التقرير العربي الأسبوعي
على وقع التقدم الإيجابي في المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، تقف منطقة الشرق الأوسط أمام مفترق طرق خطير، في ظل إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مواصلة حرب الإبادة في غزة، حفاظاً على ائتلافه اليميني المتشدّد بمواجهة تنامي الضغوط الداخلية المطالبة باستعادة الأسرى حتى لو تطلب ذلك إنهاء العدوان.
تقدّم المحادثات النووية
شكلت جولة المفاوضات بين الوفدين الأميركي والإيراني في روما السبت الماضي، خطوة إضافية نحو التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران، وهو ما أكده الرئيس دونالد ترامب بأن المحادثات «تسير على نحو جيد»، وذلك قبل محادثات فنية بين البلدين ستُعقد في عُمان يوم السبت 26 أبريل الجاري.
وقال ترامب للصحافيين في المكتب البيضاوي إن الأمور تسير نحو الاتفاق الذي وصفه بأنه سيكون «قراراً ممتازاً للغاية. وسينقذ أرواحاً كثيرة».
وبحسب وزارة الخارجية الأميركية، ستكون المحادثات في عُمان بمشاركة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، «أول اجتماع للوفود الفنية»، موضحة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتزم أيضاً إرسال فريق إلى إيران خلال الأيام القادمة.
ومن المنتظر أن يلتقي ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مجدداً في روما الأسبوع المقبل.
وبينما تحدث المسؤولون الأميركيون عن إحراز تقدم كبير في المفاوضات، أكدت الخارجية الإيرانية، في بيان أصدرته في ختام مفاوضات الجولة الأولى في روما، أنّ الطرفين رسما «الإطار العام للمفاوضات، وطرحا مواقفهما تجاه عدد من القضايا المهمة في مجال رفع العقوبات والملف النووي».
وصرّح عراقجي، الأربعاء الماضي، خلال زيارته بكين، بأنّ طهران وواشنطن توصّلتا إلى «فهم أفضل» حول مبادئ اتفاق محتمل، وأنّ هناك «فرصةً لإحراز تقدم».
وكان الرئيس الأميركي قد حدّد مهلةً مدتها شهران للتفاوض مع إيران، وأمر بزيادة القوات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط في حال فشل الدبلوماسية.
ونقل موقع «أكسيوس» عن مصادر أنّ عراقجي قال لويتكوف إنّ «التوصل إلى اتفاق نووي نهائي ضمن الجدول الزمني المقترح من الرئيس ترامب، خلال 60 يوماً، قد لا يكون ممكناً».
وردّ المبعوث الأميركي بأنّه «لا يرغب في مناقشة اتفاق مؤقت حالياً، ويريد التركيز على التوصل إلى اتفاق شامل خلال 60 يوماً»، مضيفاً أنّ «إعادة طرح فكرة الاتفاق المؤقت ممكنة، إذا رأى الطرفان مع اقتراب انتهاء المهلة أنّ الوقت غير كافٍ»، بحسب الموقع.
ويصر المسؤولون الإيرانيون على أن تركز المحادثات فقط على البرنامج النووي ورفع العقوبات. وقال عراقجي إن التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة «مرجح» إذا امتنعت واشنطن عن «طرح مطالب غير معقولة وغير واقعية»، من دون الخوض في التفاصيل. ويرى محللون أن الولايات المتحدة ستسعى لإدراج مناقشات حول برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، بالإضافة إلى دعم طهران فصائل مسلحة في الشرق الأوسط.
بدورها، قالت الخارجية العمانية، في بيان بعد المحادثات، إنّ الأطراف اتفقوا على «الدخول في المرحلة التالية» من المفاوضات، حيث العمل على «اتفاق عادل ودائم وملزم، يضمن خلوّ إيران من الأسلحة النووية والعقوبات بالكامل، مع الحفاظ على قدرتها على تطوير الطاقة النووية السلمية».
أما وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، وهو من الأصوات المتشددة داخل الإدارة الأميركية، فقال الثلاثاء الماضي: «إننا ما زلنا بعيدين جداً عن أي نوع من الاتفاق مع إيران». وأضاف روبيو أن ترامب ملتزم بمحاولة التوصل إلى اتفاق، لأنه «يفضّل ألا تكون هناك حاجة للجوء إلى القوة العسكرية»، موضحاً أنّ الولايات المتحدة «قد توافق على احتفاظ إيران ببرنامج نووي مدني، إذا لم تصرّ الأخيرة على تخصيب اليورانيوم محلياً».
بدوره، حذّر وزير الخارجية الإيراني من محاولات إسرائيلية لإفشال المفاوضات الإيرانية الأميركية، قائلاً في تغريدة إن «محاولات الكيان الصهيوني وجماعات منتفعة خاصة لحرف الدبلوماسية عبر تكتيكات مختلفة واضحة بالكامل للجميع». وأضاف عراقجي أن «قواتنا الاستخباراتية والأمنية، بالنظر إلى حالات سابقة، على يقظة كاملة للتصدي لأي تخريب وعمليات اغتيال بهدف إجبارنا على الرد المشروع».
تصعيد حرب غزة
مع إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب حتى القضاء على «حماس»، ينتقل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بشكل تدريجي، من خانة التصعيد الموسّع إلى الحرب الشاملة، مع تسجيل قفزة في وتيرة المجازر الجماعية، حيث سجل استشهاد عشرات الشهداء يومياً خلال الأسبوع الماضي.
في مقابل ذلك، سدّدت المقاومة، صفعات صادمة لجيش الاحتلال، من خلال نصب كمائن محكمة أجبرت تل أبيب على الاعتراف بسقوط قتلى وجرحى في مناطق كان من المفترض أنها «طهّرت» من المقاومين، ولاسيما في بيت حانون حيث تمكّن المقاومون من نصب كمين قاتل لقوة معادية في موقع عملية «كسر السيف». وأقرّ جيش الاحتلال بمقتل قائد دبابة وإصابة جندي آخر بجروح خطيرة، فيما تحدّثت مواقع إخبارية عبرية عن إصابة أكثر من سبعة جنود بجروح متفاوتة.
ويعيد تكرار الكمين في المنطقة نفسها، إلى الذاكرة، أسلوب الكمائن المركّبة التي تمتد لساعات طويلة، وهو تكتيك اشتهرت به مدينة بيت حانون، حيث نُفّذت فيها خلال شهور الحرب، العشرات من هذه الكمائن التي استمر تنفيذ بعضها طوال أربعة أيام متتالية.
وتتجه المقاومة إلى تصعيد عملياتها التي ستأخذ في المرحلة المقبلة شكل حرب العصابات والكمائن القاتلة، وسط تصاعد الغضب في أوساط الجيش بسبب إجبار الجنود على العودة إلى العمل المتكرّر في مناطق سبق العمل فيها.
وأمام صمود المقاومة الفلسطينية بقيادة «حماس» وضغوط ترامب المستمرة لإنهاء الحرب وتبادل الأسرى، كشفت «القناة 12» الإسرائيلية أن رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن، عقد في الدوحة، الخميس الماضي، اجتماعاً مع رئيس جهاز «الموساد» ، ديفيد برنياع، وذلك بعد اجتماع الأول بترامب، في واشنطن، قبل يومين، في ما يعكس تصاعد وتيرة التحرّكات الدبلوماسية بشأن مفاوضات تبادل الأسرى بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية.
وفي موازاة ذلك، هدّد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، بأنه «في حال عدم إحراز تقدّم قريب في ملف إعادة المختطفين، فسيجري توسيع نطاق العمليات العسكرية بشكل متعاظم في قطاع غزة»، مشيراً إلى «مواصلة الضغط العملياتي وتضييق الخناق على حركة حماس بأقصى ما يمكن». وجاء هذا في وقت ذكرت فيه قناة «كان» العبرية أن المستوى الأمني في الكيان عرض أمام «الكابينت»، خطة للسيطرة على مساحات واسعة من القطاع، كجزء من استراتيجية توسيع النشاط العسكري.
وتشمل الخطة السيطرة على أراضٍ في غزة، وتولّي مسؤولية الإشراف على المساعدات الإنسانية من دون توزيعها فعلياً، إلى جانب شنّ عمليات قتالية مكثّفة تتضمّن استدعاء وحدات من الاحتياط. وبحسب القناة، فإن المؤسسة الأمنية قرّرت عرض هذه الخطوة على الوزراء «من دون وجود نية فورية لتطبيقها، في انتظار استنفاد ما تبقّى من أسابيع التفاوض مع حماس».
وكان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير قد حرّض على قصف مخازن الأغذية والمساعدات في غزة، فيما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريش بإسقاط الحكومة إن لم يتم احتلال غزة.
يأتي ذلك بينما يشتد الخناق الداخلي على حكومة نتنياهو، وسط ازدياد معارضة الإسرائيليين الليبراليين والوسطيين لإصرار اليمين المتطرف على مواصلة الحرب من أجل الحفاظ على السلطة والهروب من المحاسبة.
وعلى وقع الاتهامات المتبادلة بالكذب وانتهاك القوانين، بين نتنياهو ورئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار، دعا رئيس الجهاز الأسبق عامي إيلون إلى التمرد والخروج عن القانون ضد حكومة نتنياهو، في مؤشر غير مسبوق على مدى التوتر الداخلي بين مكونات المجتمع الإسرائيلي.
ففي تطور غير مسبوق داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فجّر رونين بار قنبلة سياسية مدوية بشهادته الخطية أمام المحكمة العليا، كاشفا عن ضغوط مارسها عليه نتنياهو لتوظيف الجهاز في معاركه الشخصية والقضائية. وعلّق الكاتب في صحيفة «هآرتس» يوسي فيرتر على هذه الإفادة، معتبرا أنها تكشف «أخطر صندوق باندورا في تاريخ إسرائيل»، ووصف رئيس الحكومة بأنه وصمة عار على جبين الدولة، وتهديد مباشر لكل ما تبقى من نزاهة ومؤسسات في النظام السياسي.
جبهة اليمن
بينما تبحث أميركا عن انتصار مفقود في اليمن، أكد قائد حركة «أنصار الله»، السيد عبدالملك الحوثي، أنه «لا جدوى من العدوان الأميركي في الحد من القدرات والضغط على الإرادة في الموقف ولا في منع عملياتنا»، مشيراً إلى أن «مسارنا تصاعدي في تطويرٍ أكثر للقدرات العسكرية وامتلاكٍ أفضل للتقنيات العسكرية واكتساب خبرة أكبر».
وأضاف الحوثي أن العدوان الأميركي شنّ «أكثر من 260 غارةً بقاذفات القنابل وغيرها» خلال الأسبوع الماضي، لافتاً إلى أنه «على الرغم من بلوغ عدد غارات العدوان الأميركي وقصفه البحري منذ استئناف عدوانه أكثر من 1,200، إلا أن فشله واضح تماماً».
وجدد الحوثي التزامه بدعم صمود قطاع غزة، موضحاً أن الاحتلال الإسرائيلي عجز لأكثر من عام ونصف، عن «حسم المعركة غزة» مشيراً إلى أن «الصمود العظيم للإخوة المجاهدين في غزة، بإمكانات محدودة للغاية، إلى جانب الحاضنة الشعبية التي صمدت في أقسى الظروف، هو حجة على الأمة»، داعياً إلى «استخلاص العبرة من هذا الثبات الأسطوري الذي يُسجّل في وجه آلة الحرب والإبادة».
والواقع أن فشل الضربات أدّى إلى وضع واشنطن أمام تحدٍّ غير مسبوق، فيما لا يظهر أيّ مؤشر إلى وجود إستراتيجية لديها للخروج من هذا المأزق، بينما تواصل صنعاء توجيه صواريخها إلى العمق الإسرائيلي وبسط سيطرتها على الملاحة في البحرين الأحمر والعربي. وإذ لم يعد أمام الإدارة الأميركية سوى التعويل على الحلفاء المحليين في اليمن، فإن الضربات الجوية تتركز حالياً على استهداف الخطوط الأمامية لـ«أنصار الله» على جبهات الداخل، في محاولة لإنهاك قدرات الحركة الدفاعية، ثمّ تمكين خصومها من الهجوم الذي يُحضّر له.
Leave a Reply