واشنطن – رغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على إعلان فوز جو بايدن بسباق البيت الأبيض، لم يبد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أية نية للإقرار بهزيمته في الانتخابات التي يصرّ على أنها «مزوّرة»، لكنه وضع سقفاً دستورياً لنفسه بالتعهد بمغادرة مقر الرئاسة إذا صوت المجمع الانتخابي لصالح منافسه الديمقراطي.
موقف ترامب جاء خلال مؤتمر صحفي بمناسبة عيد الشكر في واشنطن، الخميس الماضي، حيث قال: «بالتأكيد سأغادر، وأنتم تعرفون ذلك، ولكن أعتقد أن هناك الكثير من الأشياء التي سوف تحدث بين الآن والعشرين من يناير». لكنه تابع بأنه «سيكون من الصعب جداً الإقرار بالهزيمة»، بسبب عمليات التزوير المزعومة، رافضاً الإفصاح عما إذا كان سيحضر حفل تنصيب بايدن.
وعلق ترامب على نتيجة الانتخابات، بالقول إنها «كانت عملية تزوير هائلة»، واصفاً التي أدخلت على نظام التصويت الأميركي جعلته شبيهاً «بدولة من العالم الثالث».
وجاءت تصريحات ترامب، بالتزامن مع استمرار جهوده لقلب النتائج المعلن عنها عبر مسارات إجرائية وقضائية ودستورية متعددة في ست ولايات هي: بنسلفانيا (20 مندوباً)، ميشيغن (16)، جورجيا (16)، أريزونا (11)، ويسكونسن (10) ونيفادا (6).
وبحسب النتائج المعلنة لانتخابات الثالث من نوفمبر، فاز بايدن بـ306 مندوبين مقابل 232 مندوباً لترامب. وفي حال تمكن ترامب من تغيير أو عرقلة مسار اعتماد النتائج في ثلاث ولايات على الأقل (بينها بنسلفانيا) –وذلك عبر تدقيق الأصوات أو الدعاوى القضائية أو المجالس التشريعية المحلية– فإنه سيتمكن من حرمان بايدن من جمع العدد الكافي من المندوبين لتولي الرئاسة بحسب الدستور الأميركي الذي ينص على 270 مندوباً على الأقل من أصل 538 يمثلون الولايات الخمسين ومقاطعة كولومبيا (العاصمة واشنطن).
ومن المقرر أن يجتمع أعضاء المجمع الانتخابي في 14 كانون الأول (ديسمبر) المقبل لتحديد الفائز الذي سيؤدي اليمين في 20 كانون الثاني (يناير) 2021.
احترام النتائج
وكان بايدن قد حذر، الأربعاء الماضي، من أن الأميركيين «لن يسمحوا» بعدم احترام نتيجة الانتخابات الرئاسية.
وفي كلمة ألقاها في مدينته ويلمينغتون لمناسبة عيد الشكر، قال بايدن: «لقد تم اختبار ديمقراطيتنا هذا العام… وما تعلمناه هو التالي، الناس في هذه الأمه على قدر المهمة. لدينا في أميركا انتخابات متكاملة وعادلة وحرة، بعدها نحترم النتائج».
وفي مقابلة مع قناة «أن بي سي»، قال بايدن في تصريح آخر إن ترامب لم يتواصل معه شخصياً منذ فوزه في الانتخابات، لافتاً إلى أنه على الرغم من عدم وجود اتصال مباشر مع ترامب، إلا أن فريقه الانتقالي شهد تواصلا مع الحكومة الأميركية بعد أن سمحت رئيسة إدارة الخدمات العامة» إميلي مورفي ببدء عملية نقل السلطة مطلع الأسبوع الماضي.
وأضاف: «كنت دائماً على ثقة بأننا سنفوز في هذه الانتخابات»، على الرغم من جهود فريق ترامب لإلغاء النتائج في بعض الولايات الرئيسية.
كما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية بأنها تتعاون مع بايدن وفريقه لإطلاعه على نشاطات البنتاغون، كما منح البيت الأبيض موافقته على إحاطة الرئيس المنتخب بالتقارير الاستخباراتية التي تشاركها الوزارة مع الرئيس الأميركي على صعيد يومي.
ورغم رفض ترامب الاعتراف بفوز بايدن، إلا أنه أصدر توجيها لإدراة الخدمات العامة GSA، بالبدء في منح فريق بايدن الانتقالي التمويل الفدرالي اللازم لنقل السلطة، وذلك بعد أن صادقت عدة ولايات متأرجحة على نتائج الانتخابات.
وكان ترامب، قد تحدث في مداخلة هاتفية أجراها بجلسة استماع للأغلبية الجمهورية في مجلس شيوخ ولاية بنسلفانيا، الأربعاء الماضي، عن «قلب» نتائج الانتخابات لإظهار «الفائز الحقيقي» في السباق.
وقال ترامب خلال جلسة استماع للجمهوريين بمجلس شيوخ ولاية بنسلفانيا يوم الأربعاء الفائت: «فزنا في هذه الانتخابات بسهولة وبفارق كبير… وتم تزوير هذه الانتخابات، ولا يمكننا أن نسمح بذلك». وأضاف ترامب: «كسبنا بنسلفانيا وجميع الولايات المتأرجحة بفارق كبير».
واتهم ترامب الديمقراطيين بتزوير نتائج الانتخابات على نطاق واسع، بما في ذلك عن طريق إضافة الأصوات بطريقة شرعية واحتساب أصوات للمتوفين، وإبعاد المراقبين من مراكز الاقتراع.
وأضاف: «لقد تمكنا من ضبطهم متلبسين بالشكل ذاته الذي ضبطنا تجسسهم على حملتي الانتخابية.. علينا أن نقلب النتائج لأنه لا يوجد أدنى شك، لدينا كل الأدلة».
وأشار ترامب إلى وجود «أدلة» على تسجيل أشخاص متوفين للاقتراع وأن «ما نحتاجه هو أن يستمع (للأدلة) قاض مناسب لا يكون أسيراً لرأي سياسي أو أية مشكلة أخرى».
من جهته ذكر رودي جولياني، من فريق ترامب القانوني، الذي حضر جلسة الاستماع، وجود «مشاكل» و«مخالفات» فاضحة في الانتخابات، زاعماً أنه في غضون تسعين دقيقة من عملية فرز الأصوات في بنسلفانيا، حصل بايدن على أكثر من 570 ألف صوت مقابل حوالي 3,200 صوت فقط لترامب.
يقول خبراء إن الفارق الكبير بين المرشحين في الولايات المتنازع عليها يجعل الطريق أمام حملة ترامب صعباً، بالنظر إلى أن الفوارق الحالية تصب في صالح بايدن بآلاف الأصوات، وصولاً إلى أكثر من 150 ألف صوت في ميشيغن.
لكن التصريحات الأخيرة للفريق القانوني لترامب تشير إلى رغبتهم في تغيير النتائج عن طريق المجالس التشريعية في الولايات الحاسمة التي يسيطر عليها الجمهوريون، مثل بنسلفانيا وميشيغن، فيما تراهن حملة ترامب على تغيير النتائج في ولايتي ويسكونسن وجورجيا عبر إعادة فرز الأصوات والتحقق من قانونيتها. ومن المقرر أن تنتهي ويسكونسن من إجراءات إعادة الفرز بحلول الثلاثاء القادم.
وبشأن استخدام المجالس التشريعية، قال محامو الحملة، إن هذه المجالس يجب أن تستخدم سلطاتها الدستورية لتعيين المندوبين في المجمع الانتخابي الذين سيصوتون لترامب وليس بايدن عندما تجتمع الهيئة الانتخابية في 14 ديسمبر.
في المقابل، تسلك المحامية سيدني باول، مساراً منفصلاً للتحقيق الجنائي بتزوير الانتخابات، وقد رفعت يوم الخميس الماضي قضيتين أمام القضاء الفدرالي في ولايتي ميشيغن وجورجيا، تضمنتا اتهام الحاكم وسكرتير الولاية في كل منهما بالتواطؤ في مؤامرة مزعومة لتزوير الانتخابات، شملت أيضاً ماكينات الانتخاب من شركة «دومينيون». وقالت باول في تصريحات إعلامية: «يجب إلغاء الانتخابات بأكملها في جميع الولايات المتأرجحة ويجب على الهيئات التشريعية التأكد من اختيار الناخبين لترامب» باعتباره الفائز الحقيقي بالسباق.
إدارة بايدن
واصل بايدن خلال الأسبوع الماضي الإعلان عن أسماء كبار المسؤولين في إدارته القادمة، حيث اختار كبير مستشاري السياسة الخارجية لحملته الانتخابية، أنتوني بلينكن، لتولي منصب وزير الخارجية.
وأكد الرئيس المنتخب، الثلاثاء الماضي، في ويلمينغتون، أن الولايات المتحدة «جاهزة لقيادة العالم»، وذلك خلال تقديمه أعضاء الفريق الدبلوماسي والأمني في حكومته المقبلة. وقال بايدن: «إنه فريق يعكس أن أميركا عادت، وهي جاهزة لقيادة العالم وعدم الانسحاب منه». وأكد بايدن أن الولايات المتحدة لن تضطلع بدور في حروب لا داعي لها.
واستعرض بايدن ملامح سياسته الخارجية التي تستند إلى تولي بلاده دوراً قيادياً عالمياً وتعزيز التحالفات في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
وأضاف أن اختياره لأنتوني بلينكن وزيراً للخارجية، سيعيد بناء الروح المعنوية والثقة في الوزارة المسؤولة عن علاقات الولايات المتحدة الدبلوماسية.
وقدم الرئيس الأميركي المنتخب فريقه الحكومي، الذي قال إنه «سيحافظ على أمن وسلامة البلد ويعيد الاعتبار للولايات المتحدة». وقال بايدن: «أقدّم فريقاً يحافظ على أمن وسلامة بلدنا ويعيد الاعتبار للولايات المتحدة»، مضيفاً أن «الفريق مسلح بخبرات طويلة وحقق أكبر الإنجازات الدبلوماسية».
وتابع: «الولايات المتحدة ستعود لمركزها التاريخي في القيادة.. الفريق الجديد سيجعل أميركا أقرب إلى الحلفاء».
كما رشح بايدن ليندا توماس غرينفيلد لمنصب سفيرة لدى الأمم المتحدة، وكانت قد شغلت منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون إفريقيا، في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
وأعلن بايدن أيضاً عن ترشيح جيك سوليفان لمنصب مستشار للأمن القومي، ووزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري لتولي ملف المناخ.
وسارع كيري إلى دعوة المجتمع الدولي، إلى «طموح أكبر» في التصدي للتغير المناخي، الذي يعد إحدى أولويات إدارة بايدن. واعتبر كيري أن اتفاق باريس للمناخ الذي وقع في 2015 «ليس كافياً وحده»، داعياً من سيشاركون في مؤتمر الأمم المتحدة «كوب 26» في نوفمبر 2021 في غلاسكو إلى «التحلى معاً بطموح أكبر» مستدركا: «وإلا سنخفق جميعاً معاً».
وفي وزارة الأمن الوطني، تم اختيار أليساندورا مايوركاس لتولي مهام هذه الحقيبة. وسيكون مايوركاس أول مهاجر من أصول لاتينية يتولى المنصب.
ويشير اختيار مهاجر من أصول لاتينية لمنصب وزير الأمن الوطني إلى نهج مغاير تماماً عن إدارة دونالد ترامب في التعامل مع ملف الهجرة.
ويتجه فريق الرئيس بايدن أيضاً، نحو اختيار جانيت يلين، وزيرة للخزانة، وفقاً لما نقلته وسائل إعلام أميركية، الاثنين الماضي.
وأشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أنه لو ثبتت صحة هذه التقارير فإن يلين ستصبح أول امرأة تتولى المنصب.
وذكرت الصحيفة أن اختيار يلين، التي تمتد خبرتها في رسم السياسات الاقتصادية ثلاثة عقود، سيساهم في قيادتها الجهود في سبيل التعافي من الأزمة التي شكلها تفشي فيروس كورونا المستجد.
كما أصبحت يلين، 74 عاماً، أول امرأة تتولى رئاسة مجلس إدارة الاحتياطي الفدرالي (2012– 2014)، فضلاً عن كونها أول امرأة تتولى مجلس المستشارين الاقتصاديين التابع للبيت الأبيض في عهد أوباما.
وذكرت الشبكة الأميركية أن «أهمية اختيار بايدن للخزينة تتضخم مع الأزمة الكبيرة والاقتصاد الهش الذي سيرثه في يناير، فوزير الخزانة ستلقى على عاتقه مهمة قيادة الاقتصاد الأميركي خارج الجائحة تزامنا مع تضييق الفجوة بين الأثرياء والفقراء».
Leave a Reply