«هل نحتل مئذنة ونعلن في القبائل أن يثرب أجرت قرآنها ليهود خيبر؟»…
ربما يصح هذا المقطع الشعري الذي كتبه الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في قصيدته الشهيرة «مديح الظل العالي»، المؤرخة لفترة الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، أن يكون عنواناً للزيارة «التاريخية» التي سيقوم بها دونالد ترامب إلى السعودية التي اختارها كأولى محطاته الخارجية كرئيس للولايات المتحدة.
الرئيس الأميركي سيحل ضيفاً عزيزاً على آل سعود، واللهجة العدائية التي ينتهجها صاحب الشعر الأصفر تجاه إيران، ستنزل برداً وسلاماً على صحرائهم، خلافاً لما كانت عليه الحال، مع صاحب الشعر الأسود، باراك أوباما، الذي قارب في آخر عهده المسألة الإيرانية بدبلوماسية وحكمة شديدة، قادت إلى التوقيع على الاتفاق النووي، الذي أُلحق بدعوة إلى الخليجيين عموماً، والسعوديين على وجه الخصوص، باعتماد لغة الحوار مع الجمهورية الاسلامية لتخفيف التوتر في الشرق الأوسط.
وانطلاقاً من عدائية ترامب تجاه إيران، سيغض السعوديون الطرف عن اتهامات الرئيس الأميركي بالعنصرية ضد المسلمين، وعن تصويبه على مملكتهم بالذات، تلك «البقرة الحلوب التي ستذبح حين يجف حليبها»، طالما أن المصالح السياسية لنظام آل سعود تسمو على الكرامة القومية والغيرة على الدين.
وليس في الحديث عن هذا السلوك السعودي مبالغة، ذلك أن تفاصيل زيارة الرئيس الأميركي للسعودية تؤكدها، بلا أدنى شك، ولعل «أفضح» ما فيها هو أن ترامب سيعطي دروساً في الاسلام لأكثر من 50 زعيماً أو ممثلاً لدول إسلامية، في محاضرة يلقيها أمامهم، خلال الزيارة السعودية، وكتبها بعناية مستشاره للشؤون السياسية ستيفن ميلر.
والمعروف أن لستيفن ميلر تاريخاً من معاداة الإسلام، فخلال دراسته الجامعية، في أواخر العقد الماضي، وهو المؤسس المساعد وأول منسق وطني لما يسمى «مشروع الإرهاب والوعي»، التابع لمركز «دافيد هورويت للحريات» والذي وصفته منظمة «ساذرن بافرتي لو» الحقوقية بأنه مؤسسة مناهضة للمسلمين. وسبق له أن نظم سلسلة ندوات عنوانها العريض «الفاشية الاسلامية». وقد عمل ميلر مع ريتشارد سبنسر، الذي ينادي بتفوق البيض على الملونين، قبل أن ينضم إلى فريق ترامب.
هكذا سيلقن ترامب، وعبر ستيفن ميلر، «الغيورين على الدين الاسلامي» رؤيته «المسالمة عن الاسلام»، حسبما كشف مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض هربرت ريموند ماكماستر.
هدايا سعودية
وبخلاف خطاب أوباما الشهير في جامعة القاهرة في العام 2009، الذي مهد «للربيع العربي» وكان عنوانه العريض الانفتاح على العالم الاسلامي بعد سنوات من ظهور نظريات «صدام الحضارات»، يتوقع المراقبون أن يكون خطاب ترامب في السعودية «تلقينياً»، فالرئيس الأميركي سيركز على «الحاجة لمواجهة الأيدولوجيا المتطرفة وآمال الرئيس بانتشار رؤية سلمية للإسلام في جميع أنحاء العالم»، و«توحيد العالم الإسلامي الأوسع ضد الأعداء المشتركين لكل الحضارات»، و«توحيد الرؤية لمحاربة الإرهاب».
لكن أكثر ما تحمله الزيارة الترامبية إلى السعودية من كوميديا سوداء، سيتمثل في مشاركة الرئيس الأميركي في افتتاح ما يسمّى «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف» في مملكة لا يشككن أحد، بما في ذلك ترامب نفسه، بأنها المصدّر الأول عالمياً لهذا الفكر المتطرف، وحامليه، المتوزعين بين أئمة التحريض الوهابيين على امتداد العالم الإسلامي، إلى إرهابيي «داعش» و«القاعدة» واخواتهما.
وبعيداً عن تلك الكوميديا السوداء، لا شك في أن الاستقبال الحار الذي سيَحظى به دونالد ترامب في السعودية، خلافاً للاستقبال البارد الذي استُقبل به سلفه باراك أوباما في آخر زيارة قام بها إلى المملكة النفطية، هو في الواقع استقبال لـ«الهدايا السخية» التي سيحملها معه الرئيس الأميركي، والتي سيُكشف عن بعضها في محطات الزيارة السعودية، التي خصص نظام آل سعود لإخراجها بالصورة الأجمل نحو 68 مليون دولار.
وتتراوح تلك الهدايا، بين الدعم السياسي، والصفقات العسكرية والاقتصادية، والتأسيس لتحالفات إقليمية، ناهيك عن الخلفية العدائية التي يحملها ترامب تجاه إيران، وهو ما جعل وزارة الخارجية السعودية تصف الزيارة الرئاسية الاميركية بأنها «تاريخية»… لا بل «مغيّرة لقواعد اللعبة».
وانطلاقاً من التسريبات الأميركية والسعودية، فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين واشنطن والرياض مرشّحة، بعد زيارة ترامب، لطفرة في ظل الحديث عن صفقات بمليارات الدولارات، وذلك بالرغم من التوترات التي سادت العلاقات، في الفترة السابقة، وتهديد مستثمرين خليجيين بسحب أموالهم من الولايات المتحدة، خاصة بعد إقرار الكونغرس الأميركي قانون «جاستا» الذي يتيح لأسر ضحايا هجمات 11 أيلول 2001 مقاضاة الحكومة السعودية على الأضرار التي لحقت بهم.
وبحسب وكالة «بلومبرغ» فإن زيارة الرئيس الأميركي ستشهد توقيع اتفاقيات اقتصادية في مجالات متعددة، حيث تعتزم شركة «أرامكو» إبرام اتفاقيات مع ما لا يقل عن 10 شركات أميركية، لتمكينها من الحصول على 70 بالمئة من معداتها وخدماتها النفطية من السوق السعودي المحلي بحلول 2021.
وقبل أيام ذكرت الوكالة الإخبارية أن السعودية عززت من استثماراتها في الولايات المتحدة، بقيمة 40 مليار دولار، وأنها تخطط لتقوية علاقاتها مع ترامب، من خلال الالتزام باستثمارات ضخمة أخرى في الداخل الأميركي، ولذلك فمن المتوقع أن يعلن الصندوق السيادي السعودي عن خطط لتخصيص ما يقرب من 40 مليار دولار في استثمارات البنية التحتية الأميركية خلال زيارة ترامب أو بعدها بقليل.
وبالإضافة إلى توقيع اتفاقيات تجارية، فإن محادثات بشأن صفقة أسلحة بقيمة 100 مليار دولار، ستكون حاضرة خلال زيارة ترامب. وقد كشف مسؤول بالبيت الأبيض أن الولايات المتحدة على وشك استكمال سلسلة من الصفقات العسكرية، التي باتت في «المراحل الأخيرة»، وهي قد تزيد لتصل في نهاية الأمر إلى 300 مليار دولار خلال عشر سنوات لمساعدة السعودية على تعزيز قدراتها الدفاعية.
حلف إقليمي ضد إيران
علاوة على ذلك، فإن الحديث يتزايد في الصحافة الغربية عن سعي أميركي لتشكيل «ناتو عربي» في السعودية، وقد كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن مفاوضات واسعة النطاق تجري في هذا السياق، بين مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مع العلم أن فكرة «الناتو العربي» ليست جديدة، بل تتردد منذ سنوات، وهي تتمتع بدعم سعودي قوي، لكن الحكومة الأميركية لم تعلن يوماً تبنيها هذه الفكرة بشكل واضح.
وتبدو ادارة ترامب متحمسة لمثل هذا المشروع، لما يمكن أن يحققه من أهداف، مثل حشد جبهة عربية –وإسرائيلية بطبيعة الحال– ضدّ إيران التي يراها ترامب خصماً استراتيجياً للولايات المتحدة، وضمان مظلة عربية تساعد الولايات المتحدة استراتيجياً، وتدفع بعملية السلام وفق الشروط الإسرائيلية.
ومن المؤكد أن تلك الأفكار، سيحملها ترامب بنفسه إلى الإسرائيليين حين يزور الأراضي الفلسطينية المحتلة، في المحطة الثانية من أولى جولاته الخارجية، التي ستشمل أيضاً الفاتيكان ومقر «الناتو» في بروكسل، خصوصاً أن ثمة رسائل مباشرة وغير ومباشرة أرسلتها الرياض إلى تل أبيب عبر قنوات عدّة، تفيد باستعداد نظام آل سعود إلى التنسيق في مواجهة «الخطر الإيراني».
وبانتظار ما سيُكشف عنه سواء، خلال الجولة الترامبية، أو بعدها، فإن ثمة ملاحظة يمكن تسجيلها عن رحلة الرئيس الأميركي، لا تخلو من الدلالات الرمزية، فطائرة «إير فورس وان» الرئاسية، ستطير للمرة الأولى من مطار الملك خالد الدولي في الرياض إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، من دون أن تتوقف في دولة عربية وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل… ولعلّ ذلك ليس تفصيلاً!
Leave a Reply