طرابلس ساحة تصفية حسابات أميركية مع سوريا
دخل لبنان في اتون اللعبة الاقليمية بعد ان قرر الفريق الخاسر في عملية تشكيل الحكومة استخدام ورقة الشارع. وإن صار من المعتاد، في لبنان، اللجوء الى لغة السلاح عندما تصطدم المصلحة السياسية بواقع مخالف، فإن الخطر هذه المرة يكمن في أن حدود البقعة الجغرافية حيث اندلعت المواجهات؛ أي في شمال لبنان، ومحاولة الدفع باتجاه مواجهة مذهبية بامتياز بين جبل محسن وباب التبانة، لا يمكن بأي شكل من الأشكال فصلهما عما يجري في الداخل السوري. وبالتالي باتت منطقة الشمال “رسميا” ضمن الأوراق الإقليمية المستخدمة لزعزعة النظام السوري ورسالة واضحة لحلفاء دمشق في لبنان بأن نجاحهم في تشكيل الحكومة بعد مخاض عسير لن يمرّ من دون حساب.
رادارت جنبلاط
ولعلّ اول المتلمسين لحجم تداعيات الاشتبكات العنيفة التي اندلعت في الشمال، بعد ساعات قليلة من اعلان تشكيل الحكومة، كان النائب وليد جنبلاط الذي اعرب صراحة عن تخوفه من قيام الولايات المتحدة باستخدام لبنان كورقة ضغط سياسي على سوريا.
واعتبر جنبلاط، في حديثه الاسبوعي للمطبوعة الصادرة عن الحزب التقدمي الاشتراكي، أن الأحداث الاخيرة التي شهدتها مدينة طرابلس هي بمثابة مؤشر خطير عن إمكانية التدهور السلبي للأوضاع بشكل سريع وغير متوقع، لافتا الى انه “على الرغم من أن شعار “نزع السلاح” هو شعار جميل ولكن الأهم هو إزالة أسباب هذا النزاع والتأكيد على بقائه في إطاره السياسي والسلمي دون إستخدام السلاح وتوسل العنف”.
واكد انه “من موقع الحرص على سوريا وإستقرارها ووحدتها الوطنيّة، من الضروري جداً تحييد طرابلس في ظل الأزمة القائمة، والمسؤولية هنا مضاعفة على أهالي طرابلس وفاعلياتها لتجاوز الأهواء السياسية الخاصة وإبعاد المدينة عن تجاذبات تتصل بدعم أو رفض النظام السوري، وذلك يمكن تحقيقه من خلال ميثاق للتعاون بين مرجعيات طرابلس بمعزل عن التباينات السياسية”.
وكشف جنبلاط، في مقابلة صحفية، أنه علم من “مصدر موثوق به أن التظاهرة التي نظمت ورفعت شعار تأييد الشعب السوري، لم يكن مقرّراً لها أن تعبر شارع سوريا الذي يفصل بين بعل محسن وباب التبانة. مَن استدرجها إلى هذا الشارع، أو أوحى لها بسلوك هذه الطريق؟ في لبنان تكثر التأويلات والتحليلات، إلا أنني أتمنى على كل أهالي طرابلس، الذين يؤيدون النظام السوري والذين يؤيدون الشعب السوري، العمل على تحييد مدينتهم عن أي صراع داخلي لأنه يضرّ بها وبسوريا. لا يمكن المزايدة في أزقة طرابلس وهي لا تفيد أحداً. ولا أعرف العبرة من إدخال طرابلس في محاور أكبر منها”.
وحذر جنبلاط من مخطط “يجري العمل له في الكونغرس الأميركي بحسب ما يُسرّب، وهو تنفيذ هجوم مضاد على حكومة ميقاتي من خلال مشروع يمنع المساعدات عن لبنان”، من دون ان يستبعد أن يكون لبنان مسرح تصفية حسابات أميركية مع سوريا بالهجوم على حكومتنا، بحسب تفسير المعارضة الداخلية وما يسمى المجتمع الدولي، وهو أن هذه حكومة “حزب الله”، يعني حكومة سوريا”.
وتابع جنبلاط “لا أعرف كيف يصف هؤلاء الحكومة بأنها حكومة حزب الله. فيها الرئيس سليمان وميقاتي وأنا”.
من جهة اخرى، توقف جنبلاط عند استحقاق البيان الوزاري للحكومة الجديدة، مشيرا الى تحدي الاتفاق على الرؤية حول القرارات الدولية والمحكمة الخاصة باغتيال الرئيس الحريري. والمح جنبلاط الى ان المناخ الدولي العام يذكّره بالأجواء التي سبقت حرب تموز 2006.
حسابات قديمة
على الرغم من توالي تصريحات اقطاب في الأكثرية الجديدة من أن الحكومة الحالية لن تنتهج سياسة التشفّي من الحكومة السابقة ورموزها في مؤسسات الدولة، فإن احداث طرابلس تحديدا سرعّت وتيرة البحث في وضع المؤسسة الأمنية تحديدا، في حين بدا واضحا ان وزارات الاتصالات والعدل والمال وغيرها من الوزارات السيادية ستشهد أيضا ورش عمل واعادة “ترتيب” داخلي.
في هذا السياق، اكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، خلال الاجتماع الامني الوزاري الذي عُقد في السراي الحكومي عقب احداث طرابلس، ان دور القوى الامنية واحد في كل المناطق وهو حفظ الامن دون تمييز، وان لا فرق في حفظ السلامة العامة بين موال ومعارض فالجميع لبنانيون ومن واجب الدولة حمايتهم وتأمين الاستقرار لهم.
وأكد “أنه لن تتكرر مع حكومتنا تجاوزات القانون، فلا تسلط ولا هيمنة”، مشددا على أهمية التنسيق بين الاجهزة الامنية لانه يمكن انذاك استباق وقوع احداث وتطويقها قبل حصولها، مقترحا تفعيل مبدأ غرف العمليات المشتركة لان الفائدة منها كبيرة لجهة المحافظة على أمن الناس وسلامتهم.
بدوره، اكد وزير العمل شربل نحاس ان الحكومة ستضرب بيد من حديد لتأمين الخدمات للمواطنين.
كلام نحاس جاء خلال اطلاقه ووزير الاتصالات نقولا صحناوي خدمة الانترنت المجانية في حديقة السيوفي-الاشرفية، حيث اعلن ان “هناك مليار ومئة مليون دولار موجودة نقدا في حسابات وزارة الاتصالات التي هي مستقلة، لكي تكون رافعة للتنمية المحلية في مختلف المجالات”، لافتا الى ان “هذه الاموال دين على وزارة الاتصالات تم وضعه في حساب مستقل ليُصرف للغاية التي حددها القانون بعدما استُرجع من يد السارقين والنشالين”.
واسف نحاس لأنه “لم يكن قادرا على وضع انظمة تعرفات تشجع الاستخدامات ذات المردود الثقافي بسبب تعطل مجلس الوزراء منذ اول الصيف، لذا لجأنا الى مساعدة من جمعية المصارف والى مساهمة من شركة سوديتيل التي تملك الدولة 50 بالمئة منها، لكن عبد المنعم يوسف لم يتردد في العرقلة”، معتبرا ان ايام يوسف “صارت معدودة في الدولة اللبنانية الا اذا كان سيكمل ايامه في سجونها”، لافتا الى ان يوسف “حاول ان يعرقل، لكننا نجحنا في توفير الخدمة في حديقة السيوفي بعدما تبين ان السلك الهاتفي موجود داخلها، انما العرقلة مستمرة في حديقة الصنائع نظرا الى ان السلك خارج الحديقة ويحتاج الى توصيل”.
ولفت الى ان “ان اوجيرو هي خيرة شباب الوزارة، لكن لا علاقة لاوجيرو بالاتصالات في لبنان، هناك وزارة واحدة للاتصالات وهي تمثل الجمهورية اللبنانية”.
من جهته، أعلن وزير المالية محمد الصفدي أنه سيدقق بالحسابات المالية العامة منذ العام 1993 وسيحاسب عن الاخطاء المقصودة، مؤكدا ان الشفافية ستكون ملازمة لعمل الوزارة، لافتا الى انه “يهمنا ان تكون وزارة المال شفافة في عملها وفي ارقامها وحساباتها”.
ووضع الوزير الصفدي الهجمة الشرسة على الحكومة في اطار “الصدمة” من هذا الانجاز ورغبة الفريق الاخر بعدم ابصارها النور، لافتا الى ان الرد سيكون من خلال العمل.
استحقاق البيان الوزاري
وفي حين يُتوقع ان تحمل الأيام القليلة المقبلة المزيد من “المفاجأت” على شاكلة احداث طرابلس، يتطلع اللبنانيون الى جلسة التصويت على اعطاء الثقة للحكومة بعد اجتيازها لاختبار البيان الوزاري.
ويبدو أن ابرز بنود هذا البيان سيكون ما يتعلق بالقرارات الدولية. ومع تواصل اجتماعات لجنة صياغة البيان الوزاري والانتهاء من الاتفاق على الخطوط العامة في ما يتعلق بالسياسة الاقتصادية والمالية، يبدو أن البند الاهم هو المحكمة الدولية التي “لم يتم البحث فيها حتى الساعة” بحسب وزير الإعلام وليد الداعوق.
على ان رؤية وسياسة الرئيس ميقاتي ستكون هي الأقرب الى التبني في البيان، علما ان الاخير لفت، خلال لقائه السفراء العرب المعتمدين في لبنان، أن “لبنان من مؤسسي المنظمة الدولية ويحترم قراراتها لا سيما منها القرار 1701″، لكنه أشار إلى وجود شقين لموضوع المحكمة بمعنى شق خارجي وآخر داخلي، موضحاً أنّ الشق الخارجي له علاقة بقرار صادر عن الأمم المتحدة، وليس في إستطاعة لبنان أن يلغيه بقرار أحادي، “أما في الشق الداخلي فأنا على يقين بان كل القوى والمجموعات السياسية اللبنانية تريد إحقاق الحق والعدالة وتجنيب لبنان أي مخاطر أمنية تهدد إستقراره”.
وتوجه ميقاتي الى السفراء بالقول “لا تقلقوا من المناكفات السياسية في لبنان فهي باتت جزءا من تراثنا السياسي، بل شجعوا مواطنيكم على المجيء الى لبنان لا سيما في فصل الاصطياف”.
Leave a Reply