علي حرب – «صدى الوطن»
قبل صعود ظاهرة الإسلاموفوبيا وانتشار مزاعم تطبيق الشريعة الإسلامية فـي المدينة، لطالما ارتبطت ديربورن فـي الوجدان الأميركي باسم وتراث الرجل الأسطورة الصناعي الشهير هنري فورد الذي أسس فـي العام 1903 شركة «فورد» للسيارات التي أحدث من خلالها ثورة صناعية حول العالم بابتكاره خط التجميع (اسمبلي لاين) الذي جعل من «مصنع الروج» فـي الطرف الجنوبي من ديربورن، قبلة لآلاف المهاجرين الراغبين ببناء حياة أفضل.
اليوم وبعد حوالي سبعة عقود على رحيل الرجل الأسطورة، أكدت شركة «فورد»، الإثنين الماضي ارتباطها بمدينة ديربورن، التي تتخذ منها مقراً عالمياً لها، حيث أعلنت الشركة العملاقة يوم الإثنين الماضي عن خطة استثمارية ضخمة بقيمة 1.2 مليار لإجراء تعديلات جوهرية على مقار ومباني الشركة وسط ديربورن، استعداداً لاستيعاب أكثر من 30 ألف موظف بحلول العام 2026.
وإذا كانت عائلة فورد قد لعبت الدور الأبرز فـي إنشاء مدينة ديربورن الحديثة فـي العام 1928 عبر ضم مدينتي ديربورن (غرب) وسبرينغولز (شرق) بعد أن اشترت عائلة فورد الأراضي الخالية بينهما، وهي الأرض المعروفة اليوم باسم «فوردلاند»، فإن للعرب الأميركيين فضلاً لا يمكن تجاهله فـي استمرارية وازدهار المدينة وأهليتها لهذا الحجم من الاستثمارات رغم جميع الأزمات المالية الخانقة التي مرت بها المنطقة على مدى العقود الماضية.
وإذا كان يحسب لشركة «فورد» انتماؤها ووفاؤها للمدينة التي نشأت فـيها، فـي الوقت الذي تغرّبت فـيه العديد من الشركات، مثل شركة «كرايسلر» التي هجرت مدينة هايلاند بارك وجعلتها أثراً بعد عين، وأصبحت الشركة نفسها مملوكة لشركة «فـيات» الإيطالية، فإنه يحسب للجالية العربية أيضاً دورها الإنمائي الكبير الذي حافظ على أمن وازدهار المجتمع المحلي فـي المدينة التي أصبحت تعرف بأنها عاصمة العرب الأميركيين.
ترحيب شعبي ورسمي
الإعلان عن خطة «فورد» شكل خبراً ساراً للمسؤولين فـي المدينة وللمجتمع المحلي الذي رحب بكافة أطيافه بالخطوة التي من المتوقع أن تكون لها انعكاسات إيجابية متنوعة على سكان المدينة، واصفـين إياها بأنها دليل على حيوية المدينة والمجتمع.
وقالت رئيسة مجلس بلدية ديربورن، سوزان دباجة، ان الاستثمار الذي أعلنت عنه شركة «فورد» «هو علامة على التزامها بالاستمرار فـي دفع ديربورن نحو المستقبل». وأردفت ان المشروع سينشط سوق الإسكان فـي ديربورن ويرفع الطلب على تأجير المنازل مما سيساهم برفع قيمة العقارات، على حد قولها. واستطردت بالقول انه مشروع ضخم سيعود بفوائد كبيرة على السكان، «كما سيساعد على تبديد بعض الخرافات حول ديربورن».
وأضافت دباجة التي انتخبت كأول امرأة عربية تتولى رئاسة مجلس بلدية ديربورن، إن شركة فورد ترى فـي المدينة مكاناً حيوياً يتمتع بامكانات كبيرة. وقالت «إن مدراء فورد يحتضنون التنوع الثقافـي هنا، ومن الواضح أن شركة فورد لم تتأثر بالصحافة السلبية التي تسلطت علينا لأن مزاعمها ببساطة غير صحيحة».
العرب وفورد
بدوره، رحب رجل الأعمال علي جواد، مؤسس النادي اللبناني الأميركي، بمشروع «فورد»، مؤكداً على «العلاقة الوثيقة» التي تربط الجالية العربية مع الشركة التي كان لها الفضل الرئيسي فـي تأسيس نواة الجالية فـي الطرف الجنوبي من المدينة أو ما يعرف بمنطقة ديكس، وذلك فـي النصف الأول من القرن الماضي.
وقال جواد إن «السبب الاساسي وراء قدوم العرب الى ديربورن هو فـي المقام الأول فورد، فالجميع كان يريد أن يعمل فـي مصنع «الروج».. نحن و«فورد» لدينا تاريخ مشترك. ووفاء الشركة لمدينة ديربورن هو نبأ عظيم لجاليتنا لأننا من أكبر المستثمرين فـي هذه المدينة».
وغمز جواد من قناة بلدية ديربورن، مطالباً المسؤولين فـيها بتحسين قوانين البناء البلدية، «كي يسهلوا المهمة على شركة فورد».
وقال «ليس من السهل القيام بأعمال بناء هنا فشركات البناء لا ترغب فـي العمل فـي ديربورن لأن عليها تحمل تبعات عملية بيروقراطية طويلة للحصول على التصاريح»، متمنياً «بأن يطلق مشروع فورد شرارة الإصلاح فـي إدارة المباني والسلامة العامة بالبلدية».
وذكرت فاي بيضون، المديرة التنفـيذية لغرفة التجارة العربية الأميركية «ان المشروع العمراني يجدد الثقة فـي المجتمع المحلي. ان هذه خطوة إيجابية من ناحية التطور الاقتصادي لمجتمعنا وفـي حين تقوم شركة «فورد» بتطوير وبناء مبان جديدة، يبرز فـي المقابل عدد كبير من الشركات العربية الاميركية الصغيرة والمطاعم فـي مدينة ديربورن. وبطريقة أو بأخرى، كل ما يستثمرونه فـي ديربورن يعود فـي المحصلة بالنفع لجاليتنا».
وشددت بيضون على «ان الروح التجارية للجالية العربية الأميركية شكلت وتشكل قوة مستمرة للانتعاش الاقتصادي فـي ديربورن».
واستدلت بيضون على شارع وورن «الذي هو رمز منطقة الأعمال التجارية المزدهرة اليوم، لكنه كان جزءاً من مدينة أشباح فـي عام 1980 قبل أن يبدأ العرب الأميركيون بفتح المحلات التجارية. كما لا يجب ان نستهين بملكية الأعمال التجارية العربية التي تتوسع أيضاً فـي غرب ديربورن. والقاعدة السكنية العربية التي بعثت الاستقرار لسوق الإسكان.
وختمت بيضون «لقد اختارت شركة فورد، ديربورن مقراً لها منذ البداية لكن مدراءها شهدوا المسار التصاعدي للتنمية الاقتصادية هنا ايضاً وهم لو وجدوا ان المدينة فـي حالة ركود اقتصادي لا أعتقد أنهم كانوا سيستثمرون كل هذا».
كما أشادت سهيلة أمين، منسقة القبول والتجنيد للطلاب الأجانب فـي «جامعة ميشيغن» فـي ديربورن، بالمشروع واصفة إياه بأنه مثير جداً، ومضت تقول «من خلال مشروع استثمار فورد تظهر شركة «فورد» للعالم أن هذا هو المكان الذي يرحب بجميع الجماعات وهذا هو المكان الذي سينمو ويتطور».
أمين أشادت بـ«فورد» وتاريخها بسبب «ترحيبها وتوظيفها للمهاجرين لأكثر من قرن من الزمان ولأن الشركة ومؤسستها غير الربحية دعمت المبادرات الاجتماعية والمدارس والمنظمات المدنية».
وتابعت «إنهم يرون بأنفسهم إمكانية استمرار النمو هنا وهم لم يستثمروا فقط فـي المدينة، ولكن أيضاً فـي كل ما حولها».
وشددت أمين على أن ارتباط العرب الأميركيين بشركة «فورد» لا يمكن تجاهله. وقالت إن جدها عمل فـي الشركة فـي عام 1940 وبعد ذلك اشترى أسهماً فـي الشركة.
إشادات رسمية
وأشاد حاكم ولاية ميشيغن، ريك سنايدر، والنائبة فـي الكونغرس الأميركي عن المنطقة، ديبي دينغل، بخطة «فورد» الطموحة. وقال الحاكم الجمهوري فـي بيان صدر عنه الثلاثاء الماضي إن «إعلان «فورد» يثبت على أن ميشيغن تستعد لتكون ولاية رائدة فـي القرن الـ٢١ فـي مجال صناعة السيارات وفـي مجال التكنولوجيا والابتكارات الحديثة».
وأضاف البيان «أن شركات مثل «فورد» تساعد ميشيغن على بناء اقتصاد حديث يقوم على توظيف المواهب والاحتفاظ بها».
من جهتها صرحت النائبة الديمقراطية دينغل فـي بيان آخر انها شعرت بسعادة عارمة عندما سمعت الخبر. وذكرت ان «هذا الاستثمار المهم فـي موارد ميشيغن البشرية ومستقبل صناعة السيارات سوف يساعد على جذب الشركات الناشئة والمزيد من الناس إلى الولاية – وأيضاً يؤكد أن ميشيغن لا تزال مركز صناعة السيارات فـي العالم، وهي صفة لن نتنازل عنها لأي دولة أو ولاية أخرى».
تفاصيل خطة «فورد»
كشفت شركة «فورد» الإثنين الماضي عن خطة ضخمة بقيمة 1.2 مليار دولار سيتم إنفاقها على مدى السنوات العشر القادمة لإنشاء مقر رئيسي جديد للشركة مزود بأحدث الوسائل التكنولوجية ويستوعب ٣٠ ألف موظف بحلول العام ٢٠٢٦.
وسوف يبدأ العمل ببناء المقر الجديد فـي الشهر الجاري بمركز الهندسة والأبحاث التابع لـ«فورد» والذي يحتوي حالياً على 12 ألف موظف، ومن المتوقع استكمال غالبية الإنشاءات بعد عشر سنوات وفق الخطة التي قدمتها الشركة عبر فـيديو وصور لمقرها الجديد الخيالي.
ويتميز هذا المقر الرئيسي بأنه يتضمن أفضل ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة كما وأنه صديق للبيئة بشكل استثنائي. وأعلنت «فورد» أنها ستقوم بهدم 70 منشأة لبناء هذا المقر الجديد الخيالي وهو عبارة أيضاً عن مقر متكامل للموظفـين.
وستبلغ مساحة هذا البناء العملاق 7.5 مليون متر مربع وستتضمن هذه المساحة أماكن عمل تشتمل على جميع الأقسام بالشركة.
ستبدأ فورد ببناء المقر الجديد لاحقاً هذا الشهر وسيتم البدء بقسم الأبحاث والتطوير وسينتهي العمل عليه فـي عام 2023 كما سيحتوي أيضاً على مركز تصميم جديد وخدمات محسنة للموظفـين وخدمة اتصالات متطورة. وخلال السنوات الخمس القادمة سيبدأ العمل فـي المقر العام الرئيسي.
وقال روجر غوديت وهو مدير مرفق الإنتاج فـي ديربورن إنه مع النمو الذي تشهده الشركة أصبح لزاما جمع شتات العاملين فـي أنحاء متفرقة من ديربورن وجلبهم لموقع واحد ووضع خطط متماسكة للمستقبل. بينما قال الرئيس والمدير التنفـيذي مارك فـيلدز إن مساحات العمل التعاونية سوف تتيح للعاملين مزيدا من المرونة والتواصل. ومن جانبها قالت المسؤولة فـي الشركة دونا إينش إن هذا التحول يعد بمثابة «نقلة نوعية» مؤكدة بأن المشروع يركز على توفـير بيئة تعاونية وصحية وجذابة للموظفـين.
وقال راج ناير نائب الرئيس التنفـيذي لتطوير المنتجات والمدير الفني للتكنولوجيا «الهدف الأساسي من التغييرات الجديدة هو إتاحة الفرصة للموظفـين ليكونوا قادرين على العمل معا بشكل أفضل من أي وقت مضى» مؤكداً على أهمية توظيف التكنولوجيا لتعزيز الروح التعاونية بين العاملين، مع الحرص على توفـير مساحات خضراء فـي محيط المباني تتضمن مسارات للمشي واستخدام الدراجات الهوائية.
Leave a Reply