نبيل هيثم – «صدى الوطن»
لم يخالف دونالد ترامب، التوقعات هذه المرة. القرار الأخير بشأن العقوبات على إيران لم يأت مفاجئاً، وردود الفعل، سواء في الجمهورية الإسلامية أو في باقي دول العالم، بدت بياناتها معدّة بشكل مسبق قبل إعلان وقف «الإعفاءات». في الواقع، لا يملك ترامب اليوم من أوراق سوى التصعيد ضد إيران، خصوصاً أن العد العكسي للسباق إلى البيت الأبيض قد بدأ بالفعل، ما بدأ يشكل ضغطاً هائلاً على الرئيس الجمهوري الطامح إلى ولاية رئاسية ثانية، برغم كل التحديات الداخلية والخارجية التي قد تقف عائقاً أمام هذا الهدف، والتي تجعله أكثر رغبة في حشد الناخبين عبر تجديد شعارات باتت تمثل إنكاراً للوقائع الجيوسياسية القائمة.
من هذه الزاوية فقط، لا أكثر، يمكن فهم الاندفاعة الترامبية الأخيرة في الملف الإيراني، والتي ترجمت في رسالتين بغاية الخطورة، الأولى تمثلت بإدراج «الحرس الثوري» على لائحة الإرهاب الصادرة عن الخارجية الأميركية، والهدف منها مزدوج، الأول هو تضييق هوامش التحرك الإقليمي للجمهورية الإسلامية عبر الضغط المالي والسياسي، وربما الأمني، على أنشطة «الحرس الثوري» والمجموعات السياسية والعسكرية الحليفة («حزب الله» خصوصاً)، والثاني محاولة دق إسفين بين ما يسمى «الجناح المتشدد» و«الجناح الاصلاحي» داخل الجمهورية الإسلامية.
أما الرسالة الثانية، فتتصل بإنهاء إعفاءات استيراد النفط الإيراني –وهي أكثر خطورة– فلا تقتصر تداعياتها على الجمهورية الإسلامية فحسب، بل أيضاً على كل الدول الطامحة إلى شراكات استراتيجية اقتصادية مع إيران، والتي تهافت مسؤولوها على طهران منذ اللحظة الأولى لتوقيع اتفاق فيينا، وذلك طمعاً بفرصة اقتصادية غداة رفع العقوبات.
يسعى دونالد ترامب بذلك للإيحاء بأنه يريد دفع إيران إلى نقطة اللاعودة، وهو ما عبر عنه وزير خارجيته مايك بومبيو الذي قال إن الأجراءات الأخيرة «هدفها بسيط، وهو حرمان النظام الإيراني من استخدام أمواله لزعزعة استقرار الشرق الأوسط».
أسعار النفط
تبدو الإجراءات الأميركية المتخذة بمثابة «الخطوة الأخيرة» لمواجهة إيران، خصوصاً أن هامش الوقت بدأ يضيق انتخابياً، والمناخ الدولي القائم لن يسمح بتصعيد يتجاوز «الدبلوماسية الخشنة»، التي بدأت بقرار الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي، والعقوبات المتدرجة التي فرضتها الإدارة الأميركية على كبار المسؤولين الإيرانيين وقطاعات مختلفة من اقتصاد الجمهورية الإسلامية.
هذا الواقع يدفع جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، ومؤيديه إلى حرق جميع خيارات العقوبات التي في حوزتهم، برغم إدراكهم أن تقليص الانتاج العالمي، بفعل العقوبات على إيران، بواقع مليوني ونصف المليون برميل سيؤدي إلى اضطراب في الأسواق من شأنه أن يفيد «أعداء» أميركا، لا سيما أولئك الذين تعتمد ميزانياتهم على النفط بشكل أساسي، كما هو الحال مع روسيا، التي انتعشت عملتها –الروبل– بشكل ملموس فور صدور القرار الأميركي الاخير بوقف الاعفاءات المتصلة بالعقوبات على إيران، لا بل إن ارتفاع الأسعار العالمية للنفط من شأنه أن يوثر بشكل كارثي على الاقتصاد الأميركي، لكونه أكثر الاقتصادات استهلاكاً للطاقة في العالم.
ولا يغير في الأمر رهان الأميركيين على بعض الدول العربية –لا سيما الخليجية– لمنع أسعار النفط من التحليق، وهو ما أفصحت عنه سارة ساندرز، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، حين قالت إن السعودية والإمارات، وهما ثلاث من بين أكبر منتجي الطاقة في العالم، بالإضافة إلى أصدقاء آخرين للولايات المتحدة، ملتزمون بضمان استمرار تزويد أسواق النفط العالمية «بالقدر الكافي»، في ما يشكل إنكاراً لواقع جديد في العلاقات الدولية، بات معه أقرب حلفاء أميركا –السعودية والإمارات تحديداً– أكثر رغبة في التنسيق مع روسيا منه إلى الولايات المتحدة حين يتعلق الأمر بسياسات الطاقة.
هذه الهواجس دفعت معلقين في الولايات المتحدة إلى القول إنه من غير الواضح تماماً إن كانت إدارة ترامب قد درست هذه العقوبات بعناية، فإذا كانت واشنطن تعوّل على السعودية والإمارات لتعويض النقص الحاصل في إنتاج النفط الإيراني وغيابه عن الأسواق، فإن خبراء الطاقة حذروا من أن الأمر قد يكون أكثر صعوبة ممَّا يبدو، ومن ثم فإن ذلك سيؤدي إلى رفع أسعار الغاز بالنسبة للمواطن الأميركي العادي.
سياسياً، ثمة شكوكاً في أن تحدث العقوبات الأميركية التأثير السلبي الكافي على إيران، التي استطاعت الصمود، بفضل نموذج الاقتصاد المقاوم، أمام كل الضغوط الدولية في أصعب الظروف، ولا شك أن هذه المقاومة ذات النفس الطويل تكتسب حالياً دفعة أكبر في ظل المواقف الدولية من الخطوة الترامبية الأخيرة، والتي تراوحت بين الرفض والفتور.
وعلى سبيل المثال، فقد عارضت الصين –أكبر مستورد للنفط الإيراني– هذه العقوبات أحادية الجانب، مؤكدة على أن الولايات المتحدة تتصرف خارج نطاق سلطتها، وهو نفسه الموقف الذي عبرت عنه موسكو، بالرغم من أنها اكثر المستفيدين من ارتفاع الأسعار العالمية، في حين يجاهر الأوروبيون علناً بأن قناتهم المالية الخلفية في التعاملات مع الجمهورية الإسلامية يمكن أن تشكل مخرجاً لائقاً لتجنب عقوبات ترامب.
قد يفسّر ذلك الشعور الأميركي بفشل توقّعات بولتون السابقة حول تأثير سياسة العقوبات، والإقرارُ المتأخّر بأنّ مهارات الجمهورية الإسلامية بالصمود أعظم بكثير ممّا كان متوقعاً في السابق.
وحتّى الآن، يبدو أنّ طهران تتدبّر أمرها برغم التداعيات المحدودة على استقرارها السياسي في الداخل، أو قدرتها على بسط نفوذها الإقليمي، من قبيل تقليص المساعدات الاقتصادية لحركات المقاومة في المنطقة (حزب الله) أو حتى تقليص تزويد سوريا بمشتقات النفط.
ومن المؤكد أن هذا ما يدفع الأميركيين إلى الاعتراف بأن من المستحيل اليوم إيصال إيران إلى حافة الانهيار أو الاستسلام، كما يدعي صقور ترامب… ليبقى السؤال: هل سيستسلم الأميركيون؟ أم أن الأمور ذاهبة إلى عتبات الحرب؟
Leave a Reply