ديترويت، وورن – «صدى الوطن»
حل المرشحان الرئاسيان هيلاري كلينتون ودونالد ترامب ضيفين على ديترويت خلال الأسبوع الماضي، في إشارة واضحة إلى أهمية المنطقة ورمزيتها في خضم السباق الانتخابي المحتدم الى البيت الأبيض، لاسيما وأن ميشيغن تعد من الولايات المتأرجحة بعد الفوز الكبير الذي حققه قطب العقارات النيويوركي في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين التي عقدت في الثامن من آذار (مارس) الماضي، وقد مال الديمقراطيون حينها لصالح السناتور بيرني ساندرز بفارق بسيط عن كلينتون.
وأمام زهاء ألفي شخص احتشدوا في إحدى قاعات مركز «كوبو» في وسط ديترويت، ألقى ترامب الاثنين الماضي خطابه الأكثر تفصيلاً حول خطته للنهوض باقتصاد الولايات المتحدة، حيث أكد أن العودة الى سياسة «أميركا أولاً» ستكون كفيلة بإنهاض المدن الأميركية وإعادتها الى سابق مجدها عبر خلق الوظائف الجديدة في البلاد.
غير أن المرشحة الديمقراطية ردت سريعاً على خطاب ترامب في كلمة ألقتها من مصنع في مدينة وورن، ضاحية ديترويت الشمالية، حيث وصفته بأنه خطاب متشائم يصوّر أميركا على أنها باتت واحدة من دول العالم الثالث.
ترامب
وفي كلمته أمام أعضاء «نادي ديترويت الاقتصادي» قدم ترامب برنامجه الاقتصادي الذي يقوم على خلق فرص العمل الجديدة عبر تخفيض الضرائب على الشركات من 35 الى 15 بالمئة، وإلغاء القيود التنظيمية التي تعرقل النمو التجاري، متعهداً بإعادة كتابة جميع الاتفاقيات التجارية التي وقعتها الولايات المتحدة في السنوات الماضية والتي أسفرت عن نزيف حاد في الوظائف الصناعية بأميركا، ونزوح الشركات الى الخارج ونقل مصانعها الى بلدان أخرى كالصين وفيتنام والمكسيك.
وقد قاطع العديد من المحتجين الكلمة التي ألقاها ترامب في مدينة ديترويت التي اختارتها حملته لنقل التركيز نحو القضايا الاقتصادية التي ينظر إليها على أنها نقطة قوته، وذلك بعد أسبوع عصيب مر على الحملة بسبب السجال مع والدي ضابط أميركي مسلم لقي مصرعه في العراق عام 2004. وعدل ترامب اقتراحه بشأن ضرائب الدخل الفردي التي قسمها الى ثلاثة أجزاء: 12 بالمئة ضريبة على محدودي الدخل و25 على الطبقة الوسطى و33 بالمئة على الأثرياء، مشيراً الى أن الحكومة الفدرالية تنفق حوالي تسعة مليارات دولار سنوياً لتطبيق نظام الضرائب الحالي الذي وصفه بالمعقّد.
وفي كلمته هاجم ترامب منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، وقال إن مدينة ديترويت هي «المثال الحي على فشل أجندة منافستي الاقتصادية» بسبب مستويات الفقر والجريمة مؤكداً أن كلينتون هي «مرشحة الماضي، وحملتنا هي حملة المستقبل».
وقال ترامب «في مدينة ديترويت تبدأ قصتنا، ديترويت كانت في الماضي تثير حسد العالم اقتصادياً أيامَ كانت تحكُمنا سياسة أميركا أولاً.. كانت ديترويت مزدهرة لكن بالنسبة للسكان اليوم هذا الحلم تبخر منذ أن تخلينا عن سياسة أميركا أولاً ورحنا نبني بلداناً أخرى عوضاً عن بناء بلدنا.. ناطحات السحاب نهضت في بكين فيما انهارت المصانع والأحياء في ديترويت».
وكلمة ترامب في ديترويت هي الأولى له التي تركز على الاقتصاد منذ إعلانه تشكيل فريق من المستشارين الاقتصاديين يضم 13 عضوا الأسبوع الماضي.
وقال أحد مسؤولي حملة ترامب إن خطته الاقتصادية ستخفف الأعباء الضريبية عن الأسر التي تتحمل تكلفة رعاية طفل «لأننا لا نريد أن يكون ثمة عائق اقتصادي أمام إنجاب أطفال» مشيراً الى أنه سيتم إعفاء الأسر من الضرائب عن الأموال التي تنفق على رعاية الأطفال، بحسب برنامج ترامب الانتخابي.
وأضاف المستشار أن ترامب يقترح حماية أكبر للملكية الفكرية في الولايات المتحدة وحظر مؤقت على إصدار أي لوائح تنظيمية جديدة.
كما عبر ترامب عن معارضته لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (تي بي بي)، وتعهد بالغاء اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، واستبدال نظام الرعاية الصحية الحالي (أوباماكير) بنظام صحي أفضل منه مع الحرص على الابقاء على التأمين الصحي للفقراء.
وقال ترامب إن ميشيغن كانت تحتوي 285 ألف وظيفة في مصانع السيارات قبل توقيع اتفاقيات التجارة الحرة، أما اليوم فقد انخفض عدد العمال الى 160 ألفاً فقط.
طرد المحتجين
وقد طرد العديد من المحتجين الذين حاولوا مقاطعة خطاب ترامب من داخل قاعة المؤتمر في مركز «كوبو» وسط ديترويت. وفيما كان المرشح الجمهوري يقدم رؤيته الاقتصادية تم طرد ما لا يقل عن 14 شخصاً معظمهم من النساء اللواتي قاطعن ترامب مراراً، فيما أكد ممثلون عن نادي ديترويت الاقتصادي بأن المحتجين دخلوا القاعة تحت غطاء واحد. وقالت رئيسة النادي بيث شابيل إن «شاباً مضللاً يبلغ من العمر 23 عاماً قام بشراء عضوية النادي بطريقة احتيالية ودعا مجموعة من النساء للقيام بعمله الدنيء». وأضافت شابيل بأنه تمت مراجعة العضويات الجديدة قبل عشرين يوم من خطاب ترامب وكان من الصعب معرفة نوايا هذا الشاب الذي تمكن من شراء عضويته تحت اسم شركة مرموقة.
وتوالت النساء اللواتي حضرن بدعوة من الناشط راين بايتس، على مقاطعة خطاب ترامب مراراً، وكانت بينهم الناشطة العربية الأميركية رشيدة طليب التي كانت تشغل عضوية مجلس نواب ولاية ميشيغن عن الحزب الديمقراطي.
وظل ترامب هادئاً عند مقاطعته ولفت ساخراً في إحدى المرات الى أن المحتجين المؤيدين للسناتور بيرني ساندرز كانوا أكثر حيوية من مناصري كلينتون.
كلينتون ترد
وفي كلمتها أمام عمال مصنع «فيوتشراميك» في مدينة وورن، يوم الخميس الماضي، قدمت كلينتون صورة أكثر وردية عن مستقبل الولايات المتحدة وقالت إن الحلول التي قدمها ترامب للتحديات الاقتصادية ليست ذات مصداقية وإن «مستقبل أميركا الزاهر لا يزال أمامنا».
وانتقدت كلينتون مقترحات ترامب، بالقول إنها لا تساعد الاقتصاد الأميركي وليست في صالح غالبية الشعب الأميركي.
وقالت كلينتون «هناك اسطورة مفادها انه (ترامب) سيستهدف الاثرياء والاقوياء لانه سيكون المدافع عن الفقراء. لا تصدقوا كلمة من ذلك».
وأضافت ان ترامب «سيمنح هدايا ضريبية بالاف مليارات الدولارات للشركات الكبيرة والاثرياء ومن يديرون وول ستريت»، معتبرة ان خطته «أعدت للاثرياء مثله».
لكن المرشحة الديمقراطية تعلم بان موقفها ضعيف وخصوصاً في المناطق الصناعية القديمة انطلاقا من موقفها حيال اتفاقيات التبادل الحر. وكان زوجها بيل وقع اتفاقية «نافتا» في اميركا الشمالية عام 1993 والتي تثير استياء كبيرا في الولايات الصناعية (الغرب الأوسط).
غير أن كلينتون تبنت في خطابها الأخير لهجة شديدة حيال البلدان التي «تحاول استغلال الشركات والعمال الاميركيين»، لافتة خصوصاً الى الصين التي تقوم بالتلاعب بقيمة عملتها، مما يجعل من المستحيل على الشركات الأميركية منافسة نظيراتها هناك، بحسب ترامب.
وقالت كلينتون «حين تنتهك بلدان، القواعد، لن نتردد في فرض تعرفات جمركية محددة الهدف».
وبالنسبة الى الشراكة عبر المحيط الهادىء اوردت «انا اعارضها اليوم، ساعارضها بعد الانتخابات وبوصفي رئيسة» رغم أنها كانت داعمة لها في مرحلة المفاوضات التي أجراها الرئيس باراك أوباما مع ١١ دولة.
من جهته، كرر ترامب، الخميس الماضي ان الاتفاق المذكور هو «اسوأ اتفاق تجاري يمكن ان يوقعه بلد في العالم».
ويقول منتقدو برنامج ترامب الاقتصادي إنه قائم على زيادة النفقات وإعفاءات ضريبية، وهو ما سيجعل العجز الفدرالي يصل إلى مستويات عالية جداً.
وشهدت مدينة وورن احتجاجات من السكان ضد زيارة كلينتون مطالبين بمحاكمتها بسبب فضيحة البريد الالكتروني الخاص الذي استخدمته إبان عملها كوزيرة للخارجية الأميركية.
تقدم كلينتون
وأظهر استطلاع جديد للرأي نشر الأحد الماضي في الولايات المتحدة تقدما بثماني نقاط للمرشحة الديموراطية على منافسها الجمهوري.
وحسب الاستطلاع الذي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «أي بي سي» بين الأول والرابع من هذا الشهر، فإن كلينتون حظيت بـ50 بالمئة من نوايا التصويت مقابل 42 بالمئة لترامب.
ويؤكد هذا الاستطلاع نتائج استطلاعات سابقة أجرتها مؤسسات إعلامية وبحثية أميركية الأسبوع الماضي، أظهرت تقدماً ملحوظاً للمرشحة الديمقراطية.
وفي ميشيغن، وسعت كلينتون الفارق مع منافسها الى ١١ نقطة بحسب استطلاع أجرته مؤسسة «أبيك» أم أر أي» لصالح صحيفة «فري برس» والقناة السابعة المحلية (أي بي سي). وقد حازت كلينتون 43 بالمئة من الأصوات مقابل 32 بالمئة لترامب و8 بالمئة لمرشح الحزب اللبيرالي غاري جونسون و3 بالمئة لمرشح حزب الخضر ستيل ستاين و14 بالمئة غير مقررين ضمن سباق رباعي، بينما حازت كلينتون في سباق ثنائي 46 بالمئة من الأصوات في مقابل 36 بالمئة لمنافسها ترامب و17 بالمئة غير مقررين.
Leave a Reply