وقع ما لم يكن بالحسبان حيث أمر الرئيس التلفزيوني المارق الطائش دونالد ترامب بالاعتداء على سوريا عبر إطلاق أكثر من 50 صاروخ «توماهوك» ضد قاعدة عسكرية سورية فجر الجمعة ادَّعى أنَّ الهجوم الكيميائي على مدينة خان شيخون في إدلب انطلق منها، وذلك في أسرع رد فعل عسكري تقوم به أميركا ضد أهداف خارجية وعلى طريقة قراراته التنفيذية الانفعالية وغير المدروسة حيث قيل لنا أنَّه تأثر كثيراً بصور أطفال سوريا بينما لم يهمُّه أطفال اليمن الشهداء الذين يقتلهم بني سعود يومياً بدعم من أميركا وفرنسا وبريطانيا، ولا أطفال غزَّة العراق والبحرين ولا مصير اللاجئين السوريِّين الذين أوصد باب أميركا في وجوههم.
والذي يزيد من الشكوك حول «إنسانية» ترامب، والغرب بشكل عام خصوصاً «الملطوش» الفرنسي هولاند الذي أجرَتْ دولته الاستعمارية تجارب نووية ضد الجزائريين. حتَّى قاتل أطفال فلسطين نتنياهو تأثر بمشهد أطفال سوريا، وإنّ سلفه في البيت الأبيض كاد يقوم بنفس التهوُّر العسكري وكان الزعم بنطاق الهجوم الكيميائي أكبر من اليوم، لولا اكتشافه للمعلومات المغلوطة التي زودته بها إسرائيل وبعض أجهزته الأمنية وذلك من أجل منع تحقيق انتصارات الجيش السوري وحلفائه في صيف 2013، كما يحصل اليوم وكأن التاريخ يعيد نفسه!
لقد اعتمد ترامب على منظمة «الخوذات البيضاء» الخائنة المؤيدة للدواعش والمعروفة التمويل الغربي والنفطي، لكي يشن حربه العدائية. فالهجوم الكيميائي هو العنصر الوحيد الذي يشوِّش على فوز الجيش السوري وعلى صده لهجمات الإرهابيين وعلى انتصاره السياسي حيث منذ يومين فقط أعلن ترامب وأوروبا أنَّ مصير الرئيس الأسد يقرره شعبه وأنَّ إزاحته ليست من الأولويات بل الارهاب الداعشي. لقد نفع نفوذ اللوبي الاسرائيلي ومليارات محمد بن سلمان في تغيير تفكير ترامب الَّذِي كان قد أعلن أنَّ الأسد وإيران وروسيا هم الذين يحاربون الدواعش الذين خلقهم أوباما.
إذاً ترامب قرر خوض معركة إسرائيل، حليفة التكفيريِّين الذين لا يمنع أن تكون هي مَن أمدتهم بالأسلحة الكيميائية التي تملك منها الأطنان أومن حليفتهم تركيا ودول الخليج. فإسرائيل تقلَّصَت خياراتها في سوريا بعد الاعتداء الأخير على تدمر والرد السوري بإسقاط طائرة لها وخوفها من وقوع حرب شاملة مع المقاومة في لبنان. لكن، معركة ترامب فاشلة حتماً لأنه غير مهيأ أصلاً لها وصفة «القائد العام للقوات المسلَّحة» مبهبطة عليه كثيراً بدليل أدائه الخطابي الضعيف عند إعلان الإعتداء على سوريا. فهو ليس رئيس حرب ولا يريد رئاسة العالم وشن الحروب المكلِفة، ولن يكون نَفَسُه طويلاً لأنه قليل الصبر، والانتباه أو التركيز عنده أقل من حجم تغريدات تويتر. قد يكون ترامب بحاجة لهذا العمل العسكري لكي يضرب عدة عصافير بحجر واحد منها البرهان على انه رئيس الفعل لا القول، ومنها لكي يغطي على عجزه في الداخل ويشحذ همم مناصريه بعد سقوط شنيع لشعبيته. لكن هذا العمل قد يزيده تهوراً فيدق باب كوريا الشمالية النووية ممَّا قد يتسبب بكوارث عالمية.
إلا أن الظاهر من العدوان الأميركي انه لتوجيه رسالة ما وضربة محدودة لكنها قد تفضي الى حرب شاملة وتخلط الأوراق في المنطقة أو تُجبِر الجبارين على اجتراح حل نهائي للأزمة السوريَّة تنهي جذور الإرهاب تماماً. والدليل على ذلك هو تسريب خبر بأنَّ الروس أُبلغوا بزمان ومكان العدوان وهو مطار حربي صغير قد يكون مهجوراً! ومن الحماقة الافتراض بأنَّ الروس لن يبلغوا بدورهم حلفاءهم بما يعرفون. كما أنَّ العدوان لن يغير في المعادلات العسكرية للجيش السوري على الأرض ولن يوقف هروب الدواعش الوهابيين من العراق واستئصال شوكتهم واقتلاعهم من كل الأراضي السوريَّة.
في السابق تمكَّن الرئيس الروسي بوتين من إنزال حمار أوباما من المئذنة لكن كان ذلك من دون وجود لموسكو في سوريا كما هو الآن بكامل عتاده الحربي المتطور، فهل يكرر بوتين الحل مجدَّداً من البيت الأبيض؟
Leave a Reply