واشنطن – بينما باشر الرئيس الديمقراطي «المنتخب»، جو بايدن، بوضع أسس إدارته المقبلة، مضت حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قدماً في استراتيجية التقاضي الطويلة المدى التي تتبعها في محاولة لقلب النتائج في عدد من الولايات، من بينها ويسكونسن وجورجيا اللتان قررتا إعادة فرز الأصوات نظراً للهامش الضيق الذي يفصل المرشحين.
وفي ظل دعم واسع من معظم قادة الحزب الجمهوري، لم يبد ترامب أية نية للاعتراف بنتائج انتخابات الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر)، زاعماً وجود مخالفات دستورية وعمليات تزوير واسعة النطاق صبت في صالح منافسه الديمقراطي الذي جمع نحو 78 مليون صوت على مستوى الولايات المتحدة، وهو إنجاز تاريخي يفوق الرقم القياسي السابق الذي حققه باراك أوباما لدى انتخابه لأول مرة عام 2008.
الخريطة الانتخابية
على الرغم من التعقيدات القانونية، ترى حملة ترامب أن بإمكانها قلب النتائج في عدة ولايات صوتت لصالح بايدن، سواء عبر إعادة فرز الأصوات والتدقيق بقانونيتها أو من خلال الطعن بدستورية التعديلات التي أدخلت على قوانين الانتخاب في بعض الولايات من دون موافقة السلطات التشريعية.
وتقدمت حملة ترامب مدعومة من الحزب الجمهوري بسلسلة دعاوى قضائية في ولايات بنسلفانيا وميشيغن وجورجيا وويسكونسن وأريزونا ونيفادا وغيرها، للطعن بالنتائج المعلنة في المدن التي يسيطر عليها الديمقراطيون، مثل فيلادلفيا وبيتسبرغ وديترويت وميلواكي ولاس فيغاس، بدعوى منع المندوبين الجمهوريين من مراقبة عملية فرز الأصوات وعدم معاملة الناخبين بطريقة متساوية، فضلاً عن مزاعم بتصويت الموتى غيابياً ورصد أخطاء تقنية في ماكينات الانتخاب.
واكتسب معسكر ترامب زخماً ملحوظاً، بعد أن قررت ولاية جورجيا إعادة فرز الأصوات يدوياً، بعدما وصل الفارق بين بايدن المتصدر وترامب إلى أقل من 0.5 بالمئة. ولدى ولاية جورجيا 16 مقعداً في المجمع الانتخابي المؤلف من 538 مقعداً.
غير أن هذا الزخم سرعان ما تعرض لنكسة جديدة، بالإعلان عن انتهاء فرز الأصوات بولاية أريزونا، دون أن يتمكن ترامب من سد الفجوة التي كانت تفصله عن بايدن، وظل متخلفاً عنه بفارق أكثر من عشرة آلاف صوت، ليبلغ رصيد المرشح الديمقراطي –بحسب وسائل الإعلام– 290 مندوباً، بينما يحتاج إلى 270 للفوز في الانتخابات الرئاسية ودخول البيت الأبيض في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل.
ولكي يتمكن ترامب من سحب البساط من تحت قدمي بايدن يتعين عليه قلب النتائج في ثلاث ولايات على الأقل، وإذا كان ذلك ممكناً نظرياً في ولايتي جورجيا وويسكونسن، من خلال إعادة فرز الأصوات، فإنه على حملة الرئيس أن تخوض معارك قضائية معقدة للطعن بنتائج بنسلفانيا وميشيغن وأريزونا، وهي مهمة صعبة للغاية، بحسب الخبراء القانونيين.
وغرد الرئيس الأميركي أكثر من مرّة حول عدم نزاهة الانتخابات، بينما وضعت إدارة «تويتر» عبارة «هذا الادّعاء حول تزوير الانتخابات محل نزاع».
ترامب قال في تغريدة له، «لن يقبل الناس هذه الانتخابات المزوّرة!»، معتبراً في تغريدة أخرى أنّ «المزيد والمزيد من الناس يتقدمون لفضح هذه الانتخابات المزوّرة!».
من ناحيته اعتبر جو بايدن خلال مؤتمر في ولاية ديلاوير، الثلاثاء الماضي، أنه «لا يوجد شيء يمكنه وقف انتقال السلطة في الولايات المتحدة بعد فوزي بالانتخابات»، لافتاً في هذا السياق إلى أن «العمليّة تسير على قدم وساق رغم رفض الرئيس ترامب قبول النتائج».
ووبّخ بايدن، ترامب لعدم إقراره بالهزيمة، واصفاً سلوكه بـ«المُخجل»، ومؤكداً أن «هذا لن يخدم إرثه الرئاسيّ». كما انتقد بايدن قادة الحزب الجمهوري، وقال إنهم «رضخوا لابتزاز الرئيس»، مضيفاً أنه يتطلّع إلى التحدّث مع ترامب الذي جمع أكثر من 72 مليون صوت بحوالي تسعة ملايين صوت أكثر مما جمعه في العام 2016.
ولا يزال ترامب مصرّاً أنّه سيفوز في الانتخابات، رغم إعلان وسائل الإعلام لفوز بايدن.
وجاء في تغريدة لترامب «نحقق تقدماً كبيراً. ستظهر النتائج الأسبوع القادم. اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً!».
وكان وزير العدل الأميركي وليام بار، فوّض ممثّلي الادعاء الفدراليين لفتح تحقيقات في مزاعم جوهريّة في مخالفات الانتخابات وفرز الأصوات، لكنه حثهم في نفس الوقت على عدم الاكتراث بالمزاعم «الخيالية أو بعيدة الاحتمال».
بدورها، أكدت السلطات الأميركية أنها لم تجد أي دليل على اختراقات إلكترونية لأنظمة التصويت خلال الانتخابات الرئاسية.
وجاء في بيان مشترك لوكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية CISA التابعة لوزارة الأمن الداخلي، والمجلس التنسيقي الحكومي الخاص بالانتخابات GCC، أن «انتخابات 3 نوفمبر كانت الأكثر أماناً في التاريخ».
وأضاف البيان أنه «لا توجد أية معلومات تدل على أن أنظمة التصويت دمرت أو فقدت أو غيرت الأصوات، أو على تقويض مصداقيتها بأية طريقة أخرى».
الجمهوريون
باستثناء بعض رموز تيار المحافظين الجدد، مثل السناتور ميت رومني والرئيس السابق جورج بوش، أبدى معظم القادة الجمهوريين دعمهم لمطلب ترامب بالتحقق من نتائج الانتخابات قبل الإقرار بالهزيمة، حرصاً على ثقة الشعب الأميركي بالعملية الانتخابية.
قالت رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، رونا مكدانيل، في مؤتمر صحفي للحزب حول الانتخابات الأميركية الأخيرة، إن «المخالفات في الانتخابات تقلقنا جميعاً»، مؤكدة على أهمية التأكد من نزاهتها حفاظاً على مصداقية الانتخابات.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كايلي مكيناني، في مؤتمر الحزب الجمهوري، إن تغيير قواعد الانتخابات يؤدي إلى الفوضى. وأضافت مكيناني أن هناك محاولات لاستخدام الأصوات التي وصلت بعد تاريخ الثالث من نوفمبر. وتابعت أن الديمقراطيين في بنسلفانيا رفضوا أن يسمحوا للمراقبين الجمهوريين متابعة عملية الفرز.
من جانبه، قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، إن من حق ترامب اتخاذ إجراءات قانونية والطعن في نتائج الانتخابات.
واستبعد ماكونيل أن تشهد الولايات المتحدة انقطاعاً في انتقال السلطة وقال في حديث للصحفيين: «لا أعتقد أننا سنشهد انقطاعاً في انتقال السلطة أياً كان من سيستلم الإدارة الجديدة»، وأضاف «أظن أنه يتوجب علينا أن نتوقف عن فرك أيدينا قلقاً وألا نتصرف وكأن هذا وضع استثنائي».
وأكد بأن الأمور ستسير وفقاً لما عهدته البلاد، قائلاً: «ستمضي هذه الفترة وسيحلف الفائز اليمين في 20 يناير 2021، كما فعلنا كل أربع سنوات منذ عام 1793».
من جهته، رد زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي، تشاك شومر، بأن الجمهوريين لا يملكون حجة قانونية لرفع دعوى قضائية اعتراضاً على إعلان وسائل إعلام فوز بايدن.
وأضاف شومر في حديث لصحفيين «يبدو أن هناك العديد من الجمهوريين يدعمون الرئيس في دعواه القضائية»، مؤكداً أنهم لا يملكون أساساً متيناً للدعاوى القضائية.
وقال شومر إن الجمهوريين يعيشون «اضطراباً سياسياً، وهذا لن يساعدهم في تأسيس دعوى أو النجاح بها في المحاكم».
من جانبه أيضاً، رفض وزير الخارجية مايك بومبيو، إعلان وسائل الإعلام فوز بايدن، واعداً بعملية «انتقالية سلسة» نحو «ولاية ثانية» للرئيس ترامب.
وبادر العديد من قادة الدول الحليفة للولايات المتحدة إلى تهنئة بايدن بانتخابه، مثل فرنسا وبريطانيا وأستراليا وتركيا والسعودية وإسرائيل، فيما امتنع رؤساء دول أخرى مثل الصين وروسيا والبرازيل والمكسيك وكوريا الشمالية عن تهنئة بايدن قبل اعتماد فوزه رسمياً.
وهنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بايدن على فوزه في الانتخابات عبر «تويتر» قائلاً: «تهانينا إلى جو بايدن و(نائبته) كاملاا هاريس. يا جو، تربطنا أنا وأنت علاقة شخصية دافئة ممتدة منذ قرابة 40 عاما، وأعلم أنك صديق رائع لإسرائيل، وأتطلع للعمل معكما لتعزيز التحالف الخاص بين الولايات المتحدة وإسرائيل».
وأضاف «أتوجه بالشكر إليك يا دونالد ترامب على الصداقة التي أظهرتها لدولة إسرائيل ولي شخصيا بالاعتراف بالقدس والجولان وبمجابهة إيران وباتفاقات السلام التاريخية وبالوصول بالتحالف الأميركي الإسرائيلي إلى آفاق غير مسبوقة».
في المقابل، تمسك الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، بعدم تهنئة بايدن قائلاً إن الوقت لا يزال مبكراً للغاية لاتخاذ مثل هذه الخطوة وإن بلاده «ليست مستعمرة».
وقال الكرملين إنه سينتظر النتائج الرسمية قبل أن يصدر تعليقاً عليها، وإنه يأخذ في الاعتبار إعلان ترامب تقديم طعون قانونية تتعلق بعملية التصويت. وفي نفس السياق، قالت الصين إنها ستتبع العرف الدولي في إصدار بيان بشأن الانتخابات الأميركية.
ومع عدم اعتراف ترامب بفوز بايدن وغموض المشهد الرئاسي، قررت الإدارة الأميركية الحالية عدم السماح للمرشح الديمقراطي بالوصول إلى رسائل القادة الأجانب التي يتم إرسالها إلى بايدن عبر وزارة الخارجية بواشنطن.
وقالت شبكة «سي أن أن» إن فريق بايدن يتواصل مع حكومات الدول الأخرى بشكل مستقل، دون الحصول على دعم لوجستي وترجمة من مركز العمليات التابع لوزارة الخارجية الأميركية.
تغييرات «مريبة»
وفي خضم النزاع القائم على نتائج الانتخابات، أجرى ترامب تغييرات «كاسحة» و«مريبة» في وزارة الدفاع (بنتاغون)، بحسب وسائل الإعلام عبر إقالة عدد من الموظفين العسكريين والمدنيين في الوزارة أو دفعهم إلى الرحيل، واستبدالهم بموظفين موالين له، من ضمنهم وزير الدفاع مارك أسبر الذي استبدل بكرستوفر ميلر، في خطوة أثارت قلق مسؤولي البنتاغون وقادة الحزب الديمقراطي.
وأغضب أسبر، ترامب حين عارض استخدام الجيش لمواجهة الاحتجاجات في الشوارع ضد العنصرية خلال الصيف الماضي، مما ينذر بإمكانية توجه ترامب لاستخدام الجيش في الداخل الأميركي في حال خرجت الأمور عن السيطرة في ظل الأزمة الحالية.
وشملت التغييرات أيضاً، رئيس أركان الجيش واثنين من أبرز المسؤولين المشرفين على السياسة والاستخبارات، حيث استبدلوا بموالين لترامب.
وبحسب صحيفة «ذي هيل»، ينوي ترامب أيضاً إقالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) كريستوفر راي، ومديرة وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) جينا هاسبل.
واشتكى ترامب وبعض الجمهوريين في الكونغرس مراراً وعلناً من المسؤولين المذكورين، وأعربوا عن غضبهم لأنهما لم يتعاونا في متابعة ادعاءات أن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تجسست على حملة ترامب، أو في التحقيق في تعاملات نجل المرشح الديمقراطي جو بايدن هانتر بايدن التجارية.
إدارة بايدن
في أولى خطوات تشكيل إدارته المقبلة، أعلن جو بايدن عن اختياره رون كلين مستشاره ومساعده منذ أمد بعيد، لتولي منصب كبير موظفي البيت الأبيض.
وقال بايدن في بيان إنّ كلين، الديمقراطي المحنّك البالغ من العمر 59 عاماً والذي شغل اعتبارا من العام 2009 منصب كبير موظفي بايدن حين كان الأخير نائباً للرئيس باراك أوباما، «كان بالنسبة لي لا يقدّر بثمن على مدى السنوات العديدة التي عملنا فيها معاً».
وأضاف أن «خبرته العميقة والمتنوّعة وقدرته على العمل مع الناس من جميع الأطياف السياسية هي بالضبط ما أحتاج إليه في كبير موظفي البيت الأبيض في هذا الوقت الذي نواجه فيه أزمة ونعيد فيه توحيد بلادنا».
ويعود مشوار كلين مع الرئيس المنتخب إلى ما قبل تولي بايدن منصب نائب الرئيس، إذ إن الرجلين عملا سوياً حين كان بايدن رئيسا للجنة العدل في مجلس الشيوخ.
كما كان كلين كبيراً لموظفي نائب الرئيس الديمقراطي السابق آل غور.
وفي عهد أوباما، تولى رون كلين خصوصاً مهمة تنسيق إدارة البيت الأبيض لأزمة إيبولا في عام 2014.
ونقل البيان عن كلين قوله إن قرار تعيينه كبيراً لموظفي البيت الأبيض في الإدارة المقبلة منحه «شرف العمر». وأضاف «أتطلع إلى مساعدتهما، (بايدن) ونائبة الرئيس المنتخبة، في جمع فريق موهوب ومتنوّع للعمل في البيت الأبيض، لتنفيذ مشاريعهما التغييرية الطموحة، والسعي إلى جسر الانقسامات في بلدنا».
وكان فريق بايدن الذي أعلنته وسائل إعلام أميركية فائزا بالانتخابات الرئاسية، قد أعلن عن قائمة بأسماء معروفة من عالم التكنولوجيا ضمن الفريق الانتقالي الذي سيعتمده، في حال تم ترسيمه الرئيس الـ46 للولايات المتحدة.
وتصدر القائمة اسم المسؤول التنفيذي في شركة «أمازون»، توم سوليفان، والذي سيكون من فريق المراجعة الذي سيشرف على وزارة الخارجية.
كما تضم القائمة مارك شوارتز، من قسم الحوسبة السحابية في «أمازون»، والذي كان أيضاً مسؤولاً سابقاً في إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما. كما تم استدعاء خدمات نيكول إسحاق، وهي كبيرة مديري موقع «لينكد إن» المملوك لشركة «مايكروسوفت»، لدعم الفريق المشرف على وزارة الخزانة.
كما وجدت نيكول وونغ، النائبة السابقة لرئيس قسم التكنولوجيا في ظل إدارة أوباما، والتي شغلت منصب نائب الرئيس والمستشار العام لشركة «غوغل»، مكاناً في فريق المراجعة لمجلس الأمن القومي، ضمن قائمة بايدن.
وعلى النقيض للشخصيات السابقة ستحوي القائمة أسماء عدد من أكبر النقاد للتكنولوجيا، من بينهم: جين كيميلمان، وهو كبير مستشاري شركة Public Knowledge التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، والتي تركز على مجالات مثل سياسة مكافحة الاحتكار، ضمن فريق المراجعة في وزارة العدل.
إضافة إلى الحقوقية سارة ميلر من مشروع «American Economic Liberties Project» لتدعم فريق وزارة الخزانة، التي دعت أيضاً إلى مكافحة احتكار الشركات التكنولوجية العملاقة للأسواق.
وقال متحدث باسم «فريق بايدن الانتقالي» إن الفرق التي تضمها القائمة ستعمل على مراجعة العمليات في الوكالات الفدرالية والتأكد من تحقيق السياسات المطروحة في حملة بايدن الانتخابية. كما تم تعيين مدراء تنفيذيين من شركات تكنولوجيا أصغر نسبياً مثل AirBnB وUber وLyft وStripe.
بدوره صرح السناتور اليساري، بيرني ساندرز، بأنه مستعد لترؤس وزارة العمل، وقال إنه «سيبذل قصارى جهده لحماية الأسر العاملة، التي باتت مهددة».
وقال السناتور عن ولاية فيرمونت، لقناة «سي أن أن»: «أريد أن أبذل قصارى جهدي لحماية الأسر العاملة المهددة في هذا البلد –سواء في مجلس الشيوخ أو إدارة بايدن. دعونا نرى ما سيحدث بعد ذلك… ما إذا كنت سأتمتع بالصلاحيات التي ستمكنني من الدفاع عن حقوق أسر العمال والنضال من أجلها».
Leave a Reply