هاريس تقرّ بالهزيمة وتتعهد مع بايدن بانتقال سلس للسلطة
واشنطن
سيعود الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل، مدعوماً بأغلبية تشريعية في الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، وأغلبية شعبية جارفة تجلت بتفوقه الكبير على منافسته الديمقراطية، ليس بأصوات المجمع الانتخابي فحسب، وإنما أيضاً بملايين أصوات الناخبين في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
ولو قيل هذا الكلام قبل إغلاق صناديق الاقتراع، يوم الثلاثاء الماضي، لكان وُصف صاحبه بالجنون، نظراً لاستطلاعات الرأي وآراء الخبراء والمحللين، التي كادت أن تجزم بفوز نائبة الرئيس كامالا هاريس. غير أن التسونامي الأحمر الذي نجح ترامب في قيادته عبر صناديق الاقتراع، سرعان ما قلب الصورة رأساً على عقب واجتاح الولايات المتأرجحة واحدة تلو الأخرى، بما فيها ولايات «الجدار الأزرق»، ومنها ميشيغن التي كان للصوت العربي الأميركي فيها دور حاسم في ترجيح كفة الرئيس السابق.
وبعد تجاوز عتبة الـ270 صوتاً في المجمع الانتخابي، أصبح ترامب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، مسجلاً سابقة تاريخية بفوزه بولايتين غير متعاقبتين، وهو إنجاز لم يتحقق منذ أكثر من قرن.
وفي خطاب النصر من ولاية فلوريدا، عبّر ترامب عن فخره بهذا «الانتصار التاريخي والسياسي»، مشيراً إلى أنه يمثل «فوزاً لم تشهده الولايات المتحدة من قبل».
وأضاف: «لقد صنعنا التاريخ الليلة، وأميركا منحتنا تفويضاً غير مسبوق»، مؤكداً عزمه على العمل الجاد لمساعدة الأمة على التعافي والنهوض من جديد، مع التزامه بخدمة جميع الأميركيين. كما تعهّد، مجدداً، بإصلاح الحدود وتخفيض الضرائب وتحسين الاقتصاد، مكرّراً أنّه «لا يريد بدء الحروب بل إنهاءها».
كما عبّر دونالد ترامب عن ثقته بتحقيق النصر الكامل في ولايات كانت لم تُحسم بعد، مرجعاً انتصاره العريض إلى بناء تحالفات واسعة شملت مختلف أطياف المجتمع الأميركي، خاصّاً بالذكر العرب والمسلمين وغيرهم.
ومع إعداد هذا التقرير كان عدّاد الأصوات الشعبية التي جمعها ترامب قد تجاوز 73.4 مليون صوت، مقابل حوالي 69 مليوناً لهاريس، علماً بأن ترامب كان قد نال 74.2 مليون صوت في انتخابات 2020، لكن ذلك لم يكن كافياً أمام الرقم القياسي الذي حقّقه بايدن آنذاك، بتجاوزه 81.3 مليون صوت.
وبانتظار صدور النتائج النهائية لولايتي أريزونا ونيفادا، بلغ رصيد ترامب من أصوات المجمع الانتخابي 292 صوتاً مقابل 226 لهاريس التي تلقت هزيمة «مدوية إلى حد الإذلال»، بحسب المراقبين. وفي حال فوزه المرجح بولايتي أريزونا (11 صوتاً) ونيفادا (6 أصوات)، قد يرتفع رصيد ترامب إلى 309 أصوات، علماً بأن الحد المطلوب هو 270. كما أنه بذلك، يكون قد فاز بجميع الولايات السبع المتأرجحة، التي تساقطت واحدة تلو الأخرى، ابتداء من نورث كارولاينا، التي سرعان ما تلتها جورجيا ثم بنسلفانيا وويسكونسن وميشيغن التي حسمت في اليوم التالي للانتخابات.
وفور صدور النتيجة، قدّر العديد من المراقبين أنّ سبب خسارة هاريس هو «الشرخ» الذي حصل في أوساط المجموعات العرقية والعمرية التي كانت تساهم، عادة، في وصول المرشح الديمقراطي إلى الرئاسة، جنباً إلى جنب المخاوف الاقتصادية، ووجود رغبة في أوساط المواطنين الأميركيين في حصول تغيير ما، بعد خيبتهم من أداء الإدارة الديمقراطية في السنوات الأربع الماضية. وطبقاً لاستطلاع واسع أجرته وكالة «أسوشيتد برس»، فقد قوّضت الحرب الدائرة في الشرق الأوسط آمال الديمقراطيين في حشد الدعم بين الناخبين الشباب، وهي فئة ديموغرافية ذات ميول ديمقراطية، إنّما معروفة أيضاً بأنها «متقلّبة»، علماً أنّ تعبئة الشباب أتاحت فوز بايدن، عام 2020، في ولايات متأرجحة رئيسية مثل بنسلفانيا.
وكان عدد من الديمقراطيين خرجوا، سريعاً، عن صمتهم في أعقاب خسارة هاريس، محمّلين بايدن، وعدم نجاح نائبته في «فصل» نفسها عن ولايته، مسؤولية الخسارة العريضة للديمقراطيين. وفي السياق، نقلت صحيفة «بوليتيكو» عن مستشارين في حملة هاريس قولهم إنّ الأخيرة فشلت في «دفن شبح بايدن» بشكل كافٍ، ما أعاق قدرتها على بيع الناخبين فكرة أنّها قادرة على «طي صفحة» عهده الذي شهد العديد من الأزمات المتلاحقة، مثل تدفق الهجرة غير الشرعية والتضخم وارتفاع الأسعار فضلاً عن الحروب المشتعلة في أوكرانيا والسودان وغزة ولبنان.
وبالحديث عن دلالات التصويت، تفاوتت التعليقات بين مَن ربطها برفض المجتمع الأميركي تولّي امرأة للرئاسة، ومن عزاها إلى الانسحاب المتأخر لبايدن من السباق الرئاسي، والذي لم يتح الفرصة لهاريس لتسويق نفسها كما يجب.
خطاب النصر
في منتجع مارالاغو في فلوريدا، ألقى ترامب –محاطاً بأقاربه وأصدقائه المقربين– خطاب النصر «التاريخي» متعهداً بأن يضع البلاد على الطريق الصحيح لتعيش «عصرها الذهبي».
وبدأ الرئيس السابق خطابه، معلناً أنه بات يحمل الآن لقبين، الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، والآن، أصبح رئيسها السابع والأربعين.
وفي إشارة إلى محاولة اغتياله خلال مهرجان انتخابي في بنسلفانيا الصيف الماضي، قال ترامب أن «الله أنقذ حياته لسبب ما، والسبب هو إنقاذ بلدنا واستعادة عظمة أميركا. والآن سنحقق هذه المهمة معاً».
وأضاف: «المهمة التي تنتظرنا لن تكون سهلة، لكنني سأبذل كل ذرة من الطاقة والروح والقتال في روحي في الوظيفة التي أوكلتموها إلي».
كما لفت ترامب إلى أن الإقبال من جميع مكونات الشعب الأميركي كان مذهلاً، فقد اشترك النقابيون وغير النقابيين، والأفارقة الأميركيون والآسيويون الأميركيون والعرب الأميركيون والمسلمون الأميركيون… كان معنا الجميع.. لقد كان الأمر أشبه بإعادة تنظيم تاريخية، توحد المواطنين من جميع الخلفيات حول جوهر مشترك من الفطرة السليمة».
وقال ترامب إنه سيقوم بإغلاق حدود البلاد الجنوبية على الفور، لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
وفي إشارة إلى حروب أوكرانيا وإسرائيل، قال ترامب، «لن أبدأ حرباً، بل سأنهيها جميعها»، كما تعهد بتخفيض الضرائب الفدرالية وتعيين روبرت أف كينيدي جونيور، وهو من المعارضين للقاح وإضافة الفلورايد للماء، سيتولى إدارة الملفات الصحية. وقال: «إنه يريد القيام ببعض الأشياء، وسنسمح له بذلك».
وعلى نحو غير معتاد بالنسبة لترامب، وعد في خطابه بالوحدة، وأنه سيحكم للجميع –وهي النبرة التي غابت إلى حد كبير عن مسار الحملة الانتخابية.
في ختام خطابه توجه ترامب بالشكر لملايين الأميركيين «الذين كانوا قلب وروح هذه الحركة العظيمة»، قائلاً إن التاريخ سيذكر يوم انتخابه على أنه «اليوم الذي استعاد فيه الأميركيون السيطرة على وطنهم».
وأضاف: «سأحكم بشعار بسيط.. الوعود التي تقطع هي وعود نحافظ عليها وننفذها، لن يمنعني أي شيء من تحقيق الوعود التي قطعتها على نفسي أمامكم».
وتابع «حان الوقت لتنحية انقسامات السنوات الأربع الماضية، حان الوقت للوحدة. النجاح يجمعنا سوياً، وسنبدأ بوضع أميركا أولاً» ثم أضاف «سوياً نستطيع أن نجعل أميركا عظيمة مرة أخرى لكل الأميركيين».
وختم قائلاً: «لن أخذلكم، مستقبل أميركا سيكون أفضل».
وفي أول تعيين بإدارته الجديدة، اختار ترامب، رئيسة حملته الانتخابية، سوزي وايلز، لشغل منصب كبيرة موظفي البيت الأبيض.
وقال في بيان «لقد ساعدتني سوزي وايلز على تحقيق أحد أعظم الانتصارات السياسية في التاريخ الأميركي، مضيفاً أنها «ستواصل العمل بلا كلل لجعل أميركا عظيمة مجدداً»
وذكر الرئيس المنتخب بأن هذه السيدة الستينية ستكون أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة تتولى هذا المنصب المرموق، معتبراً إياه «شرفاً استحقته عن جدارة».
خطاب الهزيمة
في اليوم التالي للانتخابات، أقرت هاريس بالهزيمة أمام ترامب، متعهدة بانتقال سلمي للسلطة، والتعاون مع الرئيس المنتخب.
وقالت هاريس في خطاب أمام أنصارها من «جامعة هاورد» في واشنطن، إن «النتيجة لم تأت كما كنا نتمناها، لكن علينا القبول بها»، واعدة بمواصلة «النضال» من أجل القضايا التي تبنتها في حملتها.
وأضافت أنها اتصلت بالرئيس المنتخب وهنأته على الفوز في السباق الانتخابي، وأبلغته استعدادها لمساعدته في عملية انتقال السلطة».
وقالت هاريس: «لن نتخلى أبدا عن النضال من أجل الديمقراطية وسيادة القانون»، مضيفة «أننا مدينون بالولاء ليس لرئيس أو حزب ولكن للدستور».
وبينت هاريس أن «نتيجة هذه الانتخابات ليست ما أردناه، وليست ما كافحنا من أجله، وليست ما صوتنا من أجله، ولكن أنصتوا إلي عندما أقول إن نور وعد أميركا سيظل متقداً دائماً طالما أننا لا نستسلم أبداً وطالما نواصل الكفاح».
وأضافت «بينما أقر بالهزيمة في هذه الانتخابات، فأنا لا أعترف بالهزيمة في القتال الذي غذى هذه الحملة».
وكان البيت الأبيض قد قال في بيان إن الرئيس بايدن اتصل، الأربعاء الماضي، هاتفياً بترامب لتهنئته على فوزه في الانتخابات الرئاسية ولدعوته للقاء في البيت الأبيض.
وأكد بايدن، في أول كلمة له بعد إعلان نتائج الانتخابات، أن انتقال السلطة للرئيس المنتخب سيكون سلمياً.
وقال بايدن في كلمة ألقاها في البيت الأبيض، الخميس المنصرم: «سأنفذ قسمي وفي العشرين من يناير سيكون هنالك انتقال سلمي للسلطة في أميركا»، مضيفاً أنه تحدث مع ترامب وأكد له أن إدارته ستعمل مع فريقه «نحو تسليم سلمي ومنظم للسلطة».
ووصف بايدن ولايته الرئاسية بأنها «كانت تاريخية والفضل يعود للعمل الذي قمتم به أنتم»، مشيداً بنائبته هاريس التي «أدارت حملة انتخابية ألهمت الملايين»، وفق تعبيره. وتابع أنه «يجب أن نتقبل الاختيار الذي اتخذه الشعب الأميركي»، مقراً بخسارة المعركة و«لكن التجربة الأميركية يجب أن تستمر».
في المحصلة، وبعد سنوات من مغادرته البيت الأبيض، سيعود ترامب محملاً بآمال مؤيديه وإرادتهم، ليعيد صياغة المشهد الأميركي من جديد.
وهذا الفوز هو امتداد لقصة شخصية أميركية نجحت في تحقيق المعادلة الصعبة: كسب ثقة قاعدة شعبية واسعة، وتحدي النمط التقليدي للعمل السياسي.
Leave a Reply