واشنطن – في خطابه السنوي الأول أمام الكونغرس الأميركي، أعاد الرئيس دونالد ترامب، الثلاثاء الماضي، التشديد على تطبيق شعاراته الانتخابية والمضي قدماً في مشاريعه الطموحة لإنعاش الاقتصاد وإعادة بناء الجيش وتوفير تريليون دولار لإصلاح البنية التحتية المتهالكة في أنحاء البلاد، داعياً الديمقراطيين للتعاون في مشاريع إصلاح نظام الهجرة والتخلص من قانون «أوباماكير» للرعاية الصحية، مكرراً تعهده بـ«تدمير داعش ومحوه عن وجه الأرض».
ورغم تطابقه من حيث المضمون مع خطاباته السابقة، قوبل خطاب ترامب أمام الكونغرس بلهجة تصالحية غير مسبوقة من قبل وسائل الإعلام، التي أشارت إلى أن الرئيس الـ٤٥ للبلاد «نجح في قلب صورته رأساً على عقب» بخطابه مساء الثلاثاء الماضي، مع الثناء على نبرته «الهادئة» و«غير التصادمية».
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن ترامب لعب دور «الاستعراضي البارع» الذي اقتنص لحظة مناسبة لتغيير نبرته، بعد تعثرات الأسابيع الخمسة الأولى، وغيّر أسلوبه في مخاطبة الأميركيين عموماً، وخصومه الديموقراطيين خصوصاً.
وبحسب الصحيفة المناهضة لرئاسة ترامب، غابت عن الخطاب لهجة التحدي والشعبوية التي رافقت حملته الانتخابية وخطاب التنصيب، على رغم التمسك بالخطط ذاتها، مع دعوة الديمقراطيين للتعاون معه لتحقيق أجندته الطموحة جداً.
وقد بدأ ترامب خطابه بإدانة خطاب الكراهية، مندداً بالتهديدات المتصاعدة ضد المراكز اليهودية في البلاد وعمليات التخريب التي تعرضت لها مقابر يهودية، إلى جانب مقتل اثنين من الهنود في كنساس.
وتوجه ترامب إلى أعضاء الكونغرس بالقول إن الولايات المتحدة «ستعمل بدفع من الطموح ولن تكون مقيدة بالخوف وبلحظات الفشل الماضية» داعياً المواطنين الأميركيين إلى «تقبّل تجديد روح أميركا» مضيفاً: «أطالب جميع أعضاء الكونغرس بمشاركتي في الحلم الكبير والجريء.. أطالب الجميع باستغلال الفرصة والإيمان بأنفسهم وبالمستقبل، والأهم.. بأميركا».
وأشار ترامب إلى تضرر بلاده نتيجة سياسة الحدود المفتوحة التي ساعدت في تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية. في الوقت ذاته، طُرحت تساؤلات عن كيفية تمويل أجندته الداخلية الضخمة من بناء جسور والتخلص من خطة الضمان الصحي وزيادة الموازنة الدفاعية، ومدى قدرته على كسب تعاون الديمقراطيين لتمرير قوانين لازمة لخطته.
ونوه بالروابط مع إسرائيل، وقال إنه يدعم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والأواصر العميقة مع الشركاء خلال الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة.
محو داعش
وقال الرئيس الأميركي: «سنعمل مع حلفائنا في العالم الإسلامي لاجتثاث داعش والإرهاب من على وجه الأرض». وتحدث عن رؤيته إلى العلاقات التي تربط أميركا بحلفائها، مبدياً استعداده للبحث عن شركاء جدد في العالم، قاصداً روسيا من دون أن يسميها.
وفي السياق نفسه، ذكّر ترامب أنه طلب من وزارة الدفاع إعداد خطة لتدمير داعش، واصفاً التنظيم بـ«الشبكة الهمجية التي تذبح المسلمين والمسيحيين»، وتابع «سنعمل مع حلفائنا في العالم الإسلامي لإزالة داعش والإرهاب».
وعن العمليّة العسكرية الخاصة التي قامت بها القوات الأميركية مؤخّراً في اليمن، قال ترامب «عمليّتنا ضد القاعدة في اليمن كانت ناجحة ومكّنتنا من الحصول على معلومات مهمّة للغاية».
وحض ترامب شركاء أميركا سواء في «الناتو» أو الشرق أوسطيين أو الآسيويين، على «الوفاء بالتزاماتهم»، عبر دفع مساهماتهم العادلة في تمويل العمليات العسكرية والاستراتيجية، أو لعب دور في تلك العمليات. وقال: «نتوقع بذل المزيد من الجهود في مجال التعاون العسكري».
وأكد ترامب أن الولايات المتحدة ستحترم المؤسسات التاريخية، لكنها أيضاً ستحترم سيادة الدول، مشيراً إلى أن بلاده تسعى إلى شراكات وصداقات مع العالم، ولا تريد إشعال حروب. واستخدم عبارة «التطرف الإرهابي الإسلامي»، على عكس توصية مستشاره الجديد للأمن القومي الجنرال هربرت ماكماستر، الذي كان دعا إلى عبارة «التطرف العنيف».
إصلاح البنية التحتية
وفي حين أكّد أنّ القيادة الأميركية تدعم بقوّة حلف الناتو، حث ترامب حلفاء بلاده في الناتو والشرق الأوسط على «القيام بمساهمات ماليّة مباشرة». وقال «أنفقت أميركا حوالي ستة تريليونات دولار في الشرق الأوسط فيما بنيتنا التحتيّة تتهاوى».
وأضاف ترامب أن البنية التحتية العتيقة في البلاد سيتم تطويرها واستبدالها بطرق وجسور وأنفاق ومطارات وشبكات سكك حديدية جديدة في جميع أنحاء البلاد، مشيراً إلى أنه قد حان الوقت لإطلاق برنامج وطني لإعادة بناء أميركا.
وأكد ترامب على أن هذه الخطة لتطوير البنية التحتية سوف يصحبها توفير ملايين الوظائف الجديدة، وعلى ما يبدو، فقد جذبت دعما من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس.
وأوضح ترامب أن الرئيس أيزنهاور كان آخر رئيس يطلق برنامجاً شاملاً لتطوير البنية التحتية لأميركا عبر إنشاء شبكة الطرق السريعة العابرة للولايات، ولفت ترامب إلى أن الولايات المتحدة أنفقت ستة تريليونات دولار في الشرق الأوسط بدلاً من تطوير بنيتها التحتية.
التخلص من أوباماكير
وواصل ترامب هجومه على برنامج «أوباماكير»، داعياً الكونغرس إلى إلغاء هذا البرنامج واستبداله، وتابع «لا يجب أن نفرض الخطة الصحية على الأميركيين من جانب حكومتنا».
واعتبر ترامب أنه حان الوقد لمنح الأميركيين حرّية شراء الرعاية الصحّية عبر الولايات، ورأى أنّ هذا الأمر سيخلق سوقاً تنفاسيّة يخفض الأسعار ويقدّم رعاية أفضل.
ووعد ترامب الشعب الأميركي بأن يتم «تنقيح كل العقود الحكومية»، وذلك بهدف توفير مليارات الدولارات بحسب تعبيره، مشيراً إلى أنه أمر وزارة العدل بتشكيل فرقة عمل لتخفيض الجريمة، كما أمر وزارتَيْ الأمن الداخلي والخارجية بتفكيك الشبكات الإجرامية في البلاد.
ولفت الرئيس الأميركي إلى أنّ معدّل الجريمة عام 2015 شهد ارتفاعاً غير مسبوق في الولايات المتحدة، وعقّب قائلاً «هذا غير مقبول، ولكسر دائرة الفقر لا بدّ من كسر دائرة الجريمة».
تطبيق الوعود الانتخابية
وبينما رأى ترامب أنّ اتفاقية «نافتا» جعلت الولايات المتحدة تخسر ما يصل إلى ربع وظائف التصنيع، أكد أنه سيتم رفع الأجور وزيادة فرص العمل.
وفي سياق متّصل، أعلن ترامب أنه ستكون هناك إعفاءات ضريبية ضخمة للطبقة الوسطى، مضيفاً «لا بدّ من خلق فرص متساوية للشركات». وتابع «يجب أن تكون التجارة الحرّة نزيهة ومنصفة»، واعداً بإصلاح نظام الهجرة وإعادة الوظائف للبلاد.
وبشأن الجدار الذي وعد ببنائه على الحدود مع المكسيك، قال ترامب «سنبدأ قريباً ببناء جدارٍ على الحدود الجنوبية».
أما عن العلاقة مع إيران، قال ترامب «فرضت عقوبات على إيران بسبب برنامجها الصاروخي»، وأضاف «فرضنا عقوبات أيضاً على الأفراد والمجموعات التي تساعد على تطوير برامج الصواريخ الإيرانية». بالمقابل، أكد الرئيس الأميركي على العلاقة «التي لا تنفصل مع إسرائيل».
وشدّد ترامب على أنّه لن يسمح لأخطاء العقود الماضية بأن تحدّد مستقبل بلاده، وتابع «جيشنا سيُمنح الموارد التي يستحقّها، والبنية التحتية المتداعية سنعيد بناءها وسنحارب تهريب المخدّرات». وأضاف «سأرسل إلى الكونغرس ميزانيّة تعيد بناء الجيش وتدعو إلى واحدة من أكبر الزيادات للموازنة الدفاعية في تاريخ أميركا، كما تزيد من تعويضات المحاربين القدامى».
وذكّر ترامب بأن انتخابه دفع شركات كبرى مثل «فورد» و«سبرنت» و«سوفت بنك» للاستثمار بشكل كبير في أميركا عبر ضح مليارات الدولارات، كما ذكر أن الأسهم في البورصات الأميركية رفعت قيمتها بقرابة ثلاثة تريليونات دولار.
ورغم تأكيد ترامب على أن سياسته الخارجية ستقوم على أساس مبدأ «أميركا أولاً» إلا أنه شدد على دعمه لحلف الناتو، وإن كان قد طالب سائر أعضاء الحلف بدفع التزاماتها المالية قائلاً: «أنا لست رئيس العالم. أنا رئيس أميركا. ولكننا نعرف أن أميركا تكون بوضع أفضل كلما تراجعت الحروب والصراعات في العالم».
استطلاع «سي أن أن»
أظهر استطلاع رأي أجرته شبكة «سي أن أن» بالتعاون مع معهد «أو آر سي» أن خطاب الرئيس دونالد ترامب في الكونغرس الثلاثاء الماضي ترك أثراً إيجابياً لدى المشاهدين الأميركيين.
وتبين من استطلاع رأي عينة مؤلفة من 509 أميركيين أن الخطاب حظي بـ«رد فعل إيجابي» لدى 57 بالمئة منهم.
ورأى سبعة من أصل كل 10 أن سياسات ترامب ستقود البلاد في الطريق الصحيح. كما قال ثلثا المشاهدين إن الرئيس عبر في خطابه عن «الأولويات الصحيحة للبلاد».
وبخصوص السياسات التي اقترحها الرئيس في خطابه، وافق 72 بالمئة من المشاهدين على مقترحاته الاقتصادية، و70 بالمئة على سياساته المعنية بمكافحة الإرهاب، و64 بالمئة على ما طرحه بخصوص الضرائب، و62 بالمئة على سياساته للهجرة، و61 بالمئة على سياساته حول الرعاية الصحية.
يقترح نظاماً جديداً للهجرة
إقترح الرئيس دونالد ترامب الثلاثاء الماضي أمام الكونغرس نظاما جديدا للهجرة مبنيا «على أساس الجدارة»، وأعطى كمثال على ذلك دولا تطبقه مثل كندا وأستراليا، مهاجما المهاجرين غير الشرعيين بشدة.
وقال ترامب إنه يريد أن يتخلى عن النظام الحالي للمهاجرين، وأن يتبنى مكانه نظاما مبنيا على أساس الجدارة، التي ستسمح بحسب رأيه «بتوفير الكثير من المال».
وأوضح ترامب في أول خطاب له حول السياسة العامة أمام الكونغرس بمجلسيه أن «أولئك الذين يريدون الدخول إلى أي بلد، يجب أن يكونوا قادرين على إعالة أنفسهم مالياً. ومع ذلك، نحن في أميركا لا نفرض هذه القاعدة، الأمر الذي يستنزف الموارد العامة التي يعتمد عليها الأفقر بين مواطنينا».
وأبدى الرئيس الأميركي عزمه على محاربة الهجرة غير الشرعية التي ربطها بالجريمة في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنه أمر بإنشاء مكتب خاص لضحايا جرائم الهجرة باسم «فويس». وكرم ترامب أميركيين وجهت إليهم الدعوة لحضور خطابه، هم أقارب أشخاص قتلوا بأيدي مهاجرين غير شرعيين كانت لديهم سوابق جنائية.
Leave a Reply