واشنطن – واصل فيروس كورونا المستجد، حصد أرواح الأميركيين خلال الأسبوع الماضي، ليتجاوز عدد الضحايا، بحلول 7 أيار (مايو) الجاري، 76 ألف ضحية، وهو ما دفع الرئيس دونالد ترامب إلى وصف أزمة فيروس «كوفيد–19» بأنها أسوأ من اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية، غير أن ذلك لم يمنعه من مواصلة ضغوطه من أجل فتح اقتصاد البلاد «بأسرع وأأمن طريقة ممكنة» تفادياً لانكماش حاد بدأت معالمه بالظهور.
وذهب ترامب إلى حد وصف أزمة كورونا بأنها «أسوأ» من الهجوم المباغت الذي شنته اليابان عام 1941 على قاعدة بيرل هاربور العسكرية في جزر هاواي، في إشارة ضمنية إلى أن الوباء قد يكون «اعتداء خارجياً»، لم يستبعد ترامب أن تكون الصين مسؤولة عنه.
ترامب الذي يواجه تحديات اقتصادية غير مسبوقة بسبب أزمة كورونا، قال في المكتب البيضاوي بعد تجاوز حصيلة الوفيات توقعاته السابقة عند ألف شخص، قال «ما كان ينبغي لهذا أن يحدث»، مشدداً على أنه لازال ينتظر نتائج التحقيقات الاستخباراتية لتحديد مصدر الوباء، وذلك بعد حديثه مؤخراً عن «معلومات شبه مؤكدة» عن أن الفيروس مصدره مختبرات بمدينة ووهان الصينية، وهو ما نفته منظمة الصحة العالمية، بحسب البيانات المتوفرة لديها.
وتعتبر الولايات المتحدة التي سجّلت فيها أول وفاة بالفيروس في نهاية شباط (فبراير) الماضي، هي الدولة الأكثر تضرّراً في العالم من جراء وباء «كوفيد–19»، سواء من حيث عدد الإصابات أو الوفيات، إذ سجلت بمفردها أكثر من ثلث الإصابات المعلن عنها في العالم بأسره، وأكثر من ربع الوفيات المسجّلة في العالم.
لكن رغم هذه الأرقام المرتفعة، فإن البيت الأبيض لا ينفك يشدد على وجوب استئناف النشاط الاقتصادي في البلاد.
على الصعيد الداخلي، تصطدم مساعي ترامب لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد الأميركي، بمعارضة واضحة من الديمقراطيين الذين يستندون في موقفهم إلى تحذيرات الخبراء من إمكانية تجدد الوباء.
ترامب الذي كسر العزل وتوجه جواً إلى ولاية أريزونا الأسبوع الماضي، في أول رحلة له خارج واشنطن منذ آذار (مارس) الماضي، تعرض لحملة انتقادات واسعة عبر وسائل الإعلام الرئيسية مع استمرار ارتفاع حصيلة الوفيات بالتزامن مع جهوده لإعادة فتح الاقتصاد.
وتزايدت الضغوطات الإعلامية بعدما أشار نائب الرئيس، مايك بنس، إلى إنهاء عمل خلية الأزمة لمواجهة كورونا، بحلول نهاية الشهر الجاري، في خطوة تمهد لإعادة الحياة إلى ما كانت عليه.
ورد ترامب، يوم الأربعاء الماضي، بتأكيده على استمرار عملية خلية الأزمة المسؤولة عن أزمة كورونا في البلاد إلى أجل غير مسمى، بعدما أضحت الولايات المتحدة أكثر دول العالم تأثراً بالفيروس من حيث عدد الإصابات والوفيات.
وقال الرئيس الأميركي إنه ينوي توسيع تشكيلة فريق العمل الخاص بمكافحة فيروس كورونا في البلاد، مشيراً إلى أنه «لم يكن على علم بمستوى شعبية هذه المجموعة».
وذكر ترامب، في كلمة ألقاها خلال فعالية بمناسبة يوم الممرضين الوطني، الأربعاء الوطني، أنه سيعلن عن عضوين أو ثلاثة جدد في فريق العمل بحلول الاثنين المقبل، في الوقت الذي بدأت فيه هذه المجموعة تركيز اهتمامها على مسألة العلاج وتخفيف القيود لقطاع العمل والحياة العامة، مصراً على أنه في مرحلة معينة لن تبقى هناك حاجة إلى استمرار أنشطة فريق العمل.
ولفت الرئيس الأميركي إلى أن كبير اختصاصيي الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، أنتوني فاوتشي، ومنسقة فرقة العمل المعنية بجائحة كورونا الفيروسية، ديبورا بيركس، سيحتفظان بمنصبيهما في اللجنة.
ويريد ترامب التعجيل بإعادة فتح الاقتصاد، رغم عدم تسجيل تقدم بارز في تطويق الجائحة، تخوفاً من انكماش اقتصادي حاد يصعب الخروج منه قبل انتخابات الرئاسة المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، حيث من المحتمل أن ينافسه المرشح الديمقراطي جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما.
وقد يناهز معدل البطالة لشهر نيسان (أبريل) المنصرم، حوالي 20 بالمئة، أي ضعف ما شهدته البلاد في أسوأ فترات الركود عام 2009، مقتربة من مستويات الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، وفق وكالة «فرنس برس».
ورداً على الانتقادات المتزايدة من الديمقراطيين لاستجابة إدارة ترامب للجائحة، قال الرئيس الأميركي إن إدارته ورثت «نظاماً صحياً سيئاً» من عهد أوباما، لكنها نجحت في تفادي أي نقص في الإمدادات الطبية، مشيراً إلى أن أبرز المدلولات الإيجابية على طريقة تعامل إدارته مع أزمة كورونا هو افتتاح معامل للكمامات في الولايات المتحدة وتصنيع عشرات آلاف أجهزة التنفس الاصطناعي.
وكان ترامب قد صرح، الأحد الماضي، أنه يعتقد بأنه سيكون لدى بلاده لقاح ضد فيروس كورونا المستجد نهاية هذا العام.
وفي إطار الرد على اتهامه بالتأخر للاستجابة للوباء، أكد ترامب في حديث لقناة «فوكس نيوز»، على أنه بادر إلى إغلاق الولايات المتحدة مبكراً رغم أن المعلومات الأولية قللت من مخاطر كورونا، مذكراً بتصريحات أدلى بها قادة ديمقراطيون رفضاً لقراره بتعليق الرحلات الجوية من الصين، والذي وصفوه حينها، بالقرار «العنصري» و«المعادي للأجانب».
كذلك يتهم ترامب، الديمقراطيين بعرقلة جهود إدارته في الكونغرس، وذلك عبر امتناع رئيس مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، عن دعوة المجلس إلى الانعقاد.
وعاد مجلس الشيوخ الأميركي إلى الانعقاد، الاثنين الماضي، في ظل إرشادات جديدة لمنع تفشي فيروس كورونا.
لكن القادة الديمقراطيين الذين يسيطرون على مجلس النواب رفضوا ذلك، مشيرين إلى مخاوف مستمرة متعلقة بالصحة وتحذير من جانب طبيب الكونغرس من أن العاصمة الأميركية لم تتوصل بعد لمنحنى مسطح بشكل كاف لمسار الإصابات بفيروس «كوفيد–19».
الأزمة مع الصين
قال البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي، إن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين هي واحدة من «خيبة الأمل والخيانة»، في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة التصريحات بين بكين وواشنطن حول أصول فيروس كورونا الذي أودى بحياة مئات الآلاف في جميع أنحاء العالم وقلب الحياة في جميع أنحاء المعمورة.
وأكد ترامب، أنه لا يصدق إحصائيات الصين المنشورة رسمياً بشأن فيروس كورونا، فيما صرح بأنه يحتاج من أسبوع إلى أسبوعين لتقدير مدى تطبيق بكين للصفقة التجارية، في مؤشر على إمكانية تأجج النزاع التجاري بين الاقتصادين الأكير في العالم.
وذكر ترامب أنه «بحاجة إلى أسبوع أو أسبوعين ليقرر» ما إذا كانت الصين تفي بالتزاماتها بموجب «اتفاق المرحلة الأولى» لحل الخلافات التجارية الذي وقعه البلدان في كانون الثاني (يناير) الماضي، مبلغاً الصحفيين بأنه ينتظر ليرى ما إذا كانت الصين ستحافظ على الاتفاق، معتبراً أنها قد لا تطبق الصفقة بحجة وباء كورونا.
ووجهت إدارة الرئيس الأميركي انتقادات لاذعة إلى الصين، متهمة إياها بتضليل المجتمع الدولي بشأن بدء تفشي الفيروس، رغم أن منظمة الصحة العالمية أكدت مراراً شفافية تعامل بكين مع الأزمة، وهو تسبب بقطع التمويل الأميركي عن المنظمة الدولية واتهامها بالانحياز للصين.
والخميس الماضي، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن ربع مليون شخص توفوا منذ ما حدث في ووهان بالصين، وطالب الحكومة الصينية بالتزام واجبها بمساعدة المجتمع الدولي في جهود تفادي فقدان مزيد من الأرواح من جراء الوباء.
وفي بادرة من بكين، أعلنت وزارة التجارة الصينية، الجمعة، أن المفاوضين الصينيين والأميركيين تعهدوا «توفير الظروف الملائمة» لتنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري الذي توصّل إليه البلدان مطلع العام، وذلك على الرّغم من التوترات التي تسبّب بها خلافهما حول فيروس كورونا.
وقالت الوزارة إن هذا التفاهم تم خلال محادثة هاتفية جرت بين نائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي، الذي قاد المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة، وكل من ممثل التجارة الأميركية روبرت لايتهايز، ووزير الخزانة ستيفن منوتشين.
الصراع مع الديمقراطيين
مع تعاظم فاتورة الإغلاق الاقتصادي، وامتناع حكام الولايات الديمقراطيين عن إعادة فتح الاقتصاد، لوح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإمكانية حرمان «الولايات التي تحكمها إدارات سيئة» من حزمة إنقاذ فدرالية لإنقاذ الولايات المتضررة اقتصادياً بسبب أزمة كورونا.
وفي مفارقة سياسية–صحية، تعتبر الولايات المحكومة من الديمقراطيين هي الأكثر تضرراً بوباء كورونا، من حيث أعداد الإصابات والوفيات. وقد قال حاكم ولاية نيويورك، أندرو كومو، إن خطة الإنقاذ التي وضعها ترامب «ستؤدي لهزيمتنا كلنا»، في إشارة لرفض الجمهوريين إنقاذ الولايات التي تعاني ضائقة مالية.
وقال كومو مخاطبا ترامب: «إذا جوّعت الولايات، كيف تتوقع أن تكون الولايات قادرة على تمويل خطة إعادة الفتح هذه بالكامل؟ المشرعون الديمقراطيون لن يمرروا مشروع قانون آخر لا يوفر التمويل للولايات. في رأيي، يجب أن يكون الرئيس هو المسؤول هنا».
وفي رد على كلمات كومو القاسية، كتب ترامب على صفحته في «تويتر» الثلاثاء الماضي، أن «الولايات ذات الإدارة السيئة تستخدم الوباء كذريعة لتأمين الأموال الفدرالية».
وأضاف «يجب ألا تقوم الولايات التي تتم إدارتها بشكل جيد بإنقاذ الولايات التي يتم تشغيلها بشكل سيء، وذلك باستخدام فيروس كورونا كعذر!» لتغطية العجز.
وفيما يتخذ معظم الحكام الديمقراطيين موقفاً رافضاً لإعادة فتح الاقتصاد خشية حدوث موجة ثانية من الإصابات بفيروس «كوفيد–19»، ينحو معظم الحكام الجمهوريين إلى إعادة فتح ولاياتهم تدريجياً.
وبينما تقود ولايات مثل جورجيا وتكساس وآيوا استئناف الأنشطة التجارية التي أغلقت بسبب الجائحة، يتعرض حكام تلك الولايات لانتقادات للسماح للناس بالعودة إلى أعمالهم.
في المقابل أمر حاكم ولاية نيويورك الديمقراطي، الشرطة بتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي ووضع الكمامات في الأماكن العامة، كما أمر حاكم ولاية كاليفورينا، غافين نيوسم، الشرطة بمنع السكان من التوجه إلى المنتزهات والشواطئ، مما تسبب بتظاهرات احتجاج ضد الحاكم الديمقراطي.
وأضاف تعليقاً على نزول متظاهرين إلى الشوارع من دون كمامات للمطالبة بإعادة فتح الولاية، «هذا تهور ولا مبالاة، والأمر لا يتعلق بحياتك بل بحياة الآخرين».
Leave a Reply