محمد دلبح – «صدى الوطن»
18 شهراً هي المدة التي احتاجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليكتشف أن مستشاره للأمن القومي ذو التوجه اليميني المتطرف، جون بولتون لم يعد يصلح للمنصب الذي تولاه في شهر نيسان (أبريل) 2018 في غمرة التصعيد ضد إيران، حيث أراد ترامب استخدام بولتون كفزاعة كان يعتقد أنها قد تدفع إيران إلى تقديم تنازلات والرضوخ للشروط الأميركية الـ12 لفتح حوار معها تمهيداً للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، غير أن صمود إيران ورفضها للشروط الأميركية وإصرارها على أن لا حوار قبل رفع العقوبات والحصار الاقتصادي الأميركي عليها، حولت بولتون إلى ورقة محروقة أنهاها ترامب بتغريدة صباح يوم الثلاثاء الماضي، أبلغ فيها بولتون، مع الشكر، أنه لم تعد ثمة حاجة إلى خدماته في البيت الأبيض.
ترامب قال في تغريدته التي نشرها قبيل نحو ساعتين فقط من مشاركة بولتون المبرمجة مسبقاً في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض مع وزيري الخارجية، مايك بومبيو، والمالية، ستيفن منوتشين، «لقد اختلفت بشدة مع الكثير من اقتراحاته مثل آخرين في الإدارة. لذلك طلبت من جون تقديم استقالته التي تسلمتها صباح اليوم».
بومبيو، من جانبه، علق خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد من دون بولتون، بالقول: «يحق للرئيس أن يكون لديه الموظفون الذين يريدهم في أية لحظة… يجب أن يكون لديه أناس يثق بهم ويقيمهم عالياً». ورداً على سؤال حول ما إذا كان تفاجأ من إعلان ترامب، أجاب بومبيو، «أنا لم أفاجأ قط، ولا أقصد ذلك في هذه القضية فقط».
وكانت علاقة بولتون مع بومبيو في الشهور الأخيرة اتسمت بالتوتر بشكل متزايد، حيث اتهم بولتون سراً بومبيو بقضاء الكثير من الوقت في تعزيز طموحاته السياسية فيما انتقد بومبيو مراراً عدم مرونة بولتون ووجهات نظره المتشددة.
وبولتون هو ثالث مستشار أمن قومي في إدارة ترامب (سبقه مايكل فلين وهربرت ماكماستر) وقد أثبت ثلاثتهم عدم ملاءمتهم للبيت الأبيض الذي يقوده رئيس يفتقد لأية خبرة سابقة في الجيش أو الأمن القومي أو تولي أي منصب حكومي أو تشريعي.
وقد رد بولتون على ترامب بنفس الطريقة إذ نشر تغريدة قال فيها: «عرضت تقديم استقالتي ليلة أمس (الاثنين) والرئيس ترامب قال لي لنناقش المسألة غداً (الثلاثاء)».
ونقلت «رويترز» عن مصدر مطلع أن إقالة بولتون جاءت بعد محادثة شابها التوتر، الاثنين الماضي، وتناولت اختلاف موقف الرجلين بشأن أفغانستان.
أما وكالة «بلومبرغ» فنقلت عن ثلاثة مصادر مطلعة أن ترامب عقد يوم الاثنين اجتماعاً لأعضاء إدارته لدراسة تخفيف العقوبات ضد إيران ما سبب خلافاً حاداً مع بولتون.
وأفادت المصادر بأن وزير الخزانة، ستيفن منوتشين، أيد هذا الإجراء باعتباره طريقاً لإعادة إطلاق العملية التفاوضية مع إيران.
وقالت الوكالة، إن «البيت الأبيض بدأ هذا الشهر تحضيرات لعقد لقاء بين ترامب وروحاني في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر، لكن من غير الواضح حالياً ما إذا كان الإيرانيون سيوافقون على التفاوض بينما تبقى العقوبات الأميركية القاسية حيز التنفيذ».
أربعة حروب
وعلى الرغم من تقاسم ترامب وبولتون لآراء متطرفة حول العديد من القضايا إلا أن المستشار الصقوري غالباً ما اصطدم برفض رئيسه للذهاب بعيداً في سياسة التدخل في شؤون الدول الأخرى. وقد ألمح ترامب مراراً إلى وجهات نظره المختلفة مع بولتون، لكنه لم يصل قط إلى حد التعبير عن سخطه على آرائه. وقد سبق لترامب أن مازح وراء الكواليس حول صقورية بولتون بالقول إن «جون لم ير حرباً لا يحبها.. ولو كان الأمر متروكاً لجون لكُنّا الآن نخوض أربعة حروب».
وبالفعل تم تهميش بولتون علناً في عدد من مبادرات السياسة الخارجية والأمن القومي الرئيسية، بما في ذلك مفاوضات السلام مع طالبان التي ألغاها ترامب يوم السبت الماضي.
وقد بدا أن الرئيس ترامب تولى موضوع أفغانستان بنفسه منتهجاً سياسة التهدئة ومحاولة التوصل إلى اتفاق سلام يسمح بإنهاء الحرب المستمرة منذ 18 عاماً، فأبعد بعض مستشاريه بمن فيهم بولتون، رغم أن الملف الأفغاني يعتبر من صلب اختصاصه.
وتبنى ترامب موقفاً مرناً بانتهاج سياسة التهدئة ومحاولة التوصل إلى اتفاق سلام يسمح بإنهاء الحرب المستمرة منذ 18 عاماً، بسحب معظم أو جميع القوات الأميركية من أفغانستان. وقد أعرب حلفاء إيران عن مخاوفهم من أن يقدم بولتون على تفجير عملية سلام أفغانستان على غرار ملف كوريا الشمالية الذي دفع فيه بولتون باتجاه تبني موقف أكثر صرامة تجاه بيونغيانغ.
غلطة «النموذج الليبي»
قال ترامب، الأربعاء الماضي، إن بولتون، «ارتكب أخطاء كبيرة» خلال عمله في البيت الأبيض. وأوضح في مؤتمر صحافي، أن مستشار الأمن القومي الُمقال، «لم يكن منسجماً مع أعضاء مهمين في الإدارة»، لكنه أشار إلى أنه هو نفسه كان منسجماً معه لبعض الوقت، إلى أن «أقدم على أخطاء كبيرة خصوصاً عندما تحدث عن النموذج الليبي».
واعتبرت بيونغيانغ حديث بولتون عن «النموذج الليبي» للتعامل معها، إشارة على احتمال أن يكون مصير قيادتها شبيهاً بنهاية الزعيم الليبي السابق معمر القذافي.
وقال ترامب إنه لا يلوم زعيم كوريا الشمالية لرفضه التعامل مع بولتون، واعتبر تصريح الأخير حول «النموذج الليبي بأنه كارثة»، دفعت الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق مع بيونغيانغ إلى الوراء.
وكان بولتون قد صرح الربيع الماضي، بأن ليبيا يمكن استخدامها كنموذج للطريقة التي يمكن من خلالها إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن برنامجها لتطوير الأسلحة النووية ما دفع بيونغيانغ حينها إلى التهديد بوقف المحادثات. وناقض ترامب بعدها مستشاره عندما صرح بأن «النموذج الليبي ليس النموذج الذي لدينا على الإطلاق عندما نفكر بكوريا الشمالية».
وعلى الرغم من حديثه عن انسجامه السابق مع بولتون، سخر ترامب من جهة أخرى من بولتون لدوره في غزو الولايات المتحدة للعراق. وقال «تعلمون أن جون معروف كرجل صارم، من شدة صرامته دفع بنا إلى العراق– إن تلك هي الصرامة».
فنزويلا وإيران
رغم طرده، ترك بولتون بصمة واضحة على سياسة ترامب الخارجية منذ توليه منصبه مستشار الأمن القومي، سواء في تبني سياسة «الضغوط القصوى» المتشددة ضد إيران، والتي بدأت بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في أيار (مايو) 2018. أو دفع واشنطن إلى الاعتراف برئيس البرلمان الفنزويلي المعارض خوان غوايدو كزعيم شرعي لفنزويلا بدلاً من رئيس البلاد نيكولاس مادورو.
ولكن على مدار الصيف الماضي، بدا أن تأثير بولتون آخذ بالتضاؤل –على عكس تأثير وزير الخارجية بومبيو الذي يتميز ببراعته في إرضاء ترامب– وقد ذُكر في حينه أن الرئيس شعر بالإحباط لأن الرئيس الفنزويلي، لم يتنح بالسرعة المتوقعة تحت ضغوط واشنطن؛ كما كان يشعر بقلق متزايد من رغبة بولتون بخوض مواجهة عسكرية مع إيران. إذ كان بولتون يدفع نحو شن عدوان عسكري محدود على إيران رداً على إسقاط طائرة تجسس أميركية مسيّرة غير أن ترامب ألغى قرار الهجوم. وبعد نحو ثلاث سنوات من حكمه، شهدت إقالة ثلاثة مستشارين للأمن القومي، يصر ترامب على إجراء حوار مباشر مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، دون أن يستبعد أن يتم ذلك في القريب العاجل.
بل ذهب ترامب إلى حد الحديث عن احتمال تخفيف العقوبات والتخلي عن سياسة «الضغوط القصوى» التي فرضتها إدارته على إيران، معتبراً أن الأخيرة تريد التفاوض مع الولايات المتحدة.
وقد أوضح بومبيو أن ترامب «سيكون مسروراً بعقد اجتماع دون شروط مسبقة». فيما اعتبر بولتون –قبل إقالته– أن مثل هذا الحوار لا يعني حدوث تغير في موقف واشنطن أو تنازلاً منها، غير أن ترامب قدم له تنازلاً لطيفاً في تغريدة إقالته، قائلاً: «أشكر جون جزيلَ الشكر على خدمته».
Leave a Reply