لاس فيغاس - قرر المرشح الجمهوري دونالد ترامب الإبقاء على «عنصر التشويق» في الانتخابات الرئاسية، رافضاً التسليم مسبقاً بنتائج صناديق الاقتراع بسبب شبهات التزوير، وذلك في مناظرته الثالثة والأخيرة التي عقدت مساء الأربعاء الماضي مع المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي واجهت بدورها أسبوعاً صعباً مع استمرار تدفق تسريبات «ويكيليكس» ونشر تحقيق استقصائي مصوّر (جيمس أوكيفي) يظهر تورط أعضاء في منظمات مرتبطة بحملتها الانتخابية يتباهون بأساليبهم الملتوية في التأثير على الانتخابات من خلال نقل الناخبين غير الشرعيين عبر الولايات وافتعال أعمال عنف وصدامات مع أنصار ترامب.
وفيما حاولت وسائل الإعلام الكبرى المؤيدة للديمقراطيين احتواء الفضائح التي طالت حملة كلينتون وأدائها المتواضع في مناظرة «جامعة نيفادا»، ندد الرئيس الأميركي باراك أوباما في اليوم التالي للتظاهرة بشدة بتصريحات ترامب عن تزوير محتمل للانتخابات الرئاسية، معتبراً أنها «تقوّض» الديمقراطية الأميركية و«تزرع الشك في النفوس حول شرعية الانتخابات»، داعياً إلى التعبئة من أجل ضمان انتصار «كبير» لكلينتون بما لا يترك مجالاً للاعتراض.
وفيما تغيبت كلينتون عن التجمع الانتخابي الحاشد الذي حضره أوباما في ميامي، أطل ترامب الخميس الماضي على أنصاره في مدينة ديلاوير (أوهايو) حيث أعلن المرشح الجمهوري انه لن يقبل سلفاً بنتيجة الانتخابات، مؤكدا أنه يحتفظ بحق الطعن أمام المحكمة العليا إذا شعر أنها «موضع شك».
وقال ترامب بتحديه غير المسبوق للأعراف الديمقراطية الاميركية مخاطبا أنصاره «سأقبل بالكامل نتائج هذه الانتخابات الرئاسية التاريخية والعظيمة إذا فزت.. وسنفوز».
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، يواصل ترامب اتهام فريق حملة كلينتون والاعلام الرئيسي بمحاولة تزوير الانتخابات لصالح منافسته، كاشفاً أن كلينتون تلقت نسخة عن الأسئلة التي ستوجه خلال المناظرة وتظاهرت بعدم حصول ذلك.
كما شنّ ترامب وفريقه هجوماً على الإعلام الأميركي ووصفوه بالمنحاز إلى المنافسة عن الحزب الديمقراطي، واتهموه بتجاهل الفضائح الموثّقة التي طاولتها والتركيز فقط على فضائح ملفّقة ضده.
وبغضّ النظر عن مدى صحّة الاتهامات التي وُجّهت إلى ترامب -أبرزها أخيراً اتهامات بتحرّشات جنسية- لا بدّ من الاعتراف بأن غالبية الإعلام الأميركي المكتوب والمرئي منحاز بنحو كبير إلى كلينتون، إلى حدّ بات أداؤه أقرب إلى البروباغندا منه إلى تغطية حملة انتخابية.
المناظرة الأخيرة
عبّر المرشحان للرئاسة عن مواقف متعارضة حول كلّ القضايا الّتي ناقشاها خلال المناظرة الثّالثة والأخيرة بينهما والتي شهدتها مدينة لاس فيغاس واستمرّت لـ90 دقيقة، وقد تطرقا إلى مواضيع أبرزها حيازة الأسلحة النّاريّة والمحكمة العليا والإجهاض والهجرة والاقتصاد وروسيا والسّياسة الخارجيّة، لاسيّما سوريا والعراق، إضافةً إلى التّجارة الدولية والتقاعد والضرائب والدين العام الذي يناهز ٢٠ تريليون دولار.
وفي توتّرٍ غير مسبوق، وكدليلٍ على الحدّة التي اتّسمت بها هذه المناظرة النّاريّة، لم يتصافح كلينتون وترامب لا في بداية المناظرة ولا في نهايتها. كما أنّ زوجي المرشّحين لم يتبادلا التّحية طوال المناظرة.
ورفض ترامب التّسليم بنتائج الاقتراع، قائلاً «سأنظر في الأمر حينها»، وهو بذلك يخرق التقاليد السياسية الأميركية بشكلٍ واضح. واعتبر أنّ الانتخابات الّتي ستجري في الثّامن من تشرين الثّاني قد «تزوّر» لأنّ ملايين الأشخاص مسجّلون من دون وجه حقّ على اللوائح الانتخابيّة، بحسب ما أظهر مركز «بيو» للأبحاث.
وأضاف ترامب أن الانتخابات مزورة لأنه لا يجب أن لا يُسمح لها (كلينتون) بأن تترشح أصلاً، في إشارة الى مخالفتها القوانين في قضية الرّسائل الالكترونية و«أمور كثيرة أخرى»، على حد قوله.
وردت كلينتون بالتلميح الى أن ترامب له علاقة مع روسيا، وقالت «من الواضح أنّك لا تعترف بأنّ الرّوس يشنّون هجمات (الكترونية) على الولايات المتّحدة وأنّك تشجّع التّجسّس على شعبنا». فقال ترامب حينها «بوتين لا يحترمها»، ما دفعها إلى الرّدّ «هذا لأنّه يفضّل دمية على رأس الولايات المتّحدة»، فرد عليها ترامب بالقول «أنت الدمية».
ووصف المرشّح الجمهوري منافسته بأنّها «امرأة وسخة»، مشيراً الى إمكانية أن تكون خلف النّساء اللواتي اتّهمنه أخيراً بتحرّشاتٍ جنسيّة دون دليل وقد نشرت كبريات الصحف الأميركية الداعمة لكلينتون قصصهن المختلقة على حد وصفه.
وقال «هؤلاء النّساء لا أعرفهنّ، وأنا أشكّ في طريقة ظهورهنّ، هي (كلينتون) الّتي حضّتهنّ على الكلام، كلّ هذا من نسج الخيال». وفي السّياق، اعتبر ترامب أنّ «الإعلام يسمّم العقول»، وذلك في إطار حملةٍ شرسة يشنّها ترامب على الإعلام الأميركي.
وتطرّق الحديث إلى مسألة خبرة الثّلاثين عاماً الّتي تملكها كلينتون في حقل السّياسة، والتي كان ترامب قد أثارها في المناظرات السّابقة. وقال المرشّح الجمهوري «كنتِ منخرطة في جميع النّواحي داخل هذه البلاد، لديكِ خبرة، الشيء الوحيد الذي تتفوقين عليّ به هو الخبرة، لكنها خبرة سيئة، لأن كل ما قمت به انقلب إلى شيءٍ سيّء».
وردّت كلينتون بالقول إنّها بينما كانت تدافع عن حقوق الأطفال في سبعينيات القرن الماضي، كان ترامب يدافع عن نفسه ضدّ الاتّهامات بانخراطه في التّمييز في مجال السكن ضد الأميركين من أصل إفريقي.
وتميزت المواجهة الاخيرة بين كلينتون وترامب بسجالات عنيفة وتبادل اتهامات من العيار الثقيل وصلت اكثر من مرة الى حد التحقير.
سياسة خارجية
وفي الشّأن السّوري، أكّدت المرشّحة الديمقراطيّة أنّها تأمل في فرض منطقة للحظر الجوّي لحماية المدنيين في سوريا، مشدّدةً على أنّ المسألة بحاجة إلى «الكثير من المفاوضات»، ومضيفة «سيتحتّم علينا أن نوضح للسّوريين والرّوس أنّ هدفنا هو إقامة مناطق آمنة على الأرض» فيما أصر ترامب على إعطاء الأولوية لمحاربة «داعش».
وتابعت «سأواصل الدّفع باتّجاه إقامة منطقة حظر جوّي ومناطق آمنة في سوريا، ليس فقط لحماية السوريين وتجنّب تدفق اللاّجئين المستمرّ، بل أيضاً، وبصراحة، لكسب وسيلة ضغط على الحكومة السّورية والروس».
وردّ ترامب على منافسته بالقول إنّ الرئيس السوري بشار الأسد «بالتّأكيد أذكى منها ومن (الرئيس الأميركي باراك) أوباما»، مضيفاً «الجميع كانوا يعتقدون أنّه (الأسد) سيرحل قبل سنتين أو ثلاث. لقد اصطفّ إلى جانب روسيا وإيران كذلك». واعتبر ترامب أنّه إذا تمّت الإطاحة بالأسد فإنّ «النّتيجة قد تكون أسوأ من بقائه». كما أكّد أنّ «الولايات المتّحدة جعلت من إيران قويّة جدّاً» مكرراً اتهام كلينتون بتأسيس «داعش».
وحول التّطوّرات في العراق وانطلاقة معركة الموصل لتحريرها من تنظيم «داعش»، اعتبرت كلينتون أنّ إرسال جنود أميركييّن إلى هناك «لن يكون قراراً ينمّ عن ذكاء»، موضحةً أنّ «الهدف هو استعادة الموصل» وليس نشر قوّات تكون بمثابة «قوّة احتلال». وأعاد ترامب انتقاد قرار كلينتون تأييد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، قائلاً «الآن نخوض معارك من جديد لاستعادة الموصل»، ومضيفاً «سنسيطر على الموصل وهل تعرفون من سيستفيد من ذلك؟ إيران».
قضايا داخلية
وتطرقت المناظرة التي جرت في جامعة نيفادا بمدينة لاس فيغاس، وأدارها الصحافي كريس واليس من «فوكس نيوز»، إلى عدة قضايا قادت المتنافسين إلى تبادل الاتهامات أمام جمهور الناخبين.
في الاقتصاد، اتهم ترامب منافسته كلينتون بتبني خطة كارثية لرفع الضرائب على الشرائح الأميركية كافة، وأن خطته ستخفض الضرائب لجلب مليارات الدولارات إلى البلاد لإنعاش الاقتصاد، مشيراً إلى مضاعفة الدين الأميركي في عهد الرئيس أوباما، فيما سيعمل هو الى رفع معدل النمو من أقل من ١ بالمئة حالياً الى ٤ أو ٥ بالمئة بفضل السياسات التي سينتهجها.
لكن كلينتون قالت إن الرئيس أوباما ورث أكبر كارثة اقتصادية شهدتها البلاد تسببت بها إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن، وأن خطتها لن تزيد الضرائب على من لا يتجاوز دخلهم 250 ألف دولار سنوياً، وأن رفع الضرائب سيستهدف الأغنياء.
وفي موضوع الهجرة، أكد ترامب أن الولايات المتحدة تحتاج إلى حدود قوية، لأن المهاجرين غير الشرعيين يجلبون الجريمة والمخدرات إلى الولايات، متهما كلينتون بأنها تعتزم منحهم العفو بشأنهم.
وقال ترامب إن كلينتون «تريد حدوداً مفتوحة. ستكون كارثة في التجارة والحدود»، مؤكداً أن سيعيد النظر في اتقاية «نافتا» التجارية وسيلغي نظام الرعاية الصحية «أوباماكير» في حال انتخابه.
وأكد ترامب مجددا على ضرورة بناء جدار على الحدود مع المكسيك لوقف تهريب المخدرات إلى الأراضي الأميركية، فيما أكدت كلينتون رفضها ترحيل المقيمين غير الشرعيين البالغ عددهم 11 مليون شخص، مشيرة إلى أنها «لا تريد تمزيق العائلات»، وأن المهاجرين غير الشرعيين مفيدون لاقتصاد البلاد ويدفعون ضرائب أحياناً أكثر من ترامب.
Leave a Reply