التلفزيون العربي: صدى الشارع ونبض الكلمة
عباس الحاج أحمد – «صدى الوطن»
يضج تاريخنا العربي بأحداث متفرقة تحمل في طياتها الحروب والممالك والإمبراطوريات وحتى الأنظمة الديمقراطية. تاريخ صُنع بأيدي الشعوب وحكامها، خطّته تباعاً أقدام الجمال وخيم القبائل، بصوت السهم والنشاب ورصاص القلم والبندقية. تاريخ يولد صراعات لم يقيض لها الظهور لو أن تسجيل الفيديو كان حاضراً بعصر الرواة وناقلي الأحاديث. وعلى الرغم من قوة صانعي البروباغندا في عصرنا الحديث وتمكنهم من تزييف الحقائق في عصر الانترنت، إلا أن الشاشة العربية قد قدمت للمواطن ما يكفيه ليحسم مواقفه تجاه قضايا الشعوب، لاسيما بعد أحداث الربيع العربي.
فقد وُلد، مع هذا الربيع «شبكة تلفزيون العربي». ولادة تزامنت مع حاجة الشارع إلى وسيط جديد يحمل قضاياه ويساهم في صناعة الرأي العام. حاجة إلى مزج الخبر السياسي مع النغمة الموسيقية واللقطة السينمائية. تنطلق من صوت الشباب الذي فقد ثقته بكل ما يحيط به وثار كالأسد ضد مروّضيه، لينقل هواجسه إلى شبكات التواصل الاجتماعي، مظهراً أهمية إنتاج رؤية إعلامية جديدة تواكب «كسر المحظورات» على الإنترنت وانحسار الصحافة الورقية الهادفة والبرامج الترفيهية القيمة والثقافة الإعلامية المسؤولة. فأصبحنا بحاجة ماسة إلى ورق هادف ولكن بصور متحركة وبتكنولوجيا حديثة تتوافق مع مصطلح «الشبكة».
تقدم «شبكة تلفزيون العربي» رؤيتها بما يلي: «تسليط الضوء على آمال المواطن العربي ورؤاه، ونظرته إلى نفسه وإلى العالم والمستقبل، كما تسعى الشبكة لأن تكون صوت ورؤية المشاهد العربي في كل مكان».
وتركز القناة، جهدها لتكون منصة لأصوات وأفكار المبدعين والفاعلين لتحقيق إضافة نوعية وتقديم الجديد والمختلف بروح شبابية معاصرة، حيث تولي اهتماماً خاصاً بالفئة الشبابية».
واكبتُ أجواء الشبكة عن قرب في لبنان. خاصة بعد أجواء الحراك المدني الذي صنع خطاً سياسياً شبابياً جديداً. وكنت ضيفاً في حلقات عديدة من برنامج «بورصة الرأي». لفتتني استراتيجية القناة العملية في نقل رؤى الشباب المتنوعة من كل العالم العربي بصورة جاذبة ومؤثرة بالمشاهد.
لا شك في أن للشبكة خطاً سياسياً خاصاً. إلا أنه خط مواز لخطوط إيجابية هدفها تطوير المجتمعات العربية ثقافياً وعلمياً وفنياً.
هنا تظهر شخصيات القناة الأساسية بخلطة مميزة وفعالة تبدأ بمدير القناة، المراسل الصحفي السابق عباس ناصر وتنتقل إلى الفنان والموسيقي المميز مروان خوري والكاتب والسيناريست والصحافي بلال فضل وصانع الأفلام الوثائقية أسعد طه. خلطة تنتج جمهوراً ناقداً بعقلية جدلية، لفهم شخصيات أحمد زكي وألحان محمد فليفل وأفكار إدوارد سعيد، في إطار موحد عنوانه: «أنا العربي».
بدأ البث التجريبي في الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2015 في ذكرى «ثورة 25 يناير» في مصر على أيدي مجموعة من العاملين في المجال الإعلامي والصحفي في العالم العربي، في رؤية تطمح إلى تحقيق قدر أعلى من الموضوعية بين القنوات الجديدة الناشئة، على حد قول القائمين على القناة.
لمسة عباس: من هاتف مرمرة إلى قمة الشبكة
استلم مدير القناة عباس ناصر جائزة أفضل قناة عربية لعام 2018 ضمن حفل «جائزة أفضل العرب» التي تنظمها مؤسسة «جوائز غلوبال العربية اعترافاً له بلمسته الخاصة التي أضفاها على القناة من عصارة مسيرته المهنية، من «أسطول الحرية» إلى قمة الشبكة. ناصر أهدى الجائزة إلى الصحافيين «جمال خاشقجي وأطوار بهجت وطارق أيوب وحسن الوالي وعلي جابر، وكل من قضى في ميدان الإعلام والحقيقة»، مؤكداً أن «تتويج التلفزيون العربي يشكل حافزاً لنا ويؤكد أننا في الطريق الصحيح».
جمع ناصر خلال ذلك التكريم بين حاضر «التلفزيون العربي» وماضي النضالات الإعلامية التي توجت أصحابها بخبرتهم كعاملين في الشبكة. وكان عباس ناصر قد نقل أجواء الإنزال الإسرائيلي على سفينة مرمرة بهاتفه في مراسلة إعلامية تاريخية عبر «قناة الجزيرة» اختصرت الصراع العربي–الإسرائيلي بين مناضل باسم حرية الكلمة ومحتل يغتصب الأرض والسفن والهواتف.
الوثائقيات: شيفرة شحن العقل
في زمن المعلومات المغلوطة تبرز الحاجة الماسة للوثاثقيات التي ترصد اللحظة بكل أبعادها. أنتج التلفزيون العربي عدداً من الوثائقيات والتحقيقات الصحفية التي مثلت سبقا في بعض الأحيان وأثار الكثير من الجدل والاهتمام الإعلامي عربياً وعالمياً. ومن أبرز التحقيقات الصحفية التي قامت بها القناة هو الكاشف عن سرقة آثار سورية يشتبه بأنها من مدفن أرطبان بمدينة تدمر السورية وهي ضمن سبعة من أصلِ اثنتين وعشرين قطعة كانت منظمة الشرطة الجنائية الدولية نشرت على موقعها الإلكتروني أنها مفقودة، وذكرت أنها سرقت على الأغلب بين عامي 2014 و2015. وكان التحقيق الذي بث ضمن برنامج «شيفرة»، قد أوضح أن مدفن أرطبان، تعرض للتخريب وسرقة جميع اللوحات النصفية وعددها 22 لوحة. ومن المحتملِ أنه تم اقتلاع هذه اللوحة النصفية من هذا الجدار. وأكد فريق البحث في التحقيق أن الآثار المسروقة تعود إلى مدفن أرطبان. ونجح الفريق أيضاً بالعثور على لوحة واحدة من بين اللوحات المسروقة، بعد التأكد من تطابق التواريخ مع ما نشره الإنتربول لصور القطع المسروقة. وقد حاز هذا الوثائقي الاستقصائي على جائزة أفضل تحقيق صحفي استقصائي من فئة أفضل التحقيقات المنشورة للعام 2018 من الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية.
جو شو: شر البلية ما يضحك
مع غياب باسم يوسف وبرنامجه الذي اكتسح الساحات العربية «البرنامج». برزت الحاجة إلى برنامج مماثل. وكان نجم اليوتيوب الشاب يوسف حسين بالمرصاد. فبعد نجاح برنامجه اليوتيوبي بعنوان «جو تيوب» انتقل هذا البرنامج ليبث بشكل رسمي على التلفزيون العربي بعنوان «جو شو». يتناول البرنامج الأوضاع السياسية والاجتماعية في الوطن العربي. ويسلط الضوء على ما يصفه مقدم البرنامج بأنها تناقضات ومفارقات في الإعلام العربي الرسمي. ويقدم نقداً ساخراً يحرك به الحس النقدي في لاوعي الجماهير بشكل غير مباشر. ففي ظل غياب المسؤولية الإعلامية والنقد الموضوعي للبرامج العربية، تأتي البرامج النقدية الساخرة كبرنامج «جو شو» لتسلط الضوء على حجم البلية بمبدأ «شر البلية ما يضحك».
الرصد العلمي والإعلام الاستقصائي
وقد طورت الشبكة مفهوم الإعلام الإستقصائي الذي يحمل على عاتقه مسؤوليات كبيرة تجمع التحليل الموضوعي بالفكر الأمني والرصد العلمي. في ظل تقاعس الأجهزة الحكومية المسؤولة في دولنا. وهنا يبرز تحقيق «قنصلية الموت» الذي يكشف ملامح وتفاصيل التحقيقات بشأن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. التحقيق يتتبع خطاً زمنياً لتحركات الصحفي الشهير منذ وصوله إلى اسطنبول قادماً من مكان إقامته في واشنطن وزياراته للقنصلية السعودية باسطنبول، بالاستناد لمصادر تركية خاصة ومصادر في صحيفة واشنطن بوست الأميركية تكشف عن سير التحقيق، كما يسلط الضوء على المشتبه بهم الرئيسيين في القضية والذين يرتبط بعضهم بصلات واضحة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وشارك في الوثائقي عدد من أصدقاء خاشقجي والمطّلعون على قضيّة اغتياله، منهم مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي، ومدير عام قناة «الجزيرة» السابق ياسر أبو هلالة وغيرهم.
طرب في زمن الانحطاط
على صعيد آخر، يبرز برنامج «طرب» مع الفنان مروان خوري كأكثر البرامج الفنية شهرة على شاشة التلفزيون. ويعود ذلك لنجاح البرنامج ومقدمه في استقطاب العديد من أشهر نجوم ونجمات الطرب العربي في ظل الانحطاط الفني المستشري.. استضاف برنامج «طرب» في أولى حلقاته المغنية اللبنانية نوال الزغبي، ثم استمرت مسيرة البرنامج مع لطفي بوشناق والموسيقار العراقي نصير شمة والنجم المصري حمزة نمرة، وسعدون جابر والكثير من الأسماء الكبيرة في عالم الفن والغناء العربي، إضافة إلى استضافة العديد من الفنانين الشباب والصاعدين. برنامج يعيد ترتيب النغمات والألحان والكلمات في أذن المستمع العربي.
عصير الكتب والموهوبون في الأرض
ولا تخلو الثقافة والادب من قائمة التفعيل الدائم مع تسارع انتشار القناة. تفعيل عنوانه «عصير الكتب». وهو برنامج ثقافي يقدمه الكاتب المصري بلال فضل ويتناول فيه قضايا متنوعة حول الكتب والكتابة والمؤلفين والقراءة. يتوزع البرنامج على عدد من الأجزاء، حيث يتم في الجزء الأول من البرنامج تقديم عرض حول أحد الكتب ويشرح بلال فضل سياق تأليف الكتاب ونشره. كما يستضيف البرنامج ضيفاً من المثقفين العرب للحديث عن قضايا متنوعة. تتنوع الفقرات الأخرى بين تقارير عن كتاب مشهورين وعروضٍ للفعاليات الثقافية. «عصير كتب» أشبه بـ«كوكتيل ثقافي» يسد جوع الجهل وثقافة التكفير وسفك الدماء التي تلتقطها رادارات البث الفضائي وتبثها في بيوتنا وأزقتنا.
هذه الخلطة الثقافية يضاف لها العديد من البرامج الهادفة كبرنامج: «الموهوبون في الأرض» الذي يستعرض حياة بعض الفنانين المصريين المخضرمين، وتجاربهم الفنية من خلال عرض يقدمه أيضاً السينارست بلال فضل. يتناول فيه حياة فنانين وكتاب ومخرجين جمعته بهم، الحياة العملية، ويحكي لنا ذكرياته معهم والأشياء التي تعلمها منهم.
ريمكس حمزة نمرة
في هذا البرنامج يقدم الفنان المصري حمزة نمرة، التراث الغنائي بنكهة حديثة. فيعيد أداء أشهر الأغاني التراثية من مختلف الدول العربية وإعادة توزيعها بأسلوب حديث يمزج به الموسيقى الغربية بالإنتاج الفني لأجدادنا. مقدماً موسيقى تسافر بها ما بين الحاضر والماضي والمستقبل.
العربي اليوم
أما برنامج «العربي اليوم» الذي تقدمه فدى باسيل وبدر الدين الصائغ، يعد أهم البرامج السياسية التي تعرضها القناة، وهو عبارة عن «توك شو» يومي يناقش أهم الأحداث السياسية في العالم العربي ويستضيف الخبراء والمحللين للحديث عن القضايا الراهنة.
باقة بكل الألوان
تقدم لنا الشبكة أيضاً المزيد من البرامج بباقة متنوعة. تحمل معها كل الألوان على مبدأ: «ما فينا نلون هل كون على بعضو بذات اللون». فتنتقل عناوينها ما بين السياسة والفكر والثقافة والترفيه والوثائقيات.
من ديربورن إلى لندن، وفي زمن نواجه فيه الابتذال المنتشر باسم الإعلام بكل وسائله، نرفع من صفحات «صدى الوطن» الورقية إلى شبكة التلفزيون العربي بشاشته الرقمية، تحية احترام وتقدير لأبناء لغة الضاد الذين لا يألون جهداً في صنع إعلام عربي يحترم العقول والأذواق والثقافة العربية، سواء في ميشيغن أو لندن أو العواصم العربية. alaraby.tv
Leave a Reply