واشنطن، ديترويت
هدد الرئيس دونالد ترامب بإرسال ضباط فدراليين إلى ديترويت وغيرها من المدن الأميركية، للمساعدة في مكافحة الجريمة بعد الارتفاع الكبير في وتيرة أعمال العنف والتخريب بالتزامن مع استمرار الاحتجاجات المناهضة للشرطة، منذ مقتل الإفريقي الأميركي جورج فلويد على يد شرطة مينيابوليس أواخر أيار (مايو) الماضي.
وانتقد ترامب عدداً من المدن التي يديرها «الديمقراطيون الليبراليون»، بما فيها ديترويت التي تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في جرائم العنف، قائلاً إن قادة تلك المدن يخشون التصرف بحزم في مواجهة الاحتجاجات التي يقودها فوضويون ويساريون راديكاليون، وفق تعبيره.
وسرعان ما قوبلت تصريحات ترامب بردود فعل وانتقادات واسعة من القادة الديمقراطيين الذين اتهموه بمحاولة قمع المتظاهرين لأغراض انتخابية.
وفي تصريح من البيت الأبيض، كرر ترامب دعوته إلى حفظ «القانون والنظام»، قائلاً للصحفيين «سنرسل سلطات القانون… لا يمكننا أن ندع ذلك يحدث لمدننا».
وقال البيت الأبيض في بيان يوم الخميس الماضي، إنه سيتم إرسال عناصر أمن فدراليين إلى مدن ديترويت وكليفلاند وميلوواكي رغم اعتراض المسؤولين المحليين.
وكان ترامب قد أرسل مؤخراً عناصر فدراليين لاستعادة زمام الأمن في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون في إطار عملية «الأسطورة»، مشيراً إلى أن وزارة العدل ستقدم 71 مليون دولار لتوظيف مزيد من أفراد الشرطة في المدن في إطار العملية.
ولوح الرئيس بتكرار العملية نفسها في مدن أخرى للمساعدة في مكافحة الجرائم وإبقاء الاحتجاجات تحت السيطرة، مسمّياً على وجه التحديد، نيويورك وشيكاغو وفيلادلفيا وديترويت وبالتيمور وأوكلاند بولاية كاليفورنيا. وقال: «لن ندع هذا يحدث في بلدنا، وكلها (مدن) يديرها ديمقراطيون ليبراليون».
ويوم الأربعاء الماضي، جدد ترامب عن اعتزامه «زيادة عناصر الأمن الفدراليين في المجتمعات الأميركية التي تعمها أعمال العنف»، مضيفاً أن السلطات الفدرالية لا يوجد لديها «أي خيار آخر سوى التدخل» على خلفية ارتفاع عدد ضحايا الجرائم في عدد من المدن الكبرى.
وتابع ترامب قائلاً: «يجب وقف إراقة الدماء، وإن إراقة الدماء هذه ستوقف».
وبحلول الأربعاء الماضي، تأكد نشر مئات من عناصر الأمن الفدراليين بموجب عملية «الأسطورة» في أربع مدن على الأقل، وهي بالإضافة بورتلاند، كل من شيكاغو وكنساس سيتي وألبكيركي.
وتتضمن عملية «الأسطورة» (ليجيند) نشر مزيد من عناصر الأمن الفدراليين في المدن التي تشهد تصاعداً لأعمال العنف. وتم تسميتها بهذا الاسم تكريماً للطفل المدعو ليجيند تاليفيرو، الذي قتل أثناء أعمال العنف في مدينة كنساس سيتي بولاية ميزوري.
والضباط هم جزء من وحدة جديدة تابعة لوزارة الأمن الداخلي تتكون من عناصر تابعين لوزارة العدل ووكالة الجمارك وحماية الحدود. وقد تم نشرهم بموجب أمر تنفيذي وقعه ترامب الشهر الماضي لحماية التماثيل والنصب التاريخية.
ويسمح هذا الأمر الرئاسي بنشر الضباط الفدراليين من دون إذن من الولايات الأميركية المعنية.
ردود فعل
في ردّها على تهديدات ترامب، قالت حاكمة ولاية ميشيغن غريتشن ويتمر، في بيان مشترك مع المدعي العام دانا نسل، إنه من المثير للقلق أن ترامب «يختار نشر خطاب الكراهية ويحاول قمع أصوات أولئك الذين لا يتفقون معه».
وتابع البيان بالقول: «لقد هدد الرئيس ترامب بإرسال عناصر فدراليين إلى العديد من المدن، بما فيها ديترويت» مضيفاً «لكنه بصراحة، لا يعرف شيئاً عن ديترويت. فلو كان يفعل، لعلم أن الديترويتيين يتجمعون للاحتجاج السلمي ضد العنصرية الممنهجة التي يواجهها الأميركيون السود كل يوم».
وأضافت الحاكمة أنه إذا أراد ترامب مساعدة سكان ميشيغن «يمكنه التقاط الهاتف والاتصال بميتش ماكونيل (زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي) لتمرير قانون HEROES، حتى نتمكن من توفير المساعدات الفورية لعائلات ميشيغن والمدارس والشركات الصغيرة».
بدوره، أصدر رئيس بلدية ديترويت مايك داغن، الثلاثاء الماضي، بياناً مشتركاً مع قائد شرطة المدينة جيمس كريغ، أكد فيه أن «مدينة ديترويت ودائرة الشرطة فيها لم تجريا أي اتصال من أي ممثل للحكومة الفدرالية بشأن أي خطط لإرسال ضباط فدراليين إلى ديترويت».
وتابع قائلاً: «ليس هناك أي مبرر لمثل هذا العمل. إذ تحظى شرطة ديترويت بدعم المجتمع المحلي للتأكد من أن مدينتنا لم تتعرض لسرقة متجر واحد أو إشعال حريق واحد خلال الاحتجاجات». وأضاف: «على عكس جميع المدن الرئيسية الأخرى تقريباً في البلاد، لم تطلب إدارة شرطة ديترويت أبداً مساعدة من الحرس الوطن… لقد عالجنا مشكلاتنا كمجتمع. وبالتأكيد ليس لدينا أية حاجة لإرسال أي عناصر فدراليين الآن».
ورغم اعتراض المسؤولين المحليين، قال المدعي العام الفدرالي في ديترويت، ماثيو شنايدر، إنه يتوقع وصول عناصر فدراليين في غضون أسبوع.
وأشاف «أنا أعمل بنشاط مع العاصمة، وقد عملت منذ عدة أيام لجلب المزيد من الموارد الفيدرالية والمزيد من وكلاء إنفاذ القانون الفدرالي إلى ميشيغن».
وأوضح شنايدر قائلاً «اسمحوا لي أن أكون واضحاً على الفور حول ما لا يتعلق به هذا… فهذا لا علاقة له بالمتظاهرين أو حرية التعبير. هذا له علاقة كاملة بوقف عمليات القتل وإطلاق النار والجرائم العنيفة في ديترويت».
الوضع في ديترويت
ميدانياً، تشهد مدينة ديترويت خلال الآونة الأخيرة، ارتفاعاً ملحوظاً في جرائم العنف بالتزامن مع استمرار الاحتجاجات السلمية ففي إطار حركة «حياة السود مهمة»، حيث سجلت المدينة خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي مقتل 7 أشخاص وإصابة 26 آخرين بحوادث إطلاق وطعن متفرقة.
واستمر مسلسل العنف خلال الأسبوع بتسجيل عدة حوادث إطلاق نار، حيث أصيب ثلاثة شبان بالعشرينيات من العمر، بجروح خطيرة إثر تعرضهم لإطلاق نار من رجل مجهول أثناء تواجدهم داخل سيارتهم في محطة وقود عند تقاطع الميل السابع وشارع غراند فيو.
وفي إطار جهودها لمكافحة الجريمة، تمكّنت شرطة ديترويت من القبض على مشتبه به بقتل ثلاثة أشخاص وإصابة آخر في مطعم على شارع دكستر ليل الأحد الماضي. ومثُل المتهم ميكي دوغلاس (25 عاماً) أمام المحكمة الثلاثاء المنصرم حيث وُجّهت إليه ثلاث تهم بالقتل من الدرجة الأولى، إضافة إلى تهمة الاعتداء بقصد القتل.
وفي مؤتمر صحفي عقده يوم الاثنين الماضي، تحدث قائد شرطة ديترويت، جيمس كريغ، عن ثلاثة عوامل رئيسية أدت إلى ارتفاع معدلات العنف في ديترويت وغيرها من المدن الأميركية خلال الآونة الأخيرة، وهي: حالة الإجهاد والتوتر الناتجة عن قيود وباء كورونا، والإفراج المبكر عن بعض السجناء بسبب الوباء، إضافة إلى احتجاجات حركة «حياة السود مهمة» اليومية التي تستنزف جهود الشرطة.
وأشار كريغ إلى أنه بالرغم من كل تلك العوامل، ارتفعت جرائم العنف في المدينة بنسبة 7 بالمئة فقط، مشيداً بالجهود التي يبذلها عناصر الدائرة لمكافحة الجريمة. وقال: «لقد صادرنا خلال سبعة أيام 113 قطعة سلاح».
ويوم الخميس الماضي، قتل شرطي مطلوباً بحادثة إطلاق نار أسفرت عن إصابة أربعة مراهقين في حفل منزلي مساء الأحد المنصرم.
وحاولت الشرطة القبض على المشتبه به إلا أنه بادر إلى الفرار بسيارته مع شخصين آخرين، لتبدأ مطاردة سريعة استمرت نحو عشر دقائق وانتهت باصطدامه بعمود إنارة، قبل أن يقوم أحد الضباط بإطلاق النار عليه أثناء محاولته الهروب سيراً على الأقدام. كما تم القبض على شخصين كانا معه في السيارة وتبين أنهم على صلة بهجوم الذي وصفه كريغ بأنه يأتي في سياق نزاع بين عصابات الشوارع.
وقال كريغ: «العنف يجب أن يتوقف»، مؤكداً أن الشرطة لن تتوان عن مواصلة جهودها الحثيثة «لملاحقة الأفراد الذي يولدون العنف في مجتمعنا».
وعلى عكس العديد من قادة الشرطة في المدن الأميركية الأخرى، تعامل كريغ بحزم مع الاحتجاجات ولجأ إلى استخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لفض المتظاهرين فضلاً عن اعتقال المئات منهم، وهو ما دفع بعض الناشطين إلى المطالبة باستقالته.
ورغم تزايد وتيرة العنف في ديترويت، إلا أن الوضع الأمني في المدينة يظل أفضل حالاً من العديد من المدن الأميركية الكبرى التي تشهد ارتفاعاً غير مسبوق في أعمال العنف والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، مثل نيويورك ولوس أنجليس ومينيابوليس وشيكاغو.
وعلى سبيل المثال، شهدت شيكاغو خلال عطلة نهاية الأسبوع عشرات حوادث إطلاق النار التي أسفرت عن إصابة 70 شخصاً على الأقل، ومقتل 11 آخرين، في أنحاء مختلفة من المدينة.
تجربة بورتلاند
تشهد مدينة بورتلاند بولاية أوريغون احتجاجات مستمرة تقودها حركة «حياة السود مهمة» ضد «وحشية الشرطة» منذ مقتل فلويد في 25 مايو الماضي. ومع تزايد وتيرة الاحتجاجات وانكفاء شرطة المدينة أمام المتظاهرين، قرر ترامب نشر قوات فدرالية في المدينة الساحلية الغربية لتهدئة الاضطرابات هناك.
وبينما يؤكد ترامب أن الضباط الفدراليين الذين تم إرسالهم إلى أوريغون قاموا «بعمل رائع» لاستعادة النظام في مدينة بورتلاند، يقول مسؤولون محليون إن وجود الضباط الفدراليين يزيد من تفاقم الأوضاع.
وطالب قادة الولاية، ترامب بإخراج القوات من بورتلاند، متهمين إياه بتصعيد الوضع باعتبار ذلك حيلة سياسية في عام الانتخابات.
واستخدم الضباط الفدراليون، سيارات لا تحمل علامات في عمليات اعتقال بالمحتجين، وهو ما أثار إدانة من الديمقراطيين والمتظاهرين والمنظمات الحقوقية.
وتصاعدت التوترات بين المتظاهرين والقوات الفدرالية خلال الأسبوع الماضي، مما دفع القادة المحليين إلى مطالبة القوات الفدرالية بمغادرة المدينة. وردّ ترامب بأن حاكم ولاية أوريغون ورئيس بلدية بورتلاند والمشرعين الآخرين خائفون من التيار اليساري الفوضوي الذي بات يسيطر على الحزب الديمقراطي، وفق تعبيره.
وقال «إنهم خائفون من هؤلاء الناس… هذا هو السبب الذي يجعلهم لا يريدون مساعدتنا» من أجل استعادة الأمن. وأضاف أن الضباط الفدراليين «كانوا هناك لثلاثة أيام وقاموا فعلاً بعمل رائع في فترة زمنية قصيرة جداً، لا مشكلة. إنهم يمسكون بالكثير من الناس ويسجنون قادة الفوضويين».
وذكرت صحيفة «شيكاغو تريبيون» –الاثنين الماضي– أن وزارة الأمن الداخلي تخطط لنشر حوالي 150 عنصراً فدرالياً في شيكاغو.
ويوم الأربعاء الماضي، أكد ترامب عزمه على إرسال ضباط فدراليين إلى شيكاغو وألبكيركي بولاية نيو مكسيكو. وقال الرئيس «خلال الأسابيع الماضية ظهرت حركة راديكالية تطالب بقطع التمويل عن الشرطة وتفكيكها وحلّها»، محملاً هذه الحركة مسؤولية الزيادة الصادمة في حوادث إطلاق النار والقتل وجرائم العنف».
وأوضح وزير العدل الأميركي بيل بار أن أكثر من 200 من عناصر الأمن الفدراليين يعملون حالياً في كنساس سيتي في إطار العملية، كما سيتم إرسال عدد مشابه من العناصر إلى شيكاغو بولاية إيلينوي، وأكثر من 35 عنصراً إلى مدينة ألبكيركي بولاية نيومكسيكو.
بدورها، قالت رئيسة بلدية شيكاغو، لوري لايتفوت، إنها قلقة بشأن قيام ترامب بنشر ضباط فدراليين في المدينة. وقالت إنها تحدثت مع رئيس بلدية بورتلاند تيد ويلر «للاطلاع على ما يحدث هناك».
وقالت: «نحن لا نحتاج إلى موظفين فدراليين لا يحملون أي شارات يسحبون الناس من الشوارع ويحتجزونهم، على نحو غير قانوني».
من جانبه، قال ويلر في حديث لشبكة «سي أن أن» إن هناك «عشرات إن لم يكن المئات من القوات الفدرالية في المدينة»، مضيفاً: «إن وجودهم هنا يؤدي في الواقع إلى مزيد من العنف والمزيد من التخريب».
وقال: «إنهم ليسوا مرغوباً بهم هنا. لم نطلب منهم أن يكونوا هنا. في الحقيقة نحن نريدهم أن يغادروا».
ورفع المدعي العام في ولاية أوريغون دعوى قضائية ضد الحكومة الفدرالية بزعم احتجازها المتظاهرين بشكل غير قانوني وانتهاك حقوقهم الدستورية في التجمع وفي الحصول على محاكمة عادلة.
Leave a Reply