في الوقت الذي أطلقت فيه كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً جديداً عابراً للقارات ممثلة تهديداً حقيقياً وجدياً لأمن الولايات المتحدة، بدا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشغولاً بشيء آخر، حيث شهد حسابه الشخصي على موقع «تويتر» إعادة تغريد لثلاثة مقاطع فيديو، تصوّر قيام «مسلمين» بسلوكيات وحشية من شأنها أن تؤجج العداء للإسلام وترويجه كخطر متجدد على الأمن الوطني والعالمي.
يعود تاريخ الفيديو الأول إلى العام 2013 ويظهر فيه شخص مصري يقوم بإلقاء صِبية من على سطح أحد البنايات، وقد حكم على منفذ الجريمة بالإعدام وتم تنفيذ الحكم فيه. أما الفيديو الثاني فيظهر شخصاً ملتحياً يتحدث العربية ويقوم بتحطيم تمثال للسيدة مريم العذراء، وقد نُشر على الشبكة العنكبوتية حين سيطرت «جبهة النصرة» الإرهابية على مدينة معلولا، بالقرب من العاصمة السورية دمشق في ٢٠١٥. فيما يصوّر الفيديو الثالث شخصاً يعتدي بالضرب المبرح على شاب معاق، وقد تم التعليق عليه بالقول «مهاجر مسلم يضرب صبياً هولندياً على عكازات»، وقد أكدت مصادر صحفية عديدة أنه تم تصوير الفيديو في هولندا، في أيار (مايو) الماضي، مؤكدة أن كلاً من الضحية والمهاجم ليسا مسلمين بل هولنديان ويُعتقد بانتماء المعتدي إلى إحدى الجماعات اليمينية المتطرفة.
والجدل حول التغريدات الترامبية ليس أمراً جديداً، ولا مفاجئاً، فالكثيرون في الولايات المتحدة بدأوا يتساءلون فيما إذا كان ترامب يدير حسابه الشخصي على «تويتر» فعلاً. وفي السابق، كان بعض رموز وقادة الحزب الجمهوري قد رفعوا أصواتهم حول ضرورة أن يتخلى ترامب عن «هذه العادة»، لكنهم ما لبثوا أن نفضوا أيديهم من «نجم تويتر» بعدما تأكدوا من أنه سيستمر بالتغريد للتواصل مع جمهوره، مع تأكيد البعض عن اعتقاده بأن الرئيس فخور بما ينشره على ذلك الحساب الذي يستخدمه كمنبر إعلامي منذ كان مرشحاً للرئاسة الأميركية.
وقد بادرت المسؤولة الإعلامية في البيت الأبيض سارا ساندرز إلى الدفاع عن تغريدات ترامب المعادية للمسلمين –الأربعاء الماضي– وذلك بغض النظر «عما إذا كانت الفيديوهات المنشورة صحيحة» أم لا، وأفادت أمام صحفيين أن الرئيس أعاد نشر تلك التغريدات لكي «يبدأ حواراً حول الهجرة وأمن الحدود»!
وأشارت إلى أنها لا تعرف كيف توصل الرئيس إلى تلك التغريدات، مشيرة إلى أنه «سواء أكانت تلك الفيديوهات صحيحة (أم لا)، فالتهديد (الإسلامي) حقيقي»، و«أن الرئيس الأميركي يركز على التعامل مع التهديدات الحقيقية».
وكانت الفيديوهات الثلاثة قد نشرت من قبل على حساب الكتروني يعود للبريطانية جايدا فرانسن، وهي نائبة لزعيم إحدى الجماعات اليمينية المتطرفة في المملكة المتحدة، وتدعى «بريطانيا أولاً». وقد توجهت فرانسن –التي تعترض بشدة على ما يسمى «أسلمة بريطانيا»– بإسداء الشكر للرئيس الأميركي وعبرت عن فرحها بإعادة ترامب لنشر تغريداتها القديمة، بتغريدة جديدة قالت فيها: «بارك الله ترامب.. بارك الله أميركا».
ويوم الأربعاء الماضي، وصفت متحدثة رسمية باسم رئيس الوزراء البريطانية تيريزا ماي ترامب بأنه «أخطأ» عندما قام بإعادة نشر تلك الفيديوهات المعادية للمسلمين، واصفة أن جماعة فرانسين «تسعى إلى تقسيم المجتمعات عبر استخدام السرديات المليئة بالكراهية التي تنشر الأكاذيب وتزيد التوترات».
لكن هذا التصريح لم يلق آذاناً صاغية لدى البيت الأبيض، حيث أصرت ساندرز –في مزايدة علنية على رئاسة الوزراء البريطانية– على «أن تيريزا ماي والعديد من القادة عبر العالم يعرفون أن التهديدات (الإسلامية) جدية.. فأوروبا اختبرت بنفسها ذلك التهديد».
محلياً، غرّد السيناتور غاري بيترز على حسابه على «تويتر» بالقول: «إنه من غير المقبول أن يمنح الرئيس منبراً للخطابات والمجموعات الخطيرة والبغيضة.. أنا فخور بتمثيل مجتمعات إسلامية وعربية أميركية في ميشيغن، وأنا أقف معهم ضد هذا النوع من التعصب والكراهية».
كما أصدرت السيناتور ديبي ستابينو بياناً صحفياً، جاء فيه: «إعادة تغريد ترامب لفيديوهات الكراهية غير الدقيقة ضد المسلمين هو خطأ ويقوض علاقتنا مع الحلفاء الأكثر أهمية بالنسبة لنا.. إن أثر أفعاله ينعكس في بيوتنا ومدارسنا وشركاتنا. في ميشيغن، هؤلاء المتأذون هم أصدقاؤنا ومعلمونا وأفراد عائلاتنا وزملاؤنا في العمل.. أطباؤنا وجيراننا.. وهذه الأفعال لا تمثل قيمنا الأميركية».
المفارقة.. أن الرئيس الأميركي يريد حماية الولايات المتحدة وحدودها وأمنها الوطني، من خطر الإسلام الراديكالي، ولكنه يتعامى عن الرسالة البالسيتية العابرة للقارات، التي أبرقتها بيونغيانغ، وبذلك ينطبق عليه المثل الشعبي القائل «لم يقدر على الحمار.. فتشاطر على البردعة»!
وكما يبدو جلياً أن صاحب مقولة «الإسلام يكرهنا» لن يتخلى عن عاداته بإثارة الجدل والضجيج عبر «تويتر»!
Leave a Reply