تشترط نزع سلاح المقاومة وفرض وصاية دولية على القطاع المنكوب
التقرير الأسبوعي:
في سياق أقرب إلى التهديد، طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطته لإنهاء الحرب في غزة، في ما يشبه نسخة مطوّرة من «صفقة القرن» هدفها نزع سلاح المقاومة الفلسطينية ومنح إسرائيل حق التحكم بمصير القطاع المنكوب من خلال فرض وصاية دولية يُستخدم العرب فيها كغطاء شكلي للتنفيذ.
وبينما تواصل قيادة حركة «حماس» وفصائل المقاومة الفلسطينية، دراسة خطّة ترامب الذي أمهلهم «ثلاثة أو أربعة أيام» للرد قبل إطلاق يد إسرائيل في مواصلة حرب الإبادة، رفعت واشنطن منسوب الضغوط الممارسة على الدول الوسيطة، وبالتحديد على قطر ومصر وتركيا، بهدف دفع هذه الأطراف إلى تشديد الخناق على «حماس» لحثّها على قبول الخطّة التي تشمل وعوداً بإعادة الإعمار والاستثمارات والمساعدات المالية مقابل نزع سلاح المقاومة.
ووسط تحفظ معلن من القاهرة والدوحة على «ثغرات» في طرح ترامب، تفيد التقارير الواردة من العواصم المعنية، بأن «حماس» لن ترفض الخطّة بالمطلق، بل ستسعى إلى تعديل بعض بنودها، الأمر الذي تعتبره واشنطن تهديداً لجوهرها، مؤكدة أن الهامش التفاوضي ضيّق للغاية، إن لم يكن معدوماً.
في السياق نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين أميركيين أنهم مستعدون لمناقشة طلبات حماس المحددة لتوضيحات أو تعديلات لكنهم لن يفتحوا الخطة بأكملها للنقاش.
في المقابل كشفت مصادر «حماس» لوكالات الأنباء، أن الحركة تعمل على تعديل بعض بنود خطة ترامب للسلام في قطاع غزة، وبينها بند نزع السلاح ومغادرة المقاومة القطاع. وأوضح مسؤول فلسطيني مقرّب من «حماس» لوكالة «فرانس برس» أن الحركة «تريد تعديل بعض بنود خطة ترامب مثل نزع السلاح وإبعاد كوادر من حماس والفصائل»، مشيراً إلى أن «المشاورات مكثّفة على مدار الساعة داخل قيادة الحركة في فلسطين والخارج، ومع الوسطاء».كما نقلت «رويترز» عن مصدر في «حماس»، قوله إنّ «خطّة ترامب تهدف إلى تصفية الحركة وتفرض شروطاً غير معقولة»، في حين اعتبر الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي»، زياد النخالة، في بيان، أن «الإعلان الأميركي الإسرائيلي وصفة لتفجير المنطقة»، مضيفاً أن ما جرى الإعلان عنه هو «اتفاق أميركي إسرائيلي بالكامل، يعبّر عن موقف إسرائيل، ويكرّس استمرار العدوان على الشعب الفلسطيني». وحذّر النخالة من أن «إسرائيل تحاول فرض ما عجزت عن تحقيقه بالحرب عبر الإدارة الأميركية».
تفاصيل الخطة
إذن، في محاولة متجدّدة، بالسياسة هذه المرة، لإجبار الفلسطينيين على الاستسلام، وتحقيق ما فشلت إسرائيل في تحقيقه بالحرب، أعلن ترامب، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض، الاثنين الماضي، عن «مقترح شامل» لإنهاء الحرب على قطاع غزة، يتضمّن عشرين بنداً زائداً خريطة، من شأنها إعادة صياغة الوضع السياسي والأمني والإداري في القطاع، بشكل جذري.
وترتبط الخطة الجديدة بمبادرات سبق أن أطلقها ترامب أو دفعت بها قوى دولية وإقليمية خلال السنوات الأخيرة، مركّزةً على ربط إعادة الإعمار بتصفية «حماس»، وحتى إنهاء القضية الفلسطينية.
وفي مستهلّ الخطة التي وصفها البعض بأنها طوق نجاة لنتنياهو وإسرائيل، يُشترط أن تكون غزة «منطقة خالية من الإرهاب والتطرّف»، مقابل إعادة إعمارها وفق مخطّطات دقيقة تحوي تعديلات على مواقع التجمّعات السكانية وأحجامها. كما تنصّ الوثيقة على وقف فوري للحرب، يتبعه انسحاب تدريجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي، مرتبط بمدى تنفيذ برنامج نزع سلاح المقاومة.
وتتضمن مبادرة ترامب إطلاق عملية تبادل أسرى تتضمّن الإفراج عن 1700 معتقل فلسطيني ممّن اعتُقلوا بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، بمن فيهم النساء والأطفال من أهالي القطاع، مقابل إعادة جميع الأسرى الإسرائيليين، أحياءً وأمواتاً، وفق معادلة تبادل رفات محدّدة أيضاً. ويشتمل التبادل أيضاً على إطلاق سراح 250 أسيراً فلسطينياً محكوماً بالمؤبّد.
كما تنص الخطة التي تفتقر إلى أي ضمانات حقيقية بعدم تجدّد الحرب الإسرائيلية المفتوحة عقب استرداد الأسرى، على وقف القتال وتجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها وانسحاب إسرائيل «تدريجياً» من القطاع، لتحكمه سلطة من التكنوقراط تحت إشراف هيئة دولية بقيادة الرئيس الأميركي ومشاركة قادة دوليين، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير. وتتولّى تلك الهيئة مهمات إعادة الإعمار وإدارة التمويل إلى حين «إصلاح السلطة الفلسطينية»، والذي «قد» تتولّى الأخيرة بعده السيطرة على غزة. وتنصّ الوثيقة أيضاً على إطلاق «خطة ترامب للتنمية الاقتصادية»، التي تشمل إنشاء منطقة اقتصادية خاصة في غزة، واستقطاب استثمارات خارجية. كما يُمنح سكان القطاع حرية البقاء أو المغادرة.
وفيما لا تقدم الخطة جدولاً زمنياً واضحاً للانسحاب، في ما يشير إلى نوايا إسرائيلية لتكريس احتلال طويل الأمد تحت مسمّيات أمنيّة أو سياسية مختلفة، تمنح الخطة –في المقابل– ما تسمّيه «عفواً عاماً» عن أعضاء حركة «حماس» الذين يتخلّون عن السلاح، ويُسمح لهم بمغادرة القطاع عبر ممرّات آمنة، إذا أرادوا ذلك. كما تتعهّد واشنطن بضمان تدفّق المساعدات الإنسانية فوراً، استناداً إلى ما اتُّفق عليه في 19 كانون الثاني 2025، بإشراف «الأمم المتحدة» و«الهلال الأحمر» وهيئات دولية أخرى، مع إعادة فتح معبر رفح وفق الآليات ذاتها المنصوص عليها في الاتفاق السابق.
مواقف متباينة
في حين أكد ترامب، خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نتنياهو، أنه بات «قاب قوسين أو أدنى» من إنهاء الحرب في غزة، عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي سريعاً عن دعمه للمقترح باعتباره «يحقق أهداف إسرائيل من الحرب»، بما في ذلك إعادة جميع الرهائن، وضمان ألّا تشكل غزة تهديداً لإسرائيل مرة أخرى، حسب تعبيره.
وفي اليوم التالي للمؤتمر الصحفي، استكمل ترامب تهديده ووعيده، مشيراً إلى أنه ينتظر موافقة حركة «حماس» على خطّته، مشدّداً على أنّه «لا وجود لمجال كبير للتفاوض مع حماس». وأشار إلى أنّ الحركة «دفعت ثمناً باهظاً بمقتل قياداتها»، مضيفاً أنّ أمامها «ثلاثة أو أربعة أيام» فقط للقبول بالعرض. وتابع في تصريح إلى الصحافيين في «البيت الأبيض»: «كل الدول العربية موافقة، والدول الإسلامية موافقة، وإسرائيل موافقة. لا ننتظر سوى حماس».
وأضاف «إذا لم تقبل، فإنّ الأمر سينتهي بشكل محزن للغاية». وفي خطاب أمام اجتماع طارئ ضمّ مئات القادة العسكريين الأميركيين في قاعدة كوانتيكو بولاية فرجينيا، هدّد ترامب الحركة قائلاً: «نحن بحاجة إلى توقيع واحد فقط. إذا لم نحصل عليه فسيدفعون ثمنه في الجحيم. آمل أن يوقّعوا من أجل مصلحتهم، وأن يساهموا في بناء شيء عظيم حقّاً».
وعقب الإعلان عن مشروعه، أكّد ترامب أن الدول العربية والإسلامية ستكون مسؤولة عن التعامل مع «حماس»، وحذّر من أنه في حال رفضت الحركة الاتفاق، فإن «نتنياهو سيحصل على دعمنا الكامل للقيام بما يجب».
غير أن موقع «أكسيوس» كشف أن خطة ترامب بشأن غزة شهدت تعديلات جوهرية أدخلها نتنياهو، مما أدى إلى تغيير كبير في بنود الاتفاق الذي سبق أن وافقت عليه الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية والإسلامية. وقد أعرب مسؤولون من السعودية ومصر والأردن وتركيا عن استيائهم من هذه التعديلات.
وأوضح الموقع الأخباري أن «التغييرات جاءت نتيجة ضغوط نتنياهو»، لا سيّما لجهة شروط الانسحاب من غزة وربطها بنزع سلاح «حماس»، مبيناً أنّ القوات الإسرائيلية ستبقى ضمن «محيط أمني» في غزة حتى إشعار آخر، وهو ما قد يعني وجوداً دائماً لقوات الاحتلال.
ورغم بيان المباركة العربية–الإسلامية الأولي للخطّة، قال رئيس الوزراء القطري، في مقابلة مع قناة «الجزيرة»، إن المشروع الأميركي «لا يزال في بداياته ويحتاج إلى تطوير»، وأنّ بلاده «تحاول خلق مسار يحفظ حقوق الفلسطينيين».
أمّا في الداخل الإسرائيلي، فانقسمت ردود الفعل على الخطّة بين مرحّب ورافض، لكنّ الغالبية اعتبرتها «انتصاراً لإسرائيل» رغم تخفظ قادة اليمين المتشدد. ووصف وزير التعليم، زئيف إلكين، مبادرة ترامب بأنها «جيّدة لإسرائيل»، رغم تحفّظه على بعض البنود التي تشير نظرياً إلى «أفق» للسلطة الفلسطينية، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّ «الكابينت»، سيصادق عليها بالأغلبية.
غير أن «القناة 12» العبرية أشارت إلى أن نتنياهو، رغم وقوفه إلى جانب ترامب، «بدأ عملياً بالتنصّل من الخطة عبر اشتراطاته الكثيرة»، محذّرة من أن «هذه الاشتراطات قد تؤدّي إلى إفشال الاتفاق فعلياً».
بدورها، نقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» عن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قوله إن أي تعديل على خطة ترامب يعني رفضها.
غير أن «القناة 12» الإسرائيلية نقلت عن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، إن الاتفاق المطروح خطير على أمن إسرائيل وأنه مليء بالثغرات ولا يحقق أهداف الحرب التي حددتها الحكومة. وأضاف أن الجميع في إسرائيل متحمسون لعودة الأسرى لكن الثمن لا يُصدق، حسب تعبيره.
ومن جانبه، ندد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، في منشور على منصة «أكس»، بالخطة، واعتبرها «استبدالاً للإنجازات الحقيقية على الأرض بأوهام سياسية»، داعياً إلى استمرار الحملة العسكرية.
وفي سياق متصل، نقل موقع «والا» الإسرائيلي عن مسؤول أمني، أن العمليات العسكرية في قطاع غزة ستشهد تصعيداً خلال الأيام المقبلة، وأكد عدم وجود نية لخفض وتيرة القتال في المرحلة الحالية.
وأوضح المسؤول الأمني الإسرائيلي أن مدى استمرار القتال واتساع نطاقه سيعتمد على طبيعة الرد الذي ستقدمه حركة «حماس» على الخطة الأميركية المطروحة.
وأشار المسؤول الأمني إلى أن الخطط العسكرية الإسرائيلية معتمدة مسبقاً، وفي حال جاء الرد سلبياً فإن هناك قراراً بتوسيع العمليات العسكرية.
ومنذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، تواصل إسرائيل بدعم أميركي حرب إبادة في غزة، أسفرت حتى الآن عن استشهاد أكثر من 66 ألف فلسطيني، وإصابة نحو 169 ألفاً، معظمهم من الأطفال والنساء.
أسطول الصمود
في مؤشر واضح على مضي إسرائيل قدماً في تحدي المجتمع الدولي ومواصلة حرب الإبادة في غزة، اعترضت قوات الاحتلال، الأربعاء الماضي، السفن التابعة لـ«أسطول الصمود العالمي» المتوجهة لفك الحصار عن القطاع المنكوب، ما أثار موجة اعتراضات رسمية وشعبية هائلة، إزاء الكيان الذي بات «منبوذاً» على الساحة الدولية.
وبعد فشل إجراءات الاحتلال في ترهيب الأسطول والتشويش على الأجهزة الإلكترونية في السفن، أعلنت «هيئة البث الإسرائيلية»، مساء الأربعاء الفائت، بدء «عملية السيطرة على الأسطول»، والتي استمرت حتى اليوم التالي مع إعلان جيش الاحتلال سيطرته «على أكثر من 40 سفينة من أسطول الصمود العالمي»، ونقل مئات المشاركين فيه إلى «ميناء» أسدود، بهدف ترحيلهم طوعياً أو إخضاعهم لإجراءات قانونية لـ«ترحيلهم قسرياً»، جنباً إلى جنب إجراء «قوات الاحتلال والبحرية مسحاً بحرياً للتأكد من عدم نجاح أي سفينة في الاقتراب من غزة»، انتشرت مقاطع فيديو، بثتها هواتف الناشطين، تُظهر دخول عناصر مسلحة تابعة للكيان إلى السفن لاحتجازها، في وقت وجهت فيه سلطات الاحتلال حافلات السجون إلى ميناء أسدود لنقل النشطاء.
في المقابل أعلنت دول عدة، منها تركيا والكويت وكولومبيا وإسبانيا وغيرها، العمل على الإفراج عن مواطنيها الذين اعتقلتهم السلطات الإسرائيلية.
ويضم أسطول الصمود الذي انطلق نهاية آب (أغسطس) الماضي من موانئ إسبانية، 44 سفينة على متنها مئات الناشطين المؤيدين للفلسطينيين من أكثر من 40 دولة.
وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي الأخير على «الأسطول»، استدعت إسبانيا القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية، فيما وصفت تركيا العملية بـ«الإرهابية»، واستدعت بلجيكا، بدورها، سفيرة إسرائيل.
ومن جهته، أعلن الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، الأربعاء الماضي، أنه أمر بطرد كل أفراد البعثة الديبلوماسية الإسرائيلية المتبقين في البلاد على خلفية ارتكاب القوات الإسرائيلية «جريمة دولية» باعتراضها أسطول الصمود الذي يحمل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، علماً أنّه قبل القرار، لم يكن قد بقي في كولومبيا سوى 4 ديبلوماسيين إسرائيليين، بعدما قطع بيترو العلاقات الديبلوماسية مع تل أبيب في العام الماضي.
ورحبت حركة «حماس» بقرار كولومبيا طرد أفراد البعثة الإسرائيلية، داعية الدول العربية والإسلامية إلى أن تحذو حذوها.
Leave a Reply