ترشيح السنيورة قرار خارجي لمحاصرة المقاومة من عاصمة الجنوب
تدخل اميركي مباشر للحفاظ على وحدة “١٤ آذار” وحصر الخلافات الانتخابية
شغلت الانتخابات النيابية في دورة العام ٢٠٠٥، الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، واصر ان تجري في موعدها في ٢٧ ايار من ذلك العام، دون ان يفسح لمجلس النواب المجال لاقرار قانون انتخاب كان الجميع يشكو انه من صنع المسؤول الامني السوري الفاعل في لبنان اللواء غازي كنعان، فحصلت الانتخابات بموجبه ، وضد شعارات “ثورة الارز” في السيادة والاستقلال والقرار الحر.
كان الرئيس بوش يفتش عن مكان ما لنشر الديمقراطية كما كان يزعم في مشروعه للشرق الاوسط الجديد لكنه فشل وخرج مهزوماً من البيت الابيض، عسكرياً في العراق وافغانستان وتسبب بحروبه الاستباقية، ونزعته التدميرية، وتوجهه مع “المحافظين الجدد” الذين استولوا على ادارته، بأزمة مالية واقتصادية عالمية، كان نصيب الولايات المتحدة الاميركية منها كبيراً، كما لم ينفع تركيزه على لبنان واهتمامه بأدق تفاصيله، في ان يشكل له واحة الديمقراطية التي ارادها، فكانت نتائج الانتخابات حصيلة تحالف رباعي، كان “حزب الله” جزءاً منه، واتى بالاكثرية لقوى “١٤ آذار”، التي لم تتمكن من ان تحكم خارج اطار هذا التحالف الذي انضم اليه لاحقاً “التيار الوطني الحر” برئاسة العماد ميشال عون من ضمن حكومة الوحدة الوطنية، التي فرضتها تطورات احداث ٧ ايار من العام الماضي، مما افقد ادارة بوش سيطرتها على القرار اللبناني وفرض وصايتها كاملة على لبنان، وقد ووجهت بممانعة قوية لها، قلصت من تاثيرها، بعد ان كان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ومن يمثل سياسياً قد وضع اوراقه في السلة الاميركية، وسار في نهج السياسية الاميركية، وتم التعبيرعن ذلك في العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف ٢٠٠٦.
فاهتمام الادارة الاميركية السابقة بالانتخابات جاء على خلفية اقامة مشروع “الشرق الاوسط الجديد” الذي اسقطته المقاومة في صمودها خلال ٣٣ يوماً من الحرب الاسرائيلية، ولم يعد لبنان في السنتين الاخيرتين، وبعد فوز الحزب الديمقراطي بالانتخابات في مجلس النواب والشيوخ ثم بالانتخابات الرئاسية بوصول المرشح الديمقراطي باراك اوباما الى البيت الابيض، يحتل حيزاً اساسياً في خارطة الادارة الديمقراطية الجديدة، سوى رفع شعارات ضمان سيادة لبنان واستقلاله.
لكن هناك ثابتة في السياسية الاميركية، تتعلق بامن اسرائيل، وهو الذي يجعل اي ادارة اميركية ملتزمة به، وهو الذي يعمل من اجله السفراء الاميركيون في الخارج، وهذا ما تفعله السفيرة في لبنان ميشيل سيسون، كما سلفها جيفري فيلتمان الذي اصبح مساعداً لوزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط، حيث يتم التركيز على عدم فوز المعارضة ومن ضمنها تحديداً “حزب الله” في الانتخابات النيابية المقبلة، وتأمين اكثرية في مجلس النواب، تعبر من خلالها الى رئاسة الحكومة وتمسك بالقرار داخل السلطة التنفيذية.
فالقلق الاميركي من فوز المعارضة، يبرز في اكثر من محطة، وقد جاء فيلتمان الى لبنان، واجتمع الى حلفائه في قوى “١٤ آذار”، ودعاهم الى التوحد، بعد ان ظهرت عليهم الخلافات في توزيع المقاعد النيابية، وحثهم على الحفاظ على الاغلبية، ودعاهم الى تامين كل مستلزمات فوز “مسيحيي الموالاة” وخصوصاً “القوات اللبنانية”، التي تمثل رأس الحربة في “المجتمع المسيحي” بمواجهة “التيار الوطني الحر” وحلفائه من المسيحيين الداعمين للمقاومة والمتحالفين معها ومن يقف وراءها في سوريا وايران.
شجع الدبلوماسي الاميركي “ثوار الارز” ان يبقوا على مبادئهم وشعاراتهم، وهو طلب منهم تنظيم صفوفهم وامّن لهم الدعم المالي، وحثّ الدول العربية المعتدلة، لا سيما السعودية على صرف الاموال للانتخابات، وهذا ما حصل حيث بدات الشكوى من صرف المال الانتخابي ومن الرشاوى الانتخابية، عبر مشاريع تعبيد الطرقات وافتتاح مدارس ومستوصفات، وتوزيع بطاقات صحية وادوية الخ…..
حثت الادارة الاميركية حلفاءها على اجتياز الانتخابات النيابية، بأقل الخسائر الممكنة والحفاظ على المعادلة القائمة، اذ ثمة خشية من ان تفقد قوى “١٤ آذار” الاغلبية النيابية، اذ ان الصراع هو على اربعة او خمسة دوائر انتخابية، تمثل حوالي ٣٠ نائباً، وهي تتركز في المناطق المسيحية، حيث الثقل الشعبي للعماد عون، وتصب المعركة على تحجيم تمثيله النيابي، وقد وصف هو الحرب عليه في الانتخابات بـ”الكونية” اذ يتم تجييش العالم ضده، فتسعى دول عدة لاسقاطه كما تصرف الاموال لنقل المغتربين للتصويت ضده، وكل ذلك من اجل تعرية “حزب الله” من حليف داخلي له وزن تمثيلي عند المسيحيين وقف الى جانب المقاومة، التي لا بدّ من محاصرتها داخلياً بتأليب الرأي العام اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً ضدها، اذ يخوض “الفريق المسيحي” في “١٤ آذار” الانتخابات تحت عنوان نزع “سلاح المقاومة” لاستقطاب “الصوت المسيحي” وخلق مناخ مسيحي رافض لتوجهات عون السياسية، لا سيما بعد زيارتيه الى كل من طهران ودمشق، وهو ما تقول الموالاة انه ضد “المزاج المسيحي”.
فكل التوجه الاميركي، هو لمنع فوز المعارضة، وقد كشفت المعلومات عن ان جهازاً في السفارة الاميركية، مرتبط بالخارجية في واشنطن، كلف بمتابعة الانتخابات بأدق تفاصيلها، وفرزت المخابرات الاميركية فريقاً ايضاً لهذه الغاية، ووضع التقارير بشأنها، وكيف يمكن التعاطي معها.
وقد جمعت السفارة معلومات من كل مكاتب الاحصاء التي تعنى بالانتخابات للوقوف على نتائجها، حيث بينت التقارير الاولية، عن فوز المعارضة بحوالي ٧٠ نائباً، وهو ما سبق للسفير السعودي السابق في لبنان عبد العزيز خوجه، ان اكده امام حلفائه، ورفع تقريراً لبلاده بأن المعارضة قد تفوز بستة نواب فوق النصف زائداً واحداً، وهذا ما عجّل بان ترسل السعودية الاموال المناسبة لحلفائها، قبل اشهر لدعمهم.
وقد ساهمت السفارة الاميركية في بيروت، بتذليل الخلافات حول توزيع المقاعد بين قوى “١٤ آذار”، ففرضت على النائب وليد جنبلاط التخلي عن ثلاثة مقاعد في الشوف وعاليه وبعبدا لصالح مسيحيي الموالاة، فاعطى مقعداً “للقوات اللبنانية” في الشوف للنائب جورج عدوان، ومقعدين لحزب الوطنيين الاحرار في الشوف وبعبدا ( دوري شمعون والياس ابو عاصي) ومقعداً لحزب الكتائب في عاليه (فادي الهبر) وهذا المقعد خسره “تيار المستقبل” من حصته ايضاً لان النائب انطوان اندراوس محسوب عليه، كما قدم “تيار المستقبل” مقعداً في طرابلس لمرشح الكتائب سامر جورج سعادة، لوقف الخلافات بين الكتائب والقوات على المقعد الماروني الثاني في البترون، كما استرضى الكتائب بمقعد ارثوذكسي في عكار بمرشح يعتبر وسطي بين الكتائب و”تيار المستقبل” نضال طعمة.
والتدخل الاميركي في الانتخابات بات واضحاً لجهة الحملة السياسية والاعلامية التي بدأتها السفيرة سيسون، واعتبار “حزب الله” تنظيماً ارهابياً، والتخوف من فوزه مع حلفائه في الانتخابات، وان لبنان سيحاصر مالياً واقتصادياً، وهو الكلام الذي يكرره حلفاء اميركا، بانهم لا يريدون تحويل “لبنان الى غزة”، كما حصل في القطاع بعد النتائج التي حققتها حركة “حماس” بفوزها في الانتخابات التشريعية، والحصار الذي ضرب على غزة، اضافة الى التهويل من ان فوز المعارضة سيتسبب بكارثة اقتصادية للبنان، ولن يعطى المساعدات والمنح والقروض التي اقرت في مؤتمر باريس-٣.
ولا يدرك هؤلاء، ان “حزب الله” موجود في مجلس النواب بكتلة نيابية منذ العام ١٩٩٢، وهي تضم ١٤ نائباً، وشارك في الحكومات التي اعقبت الانسحاب السوري من لبنان، منذ العام ٢٠٠٥ الى الحكومة الحالية والسابقة برئاسة السنيورة، مما يؤكد سقوط كل المخاوف التي يتم ترويجها عن فوز “حزب الله” في الانتخابات.
لان هذا التنظيم يمثل شريحة شعبية كبيرة، وهو يحظى على تأييد اكبر نسبة من الناخبين الشيعة في الدوائر التي يمثلها لا سيما في الجنوب البقاع وبعبدا وبيروت وقد اعترف به العديد من الدول، واقاموا حواراً معه، واعتبروه حزباً مقاوماً وليس ارهابياً كما تدّعي الادارات الاميركية، ولم يوافق الاتحاد الاوروبي على وصفه بـ”الارهاب” ووضعه على لائحة المنظمات الارهابية وهو ما فتح الباب لدعوة وزير الخارجية البريطانية الى الحوار معه مما اثار غضب مسؤولين اميركيين.
وتبرز البصمات الاميركية في الانتخابات النيابية بترشيح السنيورة الى الانتخابات في صيدا، حيث كانت المفاجاة، لان الدورات السابقة التي كان الجنوب دائرة واحدة، وكان الصوت الشيعي مؤثراً، كان يترك مقعد للنائب بهية الحريري من ضمن التوافق في الانتخابات، وقد سعى الرئيس نبيه بري بعد التقسيمات الانتخابية الاخيرة وفق قانون ١٩٦٠ والتي ستجري الانتخابات على اساسه والذي فصل صيدا عن الدوائر الاخرى، الى ابقاء التوافق قائماً، والحفاظ على المقعدين السنيين للحريري والنائب اسامة سعد، لكن لم يتم التجاوب معه، وقرر رئيس الحكومة ترشيح نفسه، ولم يتجاوب مع النصائح التي دعته الى ان يبقى خارج لعبة الانتخابات ليشرف عليها من موقع الحياد، وتكون بعيدة عن تأثيرات السلطة، وقد اعتبرت المعارضة ان ترشيح السنيورة، يدخل في اطار نهج آل الحريري باقفال “البيوت السياسية” واخراج عائلات سياسية سنية من العمل السياسي، وهذا ما اقدم عليه الرئيس رفيق الحريري مع حلفائه من المسؤولين السوريين الذين امسكوا بالملف اللبناني، فافشلوا في الانتخابات الرئيس سليم الحص، وقبله الرئيس عمر كرامي والنائب تمام سلام الخ…
ويذهب البعض في المعارضة الى المعنى السياسي لترشيح السنيورة، في عاصمة الجنوب، وهي بوابة المقاومة، التي منها يمكن محاصرتها ، بمحاولة اقصاء آل سعد المشهود لهم بتاريخهم المقاوم منذ الشهيد معروف سعد الذي قاتل في فلسطين، ودافع وحمى المقاومة الفلسطينية في لبنان، وسار على نهجه نجليه مصطفى واسامه، وقد تعرض الاول لمحاولة اغتيال على يد عملاء العدو الاسرائيلي اثناء الاجتياح الصهيوني للبنان.
فترشيح السنيورة رسالة سياسية، موجهة الى المقاومة، وهي تعاكس الجو الوفاقي في البلد، وترفع من وتيرة التصعيد السياسي، ومن حمى المعركة الانتخابية، اذ لصيدا خصوصية معينة، قد يسبب استمرار السنيورة في ترشحه الى خلق اجواء امنية مضطربة تنعكس على الوضع السياسي والامني العام.
فترشيح السنيورة رسالة اميركية وعربية، وهي تأمين الحصانة له من خلال موقعه النيابي، لانه مرّ في تجربة سابقة، عندما خرج من الحكومة في العام ١٩٩٨، فاستدعي الى القضاء، ويخشى ان تتكرر المحاولة مره ثانية.
Leave a Reply