بعد استبعاد «أيباك» و«صدى الوطن» للمرشّحَين الرئاسيَّين من قائمة المدعومين
ديربورن
مع بدء العدّ التنازلي لانتخابات الرئاسة الأميركية في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، تشتد حماوة المنافسة بين المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس والمرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، على استقطاب الناخبين العرب الأميركيين في منطقة ديترويت الكبرى، حيث من المتوقع أن يكون لهم دور حاسم في ترجيح كفة أحد المرشحين في ولاية ميشيغن المتأرجحة، وبالتالي هوية الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة.
المنافسة المحمومة بين مرشحة الحزب الديمقراطي ومنافسها الجمهوري دخلت خلال الأسبوع الماضي منعطفاً جديداً على خط كسب ودّ العرب الأميركيين المستائين من مواقفهما الداعمة لإسرائيل وحربها الشعواء على قطاع غزة ولبنان. وقد تمثل هذا الاستياء عبر استبعاد كلا المرشحين من قائمة المدعومين من قبل «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) في انتخابات نوفمبر القادم، والتي تبنّتها صحيفة «صدى الوطن» بالكامل.
وكان صدور القائمة التي أوصت الناخبين العرب الأميركيين في ولاية ميشيغن بعدم التصويت لأي من المرشحين في السباق الرئاسي، قد استقطب اهتماماً إعلامياً غير مسبوق داخل وخارج الولايات المتحدة، ما عجّل بقرع ناقوس الخطر في حملتي ترامب وهاريس اللذين يتسابقان لاستعادة ثقة العربي الأميركي من خلال الزيارات المتلاحقة لمنطقة ديترويت وما تخللها من مبادرات ومقاربات تسعى لكسب ودّ العرب الأميركيين تمثلت –بشكل أساسي– في تخفيف حدة التصريحات الداعمة للحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة ولبنان، وتقديم وعود بإرساء السلام وتعزيز سبل التعافي من تداعيات الحرب المستعرة في الشرق الأوسط.
وكان ترامب وهاريس قد زارا ميشيغن الأسبوع المنصرم، ومن المقرر أن يعودا إلى منطقة ديترويت خلال عطلة نهاية الأسبوع الجاري لتعزيز حظوظهما بكسب الولاية المتأرجحة التي لعبت دوراً كبيراً في حسم الانتخابات الرئاسية في عام 2016 عندما أهدت الفوز لترامب بفارق حوالي 11 ألف صوت، قبل أن ترجح كفة الرئيس الديمقراطي جو بايدن في سباق 2020 بزهاء 154 ألف صوت.
وأدى احتدام المنافسة في الولاية «البنفسجية» إلى صعود غير مسبوق في المكانة الانتخابية للعرب والمسلمين الأميركيين في ميشيغن، لاسيما في ظل إعادة تموضعهم السياسي بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، ولكن ذلك لم يحُل دون انقسامهم إلى أربع فئات مختلفة، إحداها تدعو إلى مقاطعة سباق الرئاسة، فيما انقسم الآخرون بين دعم ترامب أو هاريس أو مرشحة «حزب الخضر» جيل ستاين الطامحة إلى ترسيخ مكانة حزبها في الخريطة السياسية الأميركية.
وكانت حملة ترامب قد سجّلت منعطفاً لافتاً في يوم الجمعة 18 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري عندما زار الرئيس السابق شخصياً مدينة هامترامك والتقى بعدد من أنصاره في مكتب حملته الذي افتتح في هامترامك بوقت سابق من الشهر الجاري.
وشكلت زيارة ترامب لهامترامك خطوة غير مسبوقة في المدينة التي تعتبر معقلاً تاريخياً للديمقراطيين فضلاً عن تميزها بأكبر نسبة من المهاجرين والمسلمين في المدينة التي يتكون كامل مجلسها البلدي من الأعضاء المسلمين، بما في ذلك، رئيس البلدية اليمني الأصل أمير غالب، الذي أعلن في وقت سابق تأييده لترامب بسبب رفضه لسياسات الديمقراطيين الداخلية والخارجية.
وخلال الزيارة، قال ترامب إنه «تشرّف» بدعم غالب، واصفاً التصريحات المنسوبة له بعزمه على ترحيل العرب والمسلمين الأميركيين من الولايات المتحدة بـ«الأخبار الزائفة»، وواعداً في الوقت نفسه بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط والعالم في حال تمكنه من العودة إلى البيت الأبيض.
وقال ترامب: «كما تعلمون، نريد جميعاً في النهاية شيئاً واحداً، وهو السلام في الشرق الأوسط وسوف نحصل على السلام هناك»، ليقاطعه أحد الحاضرين بالقول: «نحن نثق بك».
وكان ترامب قد أعرب عن تفاؤله باستقطاب المزيد من دعم العرب الأميركيين، مستبعداً أن تحصل هاريس على تأييدهم، حيث قال للصحفيين عقب هبوط طائرته بمطار ديترويت الدولي في ذلك اليوم: «حسناً، أعتقد بأنهم لن يصوتوا لهاريس لأنها لا تعرف ماذا تفعل».
في الأثناء، أعرب رئيس بلدية ديربورن هايتس بيل بزي عن تأييده لترامب في سباق الرئاسة دون أن يتبنى دعم حملته رسمياً، حسبما أوضح لـ«صدى الوطن» رداً على بعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التي تناقلت خبر دعمه للمرشح الجمهوري، قائلاً إنه سينشر في القريب العاجل بياناً لتوضيح موقفه بشكل لا لبس فيه، من سباق البيت الأبيض.
وأشار بزي اللبناني الأصل إلى أن «مجتمعنا يشعر بالحزن والأسى بسبب ضحايا الحرب في لبنان وفلسطين، بينما تواصل إدارة بايدن–هاريس إرسال مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات إلى إسرائيل التي تستخدمها بشكل واسع النطاق لإبادة المدنيين الأبرياء»، مذكراً بأن العالم «لم يشهد أية حروب خلال إدارة ترامب السابقة التي تميزت أيضاً بازدهار اقتصادي»، وقال: «مع اقتصاد مدمر وإراقة دماء بشكل غير مسبوق، فقد لا ننجو كمجتمع عالمي من أربع سنوات أخرى من إدارة بايدن–هاريس، ونظراً لأن أحد هذين الحزبين سيتم انتخابه، فأنا أؤيد دونالد ترامب».
وكان بزي قد شارك في محادثة إعلامية حول قيام نائبة الرئيس بإحضار ليز تشيني، ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، إلى ولاية ميشيغن، قال فيها إنه يشعر بالاشمئزاز من تلك الخطوة، مشيراً إلى أن تشيني، نائب الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، كان من بين المسؤولين عن بدء الحرب على العراق بزعم امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وأضاف بأن شركة تشيني قد استفادت بحوالي 40 مليار دولار من تلك الحرب الجائرة، مردفاً بالقول: «كان من المحزن إحضار ليز تشيني، ابنة العائلة التي لا تعرف السلام، إلى فنائنا الخلفي في ميشيغن».
وتحدث بزي عن تجربته كمهاجر من جنوب لبنان واجه الواقع الوحشي للحرب عندما كان طفلاً صغيراً، وشعر بالألم الكبير لرؤيته المدنيين يقتلون بوحشية، وقال: «ربما نجد أنفسنا بمواجهة حروب غير مسبوقة في ظل إدارة بايدن–هاريس، إذ بسبب افتقار هذه الإدارة إلى القيادة الجيدة والمساءلة، تدق العديد من البلدان طبول الحرب»، موضحاً بأننا «بحاجة إلى قائد أعلى قوي وقادر على وقف الحروب»، في إشارة إلى ترامب.
وذكّر بزي بأن المنازل التي بناها أجداده في مدينة بنت جبيل قد دمرها الإسرائيليون خلال الأسابيع الأخيرة، وقال: «كمهاجر من بنت جبيل الجميلة التي تحولت الآن إلى أنقاض، فإن قلبي يتألم على الأسر التي تقطعت بها السبل في غزة ولبنان»، مطالباً الإدارة الأميركية بوقف الحرب وتجميد المساعدات العسكرية لدولة الاحتلال.
في المقلب الآخر، تمكنت هاريس من استعادة بعض الثقة في أوساط العرب والمسلمين الأميركيين في ولاية ميشيغن التي زارتها عدة مرات خلال الأسابيع الأخيرة، معربة عن امتنانها للدعم المبكر الذي أبداه نائب محافظ مقاطعة وين أسعد طرفة في أيلول (سبتمبر) الماضي.
وكانت هاريس قد استهلت تصريحاتها في مدينة ووترفورد مساء الجمعة 18 أكتوبر الجاري بمناشدة عاطفية لإحلال السلام في الشرق الأوسط بعد مقتل زعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يحيى السنوار، وقالت: «أعلم أن هذا العام كان صعباً للغاية، بالنظر إلى حجم الموت والدمار في غزة ونظراً للخسائر المدنية والنزوح في لبنان.. إنه أمر مدمر». وأضافت هاريس: «الآن، يمكن أن يكون موت السنوار نقطة تحول ويجب أن يكون كذلك… يجب على الجميع اغتنام هذه الفرصة لإنهاء الحرب في غزة أخيراً وإنهاء المعاناة مرة واحدة وإلى الأبد».
ورغم إعراض العديد من الشخصيات والمسؤولين الديمقراطيين العرب الأميركيين عن تأييد هاريس في سباق الرئاسة في الخامس من نوفمبر المقبل، بمن فيهم رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود والنائبة الفلسطينية الأصل عن ولاية ميشيغن في الكونغرس الأميركي رشيدة طليب، والنائب اللبناني الأصل في مجلس نواب ميشيغن العباس فرحات، وعضو مجلس مفوضي مقاطعة وين سام بيضون، إلا أنها حظيت بتأييد العديد من النشطاء والفعاليات العربية الأميركية بمن فيهم الرئيس السابق لمركز «أكسس»، الناشط المخضرم اسماعيل (إش) أحمد، والرئيس التنفيذي لـ«غرفة التجارة العربية الأميركية» أحمد الشباني، بالإضافة إلى دعم منظمة «إمغيدج» وعدد من الأئمة المسلمين في منطقة ديترويت وعدد من المناطق الأخرى.
أما الناشطون في حملة التصويت بـ«غير ملتزم» خلال تمهيديات الرئاسة الأميركية فقد قرروا المضي قدماً بعدم تأييد المرشحة الديمقراطية التي تعامت عن مطالب العرب الأميركيين بوقف فوري ودائم لإطلاق النار في الأراضي المحتلة، وقطع المعونات العسكرية والمالية لدولة الاحتلال.
وأصدرت الحملة آنفة الذكر في شهر أيلول (سبتمبر) الفائت بياناً دعت فيه الناخبين إلى عدم التصويت لنائبة الرئيس في انتخابات الخامس من نوفمبر، محذرة في الوقت نفسه من التصويت لترامب، وكذلك من التصويت لـ«الخيار الثالث» في الولايات المتأرجحة، ولاسيما ولاية البحيرات العظمى.
ولكن حملة «التخلي عن بايدن» قررت في نهاية المطاف تأييد مرشحة حزب الخضر الدكتورة جيل ستاين التي زارت مدينة ديربورن أربع مرات منذ شنّ إسرائيل لحربها الوحشية على قطاع غزة في الثامن من شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وشاركت خلالها في المظاهرات والفعاليات الاحتجاجية ضد كيان الاحتلال.
إضافة لذلك، حصلت ستاين على دعم كل من «اللجنة العربية والإسلامية للعمل السياسي» (أمباك)، و«الجالية الأميركية المسلمة» (ماس)، و«مجلس المسلمين في الولايات المتحدة»، و«تحالف المسلمين المدني»، و«أميركيون من أجل العدالة في فلسطين»، وعدد من الفعاليات والشخصيات العامة في مجتمع العرب والمسلمين الأميركيين في ولاية ميشيغن.
Leave a Reply