منذ الغزو الأميركي للعراق، وإسقاط النظام فيه، وتحوله إلى الفوضى، مع إقامة دستور فدرالي فيه، تتّجه منطقة الشرق الأوسط، نحو خارطة جديدة، تحدث عنها خبراء سياسيون واستراتيجيون، بعد أن أعلن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، عن أنه يعمل «لفوضى خلاقة» لرسم «شرق اوسط جديد».
تنفيذ المشروع الأميركي
ولتنفيذ المشروع الأميركي للمنطقة، الذي وضعه «المحافظون الجدد» المتغلغلون في الإدارة الأميركية، والمسيطرون على قرارها، كان لا بدّ من استكماله بإتجاه لبنان وسوريا، ليتمدد الى بلدان أخرى، حيث مازال هذا المخطط مستمراً، من خلال الحروب المشتعلة منذ العام 2003، في العراق وصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي يطالب سوريا بسحب قواتها من لبنان، والذي نُفّذ بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم في الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006، وانطلاق ما سمي «الربيع العربي» المدعوم أميركياً ليحكم «الأخوان المسلمون» كفصيل إسلامي معتدل، وفق الوصف الأميركي، فوصل «حزب العدالة والتنمية» برئاسة رجب طيب أردوغان الى الحكم في تركيا، وقرر إحياء «عثمانية جديدة» بوصول الإخوان المسلمين الى السلطة، فكانت الشرارة من تونس الى مصر فليبيا فاليمن وصولاً الى سوريا، التي غازلت تركيا رئيسها بشار الأسد، لأخذ تنازلات منه لمشاركة «الإخوان المسلمين» في الحكم، ومدّت قطر يد العون لها، لتسهيل هذه العملية، ويمر أنبوب الغاز من أراضيها الى أوروبا، لكن الأسد رفض الطلبين، ولم يرضخ لضغوط الدولتين.
الحرب على سوريا
ومع رفض سوريا للإملاءات الخارجية، تحولت الحرب عليها، تحت شعارات إصلاحية واسقاط النظام فيها، في وقت سقط «الاخوان المسلمون» في تونس عبر «حزب النهضة» برئاسه راشد الغنوشي، وفي مصر من خلال اسقاط رئيس الجمهورية محمد مرسي وادخاله مع قيادات «الإخوان المسلمين» الى السجن.
وفي سوريا تظهرت المؤامرة الأميركية – الإسرائيلية عليها، بدعم خليجي، فكان التصدي لها من قبل الجيش السوري الذي سانده حلفاء له، بدأ في العام 2013، بمشاركة «حزب الله» في القتال الى جانبه، من بلدة القصير في ريف حمص القريبة من الحدود مع لبنان، ليحمي أمنه واستقراره من تمدد الجماعات الإرهابية إليه، ثم كان الحضور الإيراني عبر خبراء ومستشارين، ثم مقاتلين من «الحرس الثوري الإيراني»، ومجموعات من حركة «النجباء» العراقية والفاطميين من أفغانستان و«الزينبيون» من باكستان، الى أن كان التدخل العسكري الروسي المباشر في ايلول 2015، والذي كان لحماية النظام من سقوط سوريا في يد الجماعات الإرهابية التي لها امتداد في آسيا الوسطى ودول فيها، لا سيما في القوقاز وتركمستان وكازخستان والشيشان، حيث تعتبر سوريا بأنها خط الدفاع الأول عن الإتحاد الروسي، وفيها قاعده بحرية عسكرية في طرطوس، وباتت لها قاعدة جوية في حميميم على الساحل السوري وشاطئه
الوجود الإيراني
وتخوفت «إسرائيل» من الوجود الإيراني في سوريا، والذي أقام له قواعد فيها، لا سيما في جنوبها، عند الحدود معها في الجولان والقنيطرة وريفها، وهي امتداد جغرافي مع جنوب لبنان عند سفح جبل الشيخ في شبعا والهبارية وكفرشوبا.
هذا الوجود العسكري الإيراني، مع «حزب الله» في سوريا أقلق العدو الإسرائيلي، الذي قرر استهدافه، ومنع تواجده، فكان اول استهداف في القنيطرة عام 2014 عندما قصف العدو الاسرائيلي سيارات للمقاومة ، فقتل جهاد مغنية نجل القائد العسكري «لحزب الله» عماد مغنية الذي اغتاله «الموساد» الاسرائيلي في دمشق عام 2008، كما قتل ايضاً ضابطاً ايرانياً كبيراً من «الحرس الثوري الإيراني» التابع لقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني.
وكان العدوان الإسرائيلي إشارة الإنطلاق لملاحقة الوجود العسكري الإيراني ومعه «حزب الله»، الذي استهدف مراراً، من خلال غارات للطيران الإسرائيلي على قوافل تنقل أسلحة، أو مخازن للسلاح، وفي أكثر من منطقة سورية، كانت الإستخبارات الصهيونية تحصل على معلومات حول نقل أسلحة لـ «حزب الله» أو وجود مخازن أو قواعد تدريب عسكرية.
القصف الأخير
وخلال الشهر الماضي، قصفت «إسرائيل» في 4 نيسان، مطار «تي – فور» في حمص، رداً على إرسال إيران طائرة من دون طيار بإتجاه «إسرائيل»، التي أسقطتها، لكن الرد السوري كان سريعاً فأسقط طائرة «أف 16» لـ «إسرائيل»، مما شكل نكسة لها، وضربة معنوية لسلاح الجو الإسرائيلي، فإتهمت تل أبيب موسكو بأنها زوّدت سوريا بأسلحة صاروخية متطورة قادرة على إسقاط الطائرات الإسرائيلية.
وبعد نحو اسبوع، وفي 9 نيسان قصفت أميركا مع فرنسا وبريطانيا مناطق في سوريا، قرب العاصمة دمشق، وفي الشعيرات قرب حمص، على أنها مراكز لتصنيع السلاح الكيماوي، والذي توعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمعاقبة النظام السوري على استخدامه له في دوما والغوطة الشرقية، دون أن يتأكّد من ذلك، لكن الدفاعات الجوية السورية أسقطت نحو 72 صاروخاً من حوالي 100 صاروخ أطلقوا خلال العدوان الثلاثي على سوريا، التي أفشلته، وفرضت انسحاب كل الإرهابيين، من الغوطة الشرقية وأخيراً الغوطة الغربية.
التصعيد الخطير
لكن التصعيد الخطير، الذي اختتمت فيه دول العدوان شهر نيسان، فكان القصف على ريفي حماه وحلب واستهداف اللواء 47 ومطار النيرب قرب حلب الذي يحوي مخازن أسلحة لصواريخ أرض – أرض، حيث كانت المعلومات متناقضة حول هذا العدوان، إذ تنصلت منه كل من أميركا و«إسرائيل»، في وقت نفت إيران أن تكون قواعدها استهدفت بالقصف، إلا أن سوريا أكّدت من خلال ناطق عسكري عن قصف استهدف قواعد عسكرية في ريفي حماه وحلب، وسقوط ضحايا حيث أكّد سكان المناطق المستهدفة، أنهم شعروا بزلزال قدرت قوته بـ 2,6 درجات على مقياس ريختر، وقد تحدث عسكريون اسرائيليون عن استخدام قنابل من نوع 2000 – SPASE، وهي قوية جداً، في وقت أشار موقع «يورن سوير» الأميركي، بأن «إسرائيل» استخدمت اول قنبلة تصنف على أنها نووية في نزاع مسلح لها، في الهجمات التي استهدفت القاعدة الإيرانية في اللواء 47 بريف حماه.
أيار شهر ساخن
هذا التصعيد العسكري، تزامن مع عقد رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو، مؤتمراً صحافياً، يؤكد فيه بالوثائق، أن إيران تمتلك أسلحة نووية، وأن الإتفاق معها الذي وقعته 6 دول ورعته أميركا حول سلاحها النووي، باطل حيث إلتقت «إسرائيل» مع السعودية على رفض هذا الإتفاق الذي قررت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما الوصل إليه، لمنع حصول مواجهة عسكرية مع ايران، تريدها تل أبيب وتشجع عليها دول خليجية لا سيما السعودية ، لوقف نفوذ طهران في المنطقة، والذي أعطاها الإتفاق الذي وقع في تموز 2015، دفعاً دولياً، وفك الحصار عنها، وأنعش اقتصادها، وأعادها الى الساحة الدولية، بعد أن فازت في الساحة الإقليمية من خلال تحقيق إنتصارات في لبنان وسوريا والعراق واليمن، التي تعترف إيران، أن وجودها في هذه الدول بات قوياً وتمتلك القرار فيه، وهو ما تعمل السعودية على منع تمدده في دول أخرى.
وجاء العدوان المجهول المصدر، والمعلوم الأهداف على سوريا واستهداف إيران فيها، مع اقتراب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من إتخاذ قرار بشأن وقف العمل بالإتفاق النووي مع إيران، والتي تتأهب للرد عليه، مع تحفظ بعض الشركاء الأوروبيين على إلغائه، والبحث من جديد في مضمونه، في ما ترفض موسكو الغاء الاتفاق.
فهذا الشهر سيكون ساخناً في المنطقة اعتباراً من 12 منه، وقد يتجه الرئيس الأميركي الى تفجير الحرب فيها، إذا لم يردعه الكونغرس، أو يخفف الرئيس الروسي من اندفاعاته، إذ أن إلغاء الإتفاق سيضع المنطقة أمام فوهة بركان، قد تغير خارطتها ، كما توقع الرئيس السوري بشار الأسد.
Leave a Reply