خلافات انظمته؟ فاطيب تحية نهديها من قلب كل عربي ومسلم حر لبطلي العروبة رجب طيب أردوغان والنائب البريطاني جورج غالاوي وصح النوم يا عرب!
أن قضاء ١١عاماً في زنزانة إنفرادية وقبلها في زنزانات التعصب والتحالف بعكس الطبيعة قد تكون السبب في أن يفوت جعجع الكثير من المعطيات المهمة. وحاله اليوم مثل أوحال “١٤ آذار” وقبلها “قرنة شهوان” المنحلة. ففي زمان تغير المواقف وعودة الربيع السوري إلى طبيعته وتفرق “عشاق حراس الأرز” وزمن تسارع أعداء سوريا بالأمس حين كانت “دولة مارقة” لإعادة ما إنقطع (مع ريف دمشق)، أصاب جوقة “١٤ آذار” ما أصاب الغراب الذي أراد أن يقلد مشية الحجل فلم يعرف كيف يمشي كالحجل لكنه نسي مشيته الأصلية.
Leave a Reply