فاطمة الزين هاشم
أطلّ وزير التربية اللبناني الياس أبو صعب على جمهوره الذي يكنّ له كلّ تقدير واحترام، وذلك من خلال برنامج «هيدا حكي» مع عادل كرم ذي الظلّ الخفـيف، وأبهر الناس كعادته، بتواضعه وعفويّته المعهودة وحرصه على دفع عجلة وزارة التربية إلى الأمام ونحو الأفضل ومتابعة كلّ ما يصبّ فـي مصلحة الطلاب، حتّى أنه عندما عُرضت عليه «عبر الشاشة» الأغاني التي ألّفها الطلاب أثناء العاصفة الثلجية التي ضربت لبنان ممّا تسبّبت فـي إقفال المدارس عدّة مرات خوفاً على الطلاب من تأثيراتها المؤذية، استقبلها بابتسامة تنطوي على براءة الأطفال، وبارتياح بدا على ملامح وجهه، فشكروه وعبّروا له عن حبّهم وامتنانهم له.
وعد بتغيير منهج اللغة العربية وتبسيط مفرداته على الطلاب بعد أن لاحظ أنّ معظمهم يتأفّف منها فـيلجأ إلى لغة ثانية، تأكيداً منه على تكريسها ومنع اندثارها، فـيما يواصل جهوده فـي تبسيط دروس قواعد النحو.
وكم كان مهذّباً عندما سأله عادل كرم: كم مدير مدرسة «شحَطِت» حتّى الآن؟ إذ أجابه بكلّ أدب واحترام حول المدراء المُقالين قائلاً: «لا أرغب بهذا التعبير، فقد أعفـيتهم من مناصبهم حرصاً على مصلحة الطلاب لأنّهم عماد الوطن وضمانة مستقبله»، وفـي عيد المعلم بدل التهنئة المُعتادة فـي مثل هذه المناسبة أعتذرَ منهم قائلاً: «حاولت جهدي أن أقف معكم فـي زيادة رواتبكم، ولكن هناك من وقف ضدّي من أهل السياسة فـي البرلمان، حيث فكروا أنّ مصلحتهم أهمّ فـي ملء جيوبهم»، وكان من ظرافته أن أهدى إلى البرنامج طاولة صغيرة وكرسيَّين صغيرَين، جلس هو على أحدهما فـيما أجلس مقدّم البرنامج على الآخر، بعد أن اقترح عليه أن يجلس كل ضيف فـي الحلقات القادمة وخاصّة الساسيّين منهم وراء تلك الطاولة علّهم يتذكّرون أنّهم كانوا فـي يومٍ ما طلاباً ودرّسهم المعلّم الذي يهضمون حقوقه اليوم.
هذا الرجل المخلص انتدبه حاكم دبي لتأسيس الجامعة الأميركية فـي دبي وعمل مديراً لها، وعندما زارها بيل كلينتون الرئيس السابق للولايات المتحدة، أشاد به قائلاً: «أفخر بأنّ لديّ صديق مثل «أبو صعب» الرجل الذكيّ والمثقّف الطموح والمتواضع، فخراً لدبي أن يكون لديها رجل يحمل مثل هذه الكفاءة».
وفـي دبي جمعتني الصدفة بزوجته المطربة الراقية جوليا بطرس، فـي مكتب المخرج سهيل العبدول، زوج الفنّانة ديانا حدّاد، السابق، جلست بجانبي وتجاذبنا أطراف الحديث بعد أن تعرّفنا على بعض، ثمّ سألتني: هل لديك منزل فـي لبنان؟ وحين أجبتها بـ«نعم» قالت: «أنا لحدّ الآن لا..»، فدخل زوجها معنا فـي الحديث حيث كان كلّ طموحهما أن يمتلكا منزلاً فـي لبنان، وتساءلت مع نفسي: كيف لفنّانة مثلها ألا تمتلك شيئاً، فـي الوقت الذي تتزاحم نشرات الأخبار على نشر أرصدة الفنانات صاحبات الملايين؟ غير أنّي عدت إلى صوابي وفكّرت أنّ سيّدة محترمة مثلها وفنّانة محافظة لا يمكنها أن تغتني من الفنّ، لأنّ فنّها راقٍ ومحافظ على سموّه، أمّا الأخريات فحدّث ولا حرج لأنّ «المكتوب يُقرأ من عنوانه».
دأبت تلك الفنّانة على أداء الأغاني الوطنيّة منطلقة من حبّها لوطنها وقضيّة شعبها، مثل زوجها الذي حوّل راتبه منذ سنتين إلى صندوق الهبة لاستحداث قسم مهمّته تسهيل معاملات الناس بشفّافـية ونظافة يد وسرعة الإنجاز، بدلاً من الانتظار الطويل والتعطيل ودفع الرشاوي من جيوب الفقراء، فـي الوقت الذي ينهب زملاؤه من الوزراء, الدولة دون وازع من ضمير، والأتعس من ذلك أنّهم ذهبوا إلى التوريث لأبنائهم فـي البرلمان، كأنه مفروض علينا أن نحيا مدى الحياة مع نفس الوجوه المشكوك بنزاهتها.
الوزير أبو صعب عملة نادرة فـي هذا الزمن المتعب، وعليه لم يخطئ من رشّحك لهذا المنصب، لأنّ لا أحد يستحقّه غيرك، وأتمنّى أن تجمع أعضاء الحكومة فـي صفّ واحد وتعطيهم درساً فـي التربية والأخلاق، لأنّ تربيتهم لم تكن صحيحة منذ البداية، وطوبى لك أيّها الوزير الشهم وطوبى لأمثالك الحريصين على مستقبل الأجيال.
Leave a Reply