نتنياهو يترنّح بعد المواجهة المكلفة مع طهران .. والرئيس الأميركي يتعهد بـ«إنقاذه» داخلياً
التقرير الأسبوعي
في اليوم الثاني عشر من الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقفاً لإطلاق النار بين البلدين، عبر اتصال هاتفي وبّخ فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأجبره على إعادة طائرته الحربية المنطلقة نحو إيران إلى قواعدها وابتلاع الصفعة الأخيرة التي وجهّتها إيران عبر موجاتها الصاروخية المتتالية –حتى اللحظة الأخيرة قبل سريان وقف إطلاق النار، والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى إسرائيليين وتسببت بدمار هائل لاسيما في بئر السبع، بمشهد ختامي عكس تفوّقاً إيرانياً نسبياً، رغم ادعاءات النصر من الجانبين.
وعلى أثر نجاحه في إنهاء الحرب التي رفض الانجرار إليها، والتي أعادت رسم التوازنات في المنطقة، لم يتأخر ترامب كثيراً عن كشف خطواته التالية، إذ سارع إلى مدّ يد التفاوض إلى إيران بعد تقبُّل ضربتها الرمزية لقاعدة «العديد» الأميركية في قطر، ردّاً على قصف مواقع فوردو ونطنز وأصفهان النووية، التي لم يتبين بعد، حجم الأضرار التي لحقت بها، وسط شكوك متزايدة حول نجاعة الغارات الأميركية التي يصرّ ترامب على أنها حققت أهدافها، رغم عدم توفر أدلة مادية أو معلومات استخباراتية تشي بذلك.
وخلص تقرير استخباري أولي أميركي سرّي إلى أن الضربة الأميركية على إيران أعادت برنامج طهران النووي بضعة أشهر فقط إلى الوراء ولم تدمّره كما زعم ترامب الذي سارع إلى نفي صحة التقرير الذي نشرته «سي أن أن»، قبل أن يتهم «الديمقراطيين» بتسريبه.
أما بالنسبة لنتنياهو، الذي أذعن لترامب بعد أن فشل في جرّه إلى الحرب، فقد سارع الرئيس الأميركي إلى محاولة إنقاذه الإسرائيلي عبر المطالبة بإنهاء محاكمته أمام القضاء الإسرائيلي بتهم الفساد، مطالباً بإلغاء تلك المحاكمات «فوراً» أو العفو عنه، قائلاً «إن الولايات المتحدة ستنقذه كما أنقذت إسرائيل»!.
وتناقض منشور ترامب الودود مع التوبيخ النادر الذي وجهه، الثلاثاء الماضي، لإسرائيل بسبب شن غارات عنيفة على إيران بعد التوصل لاتفاق أولي لوقف إطلاق النار. وقال ترامب قبيل مغادرته واشنطن متجهاً إلى قمة حلف «الناتو» في هولندا: «بمجرد أن أبرمنا الصفقة، خرجت إسرائيل وألقت حمولة من القنابل، لم أشاهد مثلها من قبل». وأردف الرئيس قائلاً: «لستُ راضياً عن إسرائيل. كما تعلم، عندما أقول: حسناً، لديكم الآن 12 ساعة، لا تُخرج من الساعة الأولى، وتُسقط كل ما لديك، لذا لستُ راضياً عنها».
وخلافاً لتوقعات الكثيرين بأن الشرق الأوسط يتجه نحو السيناريو الأسوأ مع توجيه إيران ضربة لقاعدة «العديد» العسكرية الأميركية بقطر، خرج ترامب ليزف للعالم بصورة مفاجئة بشرى وقف المعركة بين طهران وتل أبيب، داعياً الطرفين لعدم انتهاك الاتفاق.
وكان ترامب قد أشار إلى أن الطرفين اتفقا بشكل كامل على وقف إطلاق النار خلال ساعات، تمهيدا لانتهاء حرب دامت 12 يوماً. وهنأ ترامب إسرائيل وإيران على التحلي بـ«الشجاعة والذكاء» لإنهاء تلك الحرب «التي كان من الممكن أن تستمر لسنوات وأن تدمر الشرق الأوسط بأكمله، لكنها لم تفعل ولن تفعل أبدا! بارك الله إسرائيل، وبارك الله إيران، وبارك الله الشرق الأوسط، وبارك الله الولايات المتحدة الأميركية، وبارك الله العالم».
واتخذ الصراع بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى منحى جديداً، مع استهداف إيران قاعدة «العديد» الاثنين الماضي في إطار ردها على الضربة الأميركية التي استهدفت منشآتها النووية يوم السبت الماضي. وعلى الرغم من أن التحرك الإيراني كان متوقعاً في سياق سيناريوهات عدة معززاً بالعديد من المؤشرات والتقارير الاستخباراتية، شهدت منطقة الخليج ساعات مفصلية مع الإعلان عن بدء الهجوم الإيراني وحبس الكثيرون أنفاسهم وهم يتابعون رشقات الصواريخ الإيرانية، التي تسببت في إغلاق دول عدة في المنطقة مجالاتها الجوية وأربكت حركة الطيران هناك.
لكن وبينما انتابت الكثيرين مخاوف من اتساع رقعة الصراع، كانت هناك مؤشرات على أن ما حدث كان منسقاً بين إيران وقطر والولايات المتحدة لفتح باب لتفاوض وإنهاء التوترات التي تخيم على المنطقة.
وعقب الهجوم، أكد ترامب عبر منشور على منصة «تروث سوشيال» معلومة التنسيق المسبق من خلال توجيهه الشكر لإيران على «إبلاغنا مبكراً»، الأمر الذي أسفر عن عدم سقوط ضحايا أو مصابين. كما اعتبر ترامب أن ما أقدمت عليه طهران بمثابة «رد رسمي» على «تدميرنا لمنشآتها النووية»، ووصف هذا الرد بأنه «ضعيف للغاية».
وتزامن ذلك مع تواتر تقارير إعلامية أميركية وإسرائيلية تتحدث عن رغبة ترامب في إنهاء الحرب، حيث أشار موقع «أكسيوس» إلى أن الرئيس الأميركي أوضح لنتنياهو، نقلاً عن مسؤول في البيت الأبيض أن واشنطن «تريد اتفاقاً الآن ولا تريد المزيد من الحروب».
ورغم مزاعم المسؤولين الإسرائيليين بتفوق بلدهم عسكرياً وتكبيدهم إيران خسائر فادحة، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن إسرائيل هي التي نقلت رسالة إلى إيران أبدت فيها رغبتها في إنهاء الحرب، وسط تقارير متزايدة عن انكشاف دولة الاحتلال أمام الصواريخ الإيرانية المتطورة وقرب نفاد مخزونات الدفاع الجوي الأسرائيلي.
ويرى محللون أن الاتفاق الذي فرضه ترامب، بالسماح لإيران بتوجيه الضربة الأخيرة تفادياً لوعيدها بالرد على أي اعتداء، ربما يمثل أفضل صيغة لجميع الأطراف المنخرطة في الصراع، وأن تلك الأطراف خرجت رابحة بنسب متفاوتة، وهو ما يبرر إصرار ترامب على زعم إنجاز تدمير المواقع النووية الإيرانية، رغم تسريب تقرير استخباراتي ينفي ذلك، حيث يسمح هذا الادعاء لنتنياهو بالتباهي بالقضاء على «تهديد وجودي»، وتبرير مشاهد الدمار والخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي تعرض لها الكيان، بسبب مغامرته غير المحسوبة.
في المقابل، مثّل الاتفاق مخرجاً مقنعاً للنظام الإيراني الذي تلقى ضربات موجعة طالت شخصيات وأهدافاً حساسة في مناطق متفرقة من البلاد، التي ترزح تحت طائلة عقوبات اقتصادية خانقة منذ سنوات عديدة.
فاتورة الحرب
بين اليد العليا للطائرات الإسرائيلية في سماء إيران، واليد الطولى للصواريخ الإيرانية في عمق الكيان، حرصت كل من تل أبيب وطهران على اعتماد سياسة التعتيم على الخسائر، حيث كانت صور الدمار وآثار الهجمات المتبادلة تأتي عبر تسريبات من كاميرات هاتفية، وسط غياب شبه تام للتغطية الإعلامية داخل البلدين.
أسفرت الحرب التي شنّتها إسرائيل في 13 يونيو الجاري، عن مقتل 610 أشخاص بينهم 13 طفلاً، وإصابة نحو 4,700 آخرين، بحسب حصيلة رسمية أصدرتها وزارة الصحة الإيرانية.
من جهة أخرى، قال معهد دراسات الأمن القومي، في معطيات نشرها على موقعه الإلكتروني، إن 29 إسرائيلياً قتلوا وأصيب 3,491 آخرون في الهجمات الإيرانية.
وخسرت إيران عدداً من القادة العسكريين من الصف الأول خاصة في اليوم الأول للهجمات الإسرائيلية، على رأسهم رئيس الأركان وقائد الحرس الثوري. وكذلك تم اغتيال عدد من كبار العلماء النوويين، الذين كانت تعتمد عليهم طهران في تطوير برنامجها النووي.
كما تضررت المنشآت النووية الإيرانية، إلى جانب الخسائر الاقتصادية الكبيرة والدمار في البنية التحتية والمباني الحكومية نتيجة الغارات الإسرائيلية.
على الجانب الإسرائيلي، كشفت تقارير إعلامية واقتصادية عبرية أن الحرب مع إيران ألحقت بالاقتصاد الإسرائيلي خسائر مباشرة قدرها 12 مليار دولار، مع توقعات بارتفاعها إلى 20 مليار دولار عند احتساب الأضرار غير المباشرة. وتتوزّع هذه الخسائر بين النفقات العسكرية والأضرار الناجمة عن الضربات الصاروخية وتكاليف إعادة الإعمار والتعويضات، فضلاً عن تهجير 15 ألف إسرائيلي.
عسكرياً، ورغم تفوق سلاحها الجوي، تكبدت إسرائيل فواتير باهظة في دفاعاتها الجوية التي فشلت في التصدي لنسبة كبيرة من الصواريخ الإيرانية، كما فقدت تل أبيب مئات العملاء الذي عملت على تجنيدهم لضرب النظام الإيراني من الداخل، والذين شاركوا في معظم عمليات الاغتيال التي وقعت في طهران. إلا أن السلطات الإيرانية أعلنت مع انتهاء الحرب اعتقال 700 عميل للموساد، وقامت بإعدام بعضهم.
ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، كبدت الحرب خزينة الدولة نحو 22 مليار شيكل (ما يعادل 6.46 مليارات دولار) بخلاف أعباء أخرى. ونقلت الصحيفة عن مصدر في وزارة المالية الإسرائيلية توقعه بأن تسعى إسرائيل للحصول على دعم مالي إضافي من واشنطن، سواء عبر مُنح مباشرة أو ضمانات مالية، بهدف المساهمة في تعويض كلفة الحرب وتوفير الاحتياجات الدفاعية العاجلة.
قطاع غزة
لاشك في أن الحرب الإسرائيلية الإيرانية قد حولت الأنظار بعيداً، عن جرائم الإبادة في غزة، إلا أن قوات الحتلال لم تنقطع يوماً عن قتل الفلسطينيين المجوّعين داخل القطاع المدمر، لاسيما من منتظري المساعدات.
ولكن مع انتهاء الحرب، عادت الضغوط مجدداً على نتنياهو سواء من الداخل الإسرائيلي، أو ضغط الميدان تحت ضربات المقاومة، أو حتى من الرئيس ترامب نفسه. فقد نقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» –الخميس الماضي– عن مصادر سياسية، أنّ ترامب، «يمارس ضغطاً شديداً على نتنياهو، لإنهاء الحرب على قطاع غزة»، مشيرة إلى أن ضغط ترامب «بدأ قبل الهجوم على إيران، واستؤنف فور انتهائه».
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر إسرائيلي أن تصريحات ترامب الأخيرة بشأن إنهاء محاكمة نتنياهو كانت جزءاً من تحرك واسع لإنهاء الحرب في غزة.
وفي غزة، قال مسؤولو الصحة إن الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من 800 فلسطيني خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً مع إيران، ما يعني أن حصيلة القتلى في غزة تفوق نظيرتها في إيران التي بلغت 610 قتيلاً.
يأتي ذلك، في الوقت الذي تواصل فصائل المقاومة في غزة استهداف جنود ومواقع إسرائيلية، موقعين خسائر كبيرة في صفوف الجنود والآليات العسكرية، وكان أكبرها عملية مركّبة في خان يونس أسفرت عن مقتل ضابط وستة جنود إسرائيليين حرقاً داخل ناقلة جند.
وقد جاء هذا الحادث بالتزامن مع وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وحديث الاحتلال عن العودة للتركيز على قطاع غزة حيث ماتزال المقاومة الفلسطينية صامدة بعد قرابة عشرين شهراً من الحرب والحصار.
وبحلول الخميس الماضي، عاد المتظاهرون إلى شوارع تل أبيب للمطالبة بوقف حرب غزة وتبادل الأسرى، حيث تصدت الشرطة لتظاهرة ضمت الآلاف بذريعة «الخروح عن المسار المصرّح به»، وفقاً لصحيفة «هآرتس».
وأعلنت شرطة الاحتلال أن «الاحتجاج غير قانوني»، وصادرت مكبّرات الصوت والطبول من المتظاهرين، واعتقلت سبعة منهم بالقوة بتهمة «الإخلال بالنظام العام».
مسار الدبلوماسية
أثنى ترامب الأربعاء الماضي على شجاعة إيران القتالية، مؤكداً انتهاء الحرب بينها وإسرائيل انطلاقاً من إ«جهاد الطرفين». وكشف الرئيس الأميركي، في مؤتمر صحفي رفقة وزيريه للخارجية والدفاع على هامش قمة حلف الناتو، أن إدارته بصدد العودة للتفاوض مع الإيرانيين، وأضاف «قد نتواصل مع الإيرانيين الأسبوع المقبل».
وقال ترامب إن «إيران خاضت حرباً بشجاعة والإيرانيون يريدون المال لإعادة بناء دولتهم، والصين يمكنها شراء النفط منهم»، لافتاً إلى أنه «قد طلب من إيران تعهداً بعدم استئناف نشاطاتها النووية».
وجدد ترامب التذكير بجهوده في حمل إسرائيل على قبول وقف إطلاق النار إلى حدّ أن «52 طائرة إسرائيلية كانت متجهة إلى إيران لترد على ما ظنوا أنه انتهاك لوقف إطلاق النار وطلبت منها العودة».
من جانبه، قال وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو إن واشنطن ترغب في محادثات مباشرة مع إيران «وقد نتواصل مع الإيرانيين الأسبوع المقبل». وأضاف أن الرئيس ترامب مهتم بالسلام و«نرغب في إقامة علاقات سلمية مع كل الدول».
على المقلب الآخر، أعلن وزير الخارجية الإيرانية، عباس عراقجي، الخميس الماضي، أنّه «لم يُحدَّد أيّ موعد لاستئناف الحوار مع الولايات المتحدة»، وقال: «لا تأخذوا كلام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن بدء المفاوضات على محمل الجد، فلا يوجد حتى الآن أيّ موعد محدد».
وأضاف في مقابلة تلفزيونية: «على من يطالب بعودة إيران إلى طاولة المفاوضات، أن يوضّح أيّ طاولة يقصد. لقد تفاوضنا مع أميركا، فدمّرت إسرائيل الطاولة. وتفاوضنا مع أوروبا، فدمّرتها أميركا». وقال إنّ «إيران لم تتفاوض مع الكيان الصهيوني، بل هو من أوقف هجماته نتيجة العجز واليأس». وأشار إلى أنّ الأضرار التي لحقت بالمراكز النووية الإيرانية جراء الهجمات الأميركية–الإسرائيلية «ليست قليلة»، لافتاً إلى أنّ «منظمة الطاقة الذرية الإيرانية تتابع التحقيق في هذه الأضرار».
وقال عراقجي إنّ الخارجية الإيرانية، أبلغت الأطراف «أن يُخبِروا الكيان الصهيوني بأن إيران ليست لبنان، وأيّ اعتداء سيُقابل برد فوري».
Leave a Reply