كينوشا، بوتلاند
قبل شهرين من موعد الانتخابات الرئاسية، زار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الثلاثاء الماضي، مدينة كينوشا في ولاية ويسكونسن، حيث أكد من وسط الدمار الذي خلفته الاحتجاجات العنيفة ضد الشرطة، عزمه على حماية «القانون والنظام» والتصدي للتظاهرات المشبوهة التي اعتبرها «إرهاباً داخلياً».
وقال ترامب للصحفيين خلال جولته الميدانية في المدينة التي يقدر عدد سكانها بنحو مئة ألف نسمة، إن «كينوشا دمرتها أعمال الشغب المعادية للشرطة والمعادية للولايات المتحدة».
وقبل وصول ترامب، شهدت المدينة المطلة على بحيرة ميشيغن (بين مدينتي شيكاغو وميلواكي) اضطرابات عنيفة تخللتها أعمال نهب وحرق تحت غطاء الاحتجاجات ضد عنصرية الشرطة، وذلك رداً على قيام شرطي أبيض بإطلاق النار على رجل أسود يدعى جايكوب بليك في 23 آب (أغسطس) الماضي.
وأقامت، الشرطة وقوات الحرس الوطني، حواجز معدنية على طول طريق موكب ترامب في كينوشا، حيث اصطفت الحشود على الأرصفة، مؤيدو ترامب من جهة وأنصار حركة «حياة السود مهمة» من جهة أخرى.
وقال ترامب، بعد تفقده متاجر وشركات تضررت بشدة من جراء أعمال العنف: «هذه ليست أعمال احتجاج سلمية، إنها في الحقيقة إرهاب محلي».
وأضاف: «لوقف العنف السياسي، يجب علينا أيضاً مواجهة الفكر المتطرف… علينا أن ندين الخطاب الخطير المناهض للشرطة»، متهماً اليسار الراديكالي و«أثرياء مجانين» بالوقوف وراء الاحتجاجات وتمويلها لبث الاضطرابات في المجتمع الأميركي.
يذكر أن مدينة كينوشا شهدت اشتباكات بين أنصار ترامب ومتظاهرين يساريين عشية زيارة الرئيس للمدينة، تخللها قيام المراهق كايل ريتنهاوس (17 عاماً)، بقتل متظاهرين اثنين، بواسطة بندقية كان يحملها.
وقال ترامب إن المراهق الذي وجهت ضده اتهامات بالقتل العمد «ربما كان سيتعرض للقتل»، بسبب ملاحقته من قبل محتجين مناوئين للشرطة.
كما شجب الرئيس «الفوضى» في المدن التي يقودها الديمقراطيون، متهماً إياهم بتأجيج الجريمة وأعمال العنف والاعتداءات على الممتلكات الخاصة، إلى جانب تمنّعهم عن طلب المساعدة من الحكومة الفدرالية لمكافحة مثيري الشغب واستعادة الأمن في مدنهم.
ونفى ترامب وجود عنصرية منهجية لدى الشرطة الأميركية، مؤكداً أنها «تقوم بعمل ممتاز لكن هناك من يريد شيطنتها»، واستدرك قائلاً: بالطبع هناك أحياناً «خروف أسود» في صفوفهم.
وأضاف ترامب أن «الغالبية العظمى من ضباط الشرطة هم مسؤولون أمناء وشجعان وملتزمون. وعندما تظهر مزاعم بسوء سلوك الشرطة، يجب التحقيق فيها بشكل كامل وعادل. هذا ما نفعله».
ولم يرد الرئيس الأميركي مباشرة على سؤال حول ما إذا كانت التغييرات الهيكلية مطلوبة في عمل الشرطة، لكنه أعرب عن إيمانه الراسخ بأن المواطنين الأميركيين «يريدون القانون والنظام».
وتعهد الرئيس، خلال الزيارة، بتقديم أموال فدرالية لمساعدة الاقتصاد المحلي ودعم السلامة العامة وقوات إنفاذ القانون في كينوشا.
وقال ترامب، متحدثاً إلى مجموعة من قادة الأعمال المحليين في كينوشا، إن إدارته ستقدم ما يقرب من أربعة ملايين دولار لمساعدة الشركات المتضررة، ومليوناً أخرى لدعم الشرطة المحلية، فضلاً عن تخصيص 42 مليون دولار للحفاظ على الأمن والنظام العام في المدينة.
بورتلاند
وفي السياق ذاته، حذر ترامب، السلطات في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، التي لم تهدأ الاضطرابات فيها منذ أيار (مايو) الماضي، من أن الحكومة الفدرالية لن تنتظر إلى ما لا نهاية لاستعادة القانون والنظام هناك.
وانتقد ترامب عبر «تويتر»، تصرّف رئيس البلدية الديمقراطي ورفضه استدعاء الحرس الوطني، مستنكراً تراخي المسؤولين الديمقراطيّين في مواجهة الفوضى والعنف. وقال «الحرس الوطني لدينا يمكن أن يحلّ هذه المشكلات في أقلّ من ساعة».
بدوره، اعتبر رئيس بلدية بورتلاند، تيد ويلر، أن رئاسة ترامب سبب وصول أميركا إلى مستوى العنف الذي تشهده حالياً من خلال «خلق الحقد وزراعة الفتنة لأول مرة منذ عقود» في تاريخ البلاد.
وكتب ترامب عبر «تويتر» رداً على ويلر: «تيد ويلر، رئيس بلدية بورتلاند السخيف المنتمي لليسار المتطرف والديمقراطي عديم الفائدة، والذي جلس متفرجاً على أعمال العنف والتدمير التي لحقت بمدينته، يعتقد أن الوضع الحالي المخالف للقانون يجب أن يستمر للأبد. مخطئ! بورتلاند لن تتعافى أبداً مع رئيس بلدية معتوه».
وقُتل شخص بالرصاص في بورتلاند خلال صدامات بين متظاهرين مناهضين للعنصريّة ومناصري ترامب. وكانت «قافلة من مئات السيّارات» يقودها أنصار ترامب تجمّعت في وسط المدينة لمواجهة متظاهري اليسار من حركة «حياة السود مهمّة»، وقد حصل تبادل للشّتائم واشتباكات وإطلاق لعبوات غاز مسيل للدموع، قبل أن يلقى أحد أنصار ترامب مصرعه بنيران مجهولة المصدر.
وتستمر الاجتجاجات العنيفة في أنحاء متفرقة من الولايات المتحدة منذ أواخر مايو الماضي، إثر مقتل الأميركي من أصل إفريقي جورج فلويد على أيدي الشرطة في مينيابوليس (مينيسوتا)، وفرض حظر التجول الليلي في حوالي 40 مدينة رئيسية في البلاد.
بايدن يدين
بعد أقل من 48 ساعة على زيارة ترامب، حطّ المرشح الديمقراطي للرئاسة، جو بايدن، يوم الخميس الماضي، بولاية ويسكونسن حيث التقى بعائلة جيكوب بليك في مطار ميلواكي قبل أن يتوجه إلى المدينة المنكوبة.
وتمثل زيارة بايدن لويسكونسن تغييراً واضحاً في خطط الحملة الانتخابية لبايدن، بعد تجاهله في السابق لأعمال الشغب المناهضة للشرطة.
وتعتبر ولاية ويسكونسن ساحة معركة حاسمة في السباق إلى البيت الأبيض، وكان ترامب قد تفوق على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون هناك قبل أربع سنوات.
وكان المرشح الديمقراطي للرئاسة، قد أدان لأول مرة أعمال الشغب المترافقة مع التظاهرات ضد العنصرية، لكنه اتهم ترامب «بتأجيج» الانقسامات.
وقال، بايدن، في خطاب من مدينة بيتسبرغ بالتزامن مع زيارة ترامب لمدينة كينوشا: «النهب ليس تظاهراً. إضرام النار ليس تظاهراً. لا شيء من كل ذلك له صلة بالتظاهرات. إنها فوضى». وأضاف: «أدين العنف بكافة أشكاله من أي شخص سواء من اليسار أو اليمين.. وأتحدى دونالد ترامب أن يفعل المثل… يجب ألا نصبح بلداً في حرب مع ذاته».
وتابع قائلاً: «ما الذي يعتقد الرئيس ترامب أن يحدث عندما يواصل الإصرار على تأجيج نيران الكراهية والانقسام في مجتمعنا ويستخدم سياسات التخويف لتحريض أنصاره؟ إنه يشجع العنف بشكل أهوج».
وكان هذا أول تصريح لبايدن ضد أعمال الشغب، كما كان مؤتمر الحزب الديمقراطي قد تجاهل الحديث عن الاضطرابات التي تعم العديد من المدن الأميركية.
ويرى المراقبون أن موقف الديمقراطيين من موجة الاضطرابات انعكس سلباً على بايدن في استطلاعات الرأي.
في المقابل ينفي الجمهوريون سعي ترامب لتأجيج العنف ويقولون إنه يريد استعادة القانون والنظام ويتهمون رؤساء البلديات وحكام الولايات الديمقراطيين بفقدان السيطرة على المدن التي تعصف بها المظاهرات والتي شهدت أعمال عنف وحرق ونهب.
وقال جيسون ميلر أحد كبار مستشاري حملة ترامب على «تويتر»، إن بايدن «ظل مكتوف اليدين لأشهر رافضاً إدانة العنف والفوضى من قبل حلفائه في المدن التي يحكمها الديمقراطيون».
Leave a Reply