رواية “هوليوودية” تثير الشكوك حول صدقيتها
واشنطن – لم تمض ساعات على إعلان وزير العدل الأميركي أريك هولدر، الأسبوع الماضي، عن “مؤامرة إيرانية” لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، حتى استنفر العالم الغربي لإدانة المؤامرة. وكان هولدر قد كشف النقاب عن اتهام شخصين أحدهما أميركي من أصل إيراني والآخر عضو في “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني في التآمر لاغتيال الجبير بالتعاون مع العصابات المكسيكية، في سيناريو استصعب المراقبون تصدديقه.
وسارعت واشنطن الى تهديد إيران بالمحاسبة في حال “ثبت” ضلوعها بـ”المؤامرة”، وأخرجت جميع خياراتها وألقت بها على الطاولة، وقال البيت الأبيض إنه لا يستبعد “أي خيار من على الطاولة” في التعامل مع إيران مستدركا أن السياسة الأميركية تركز على تشديد العقوبات على طهران.
وكشف المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني أن الولايات المتحدة تعمل مع حلفائها، وفي الأمم المتحدة “لمواصلة عزل إيران”.
ولهذا، بدأت الدبلوماسية الأميركية رحلة الحشد الدولي ضد إيران عبر اجتماعات منفصلة مع سفراء الدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي من أجل التوصل إلى “رد دبلوماسي”.
وأعلنت بريطانيا وفرنسا دعمها للمبادرات الأميركية. بينما وصف السفير الروسي بالأمم المتحدة فيتالي تشوركين القضية بأنها “غريبة”.
ولم يتضح بعد طبيعة الرد الذي تنتظره الولايات المتحدة، وما إذا كان استصدار إدانة من مجلس الأمن أو ردا آخر.
لكن إيران، التي فرض مجلس الأمن عليها أربع مجموعات من العقوبات بسبب برنامجها النووي، نفت ضلوعها بهذه “اللعبة الصبيانية”.
وفي السياق، أعلنت وزارة الخارجية الاميركية الخميس الماضي ان الولايات المتحدة أجرت اتصالات مباشرة مع ايران بشأن مزاعم بأن الحكومة الايرانية على صلة بمؤامرة لقتل السفير السعودي في واشنطن. وقالت المتحدثة باسم الوزارة فيكتوريا نولاند في مؤتمر صحفي “أجرينا اتصالا مباشرا مع ايران بشأن هذه القضية”، ورفضت الادلاء بمزيد من التفاصيل.
لكن الموقف الإيراني، و”غرابة” السيناريو الأميركي لم يكونا كافيين لبعض الدول العربية والغربية، حيث تعرضت الجمهورية الإسلامية لسلسلة من الإدانات والتحذيرات.
الرواية الأميركية
أعلن هولدر في مؤتمر صحافي أن منصور عربابسيار وغلام شاكوري متهمان بالمشاركة في هذه المؤامرة بقيادة عناصر في الحكومة الايرانية.
واوضحت وزارة العدل في بيان أن منصور عرببسيار الذي يحمل الجنسيتين الاميركية والايرانية اعتقل في 29 أيلول (سبتمبر) في مطار كينيدي في نيويورك ومثل أمام قاض في مانهاتن الثلاثاء الماضي، وهو يواجه عقوبة السجن مدى الحياة. بينما لم يتم اعتقال غلام شاكوري.
وأضافت الوزارة أن الايرانيين يلاحقان خصوصا بتهمة التآمر لقتل مسؤول أجنبي واستخدام سلاح دمار شامل (متفجرات) والتآمر بهدف ارتكاب عمل ارهابي دولي. كما اعلن مسؤول في البيت الابيض انه تم ابلاغ الرئيس الاميركي باراك اوباما منذ حزيران (يونيو) بوجود مخطط تقف ايران وراءه لاغتيال السفير السعودي.
وقال تومي فييتور المتحدث باسم مجلس الامن القومي انه “تم ابلاغ الرئيس بهذا الموضوع في حزيران فطلب من ادارته تقديم كل الدعم اللازم لهذا التحقيق. ان افشال هذا المخطط يشكل نجاحا كبيرا لقوات الامن واجهزة الاستخبارات” الاميركية.
وغاصت مجلة “ويكلي ستاندرد” الأميركية في سرد تفاصيل المخطّط حيث “بدأت القضية التي تحمل اسم “عملية الحلف الأحمر” في أيار الماضي، عندما تواصل مواطن إيراني -أميركي يحمل اسم منصور عرببسيار مع مخبر أميركي في وكالة مكافحة المخدرات، وطلب مساعدته في “دعم مجموعة تهريب مخدرات مكسيكية لاغتيال السفير السعودي”. وكان المخبر متخفياً بشخصية تعمل مع شبكة “زيتاس” المكسيكية للتهريب. وهذه النقطة أثارت استغراب المراقبين، حيث أنه من المعروف أن عصابات المكسيك مخروقة بشكل واسع من الأجهزة الأمنية الأميركية.
ولكن حسب المجلة، وبعد إبلاغ شبكة الاستخبارات المركزية الأميركية وملاحقة الخيوط أكد المعدّ للخطة عرببسيار أن “مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة الإيرانية، بينهم نسيبه وهو عنصر في فيلق القدس يديرون الخطة”. وتضيف الصحيفة “اجتمع عرببسيار مرتين مع المخبر الأميركي في تموز الماضي في المكسيك، وتم التفاوض على قيمة 1,5 مليون دولار لاغتيال الجبير”. وكان عرببسيار أبلغ المخبر أنه “لا يأبه بإحداث ضرر بالغ، وأن الأشخاص الذين يتواصل معهم في الحكومة الإيرانية بإمكانهم توفير أطنان من الأفيون لعصابات المخدرات”!!.
رد فعل عربي
عربيا، سارع مجلس التعاون الخليجي إلى إدانة “التخطيط الإيراني لاغتيال السفير السعودي بواشنطن”، مؤكدا أنه يضر “بصورة جسيمة” بالعلاقات بين طهران ودول المجلس. وقال في بيان إنه يعتبر “المؤامرة انتهاكا سافرا لكل القوانين والاتفاقات الدولية”، داعيا طهران إلى إعادة بناء علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي على أساس من الصدق والوضوح وحسن الجوار والتعاون. وفي سياق الإدانة، سار الأردن معتبرا أن أمن المملكة السعودية “خط أحمر” لا يجوز المساس به بأي شكل من الأشكال.
أما إسرائيل، التي تدخل دائما بقوة على خط أي موضوع يتعلق بطهران، فقد وصف سفيرها بواشنطن مايكل أورن المؤامرة المزعومة، التي قال إن السفارة الإسرائيلية بأميركا كانت أحد أهدافها، بأنه “تصعيد فعلي”.
تشكيك في الرواية “الهوليوودية”
ولم تلق، الرواية الأميركية، تجاوباً سريعاً من الإعلام العالمي، وحتى من الإعلام الغربي والأميركي. حيث استبعد المراقبون أن تقوم طهران بخطوة كهذه لان ذلك يتنافى مع مصالحها وطبيعة السياسة الإيرانية.
ووصلت مجلة “نيوزويك” إلى فكرة أنه “إزاء احتمال أن يكون الاتهام صحيحاً لا يجدر أن نؤخذ بنظرة الصحف الغربيّة إلى إيران على أنها دولة غير عقلانيّة مصممة على إيذاء أميركا بأي ثمن، إذ أن النظام الإيراني ليس نظام صدام حسين الذي يتهور إلى حد الانتحار عندما يتعلّق الأمر بتنفيذ مصالحه”.
ومن ناحيتها، علقت صحيفة “الاندبندنت” البريطانية على المخطط المزعوم على لسان باتريك كوكبورن تحت عنوان “المخطط الغريب غير منسجم مع ما يعرف عن أجهزة الاستخبارات الإيرانية”، حيث قال الكاتب إن المزاعم التي تذهب إلى أن إيران استخدمت بائع سيارات مستعملة ومتهم سابقا بتزوير شيكات لتدبير اغتيال السفير السعودي لدى واشنطن من قبل عصابة مخدرات مكسيكية لا تستقيم مع ما يعرف عن أجهزة الاستخبارات الإيرانية من حنكة ودراية عالية. وأضاف أن إعلان وزير العدل الأمريكي، إريك هولدر، وبثقة عالية عن هذا المخطط يذكرنا بادعاء وزير الخارجية الأميركي السابق كولين باول عام 2003 وأمام الأمم المتحدة بأن واشنطن كانت تملك أدلة لا تقبل التفنيد بأن صدام حسين كان يطور أسلحة الدمار الشامل.
ومن جهتها، قالت “فايننشال تايمز” البريطانية إن هذه المزاعم إذا لم تعالج بالطريقة الصحيحة، فإنها قد تتسبب في مشكلات جدية. وقالت الصحيفة إن المخطط المزعوم يشبه قصة بوليسية مثيرة لكن هذه المزاعم التي لا تزال في هذه المرحلة غير مؤكدة غاية في الجدية. وأضافت الصحيفة أن هذه المزاعم إذا لم تعالج بالطريقة الصحيحة، فإنها قد تتسبب في مشكلات ليس فقط داخل الولايات المتحدة ولكن في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
Leave a Reply