بلال شرارة
إني أتأفف، يحقّ لي أن أفعل ذلك. لأن كل الناس يريد مني أن أقوم الى صباحاتها، أن أحرس لها الديمقراطية وأنا على ريق بطني.
أن تكون قد كذَبت عليّ وأن أكون قد صدّقتها واقتنعت بمدى حرصها على المصير الوطني، كل الناس تريد لي ان أصدقها وهي تكذبني (عينك بنت عينك) وهي الناس (تفعل وتترك) وتريد لي أن أشهد بعفتها و«على عينك يا تاجر» تمارس غيابها فـي حضورنا وما لنا إلا إن نشهد لها عند الأمير.. وإلا فإن رأسنا سيطير.
الناس، كل الناس الذين أعرفهم، أعرفهم جيداً أو بالكاد أعرفهم. يريد مني أن أقوم بأشغالها، أن أقرأ دروسها وأكتب فروضها.. ولولا أني أجد من الصعوبة بمكان أن أحفظ جدول الضرب عن ظهر قلب لكنت فعلت.
ثم إني تلميذ فاشل فـي قواعد اللغة الاجنبية، بل والعربية أيضاً، أحب لو أغادر جلدي عندما تبدأ حصة القواعد، إذ لا أجد فائدة من أن أكون متمكنا من فعل «فارب آتر» بماذا سينفعني فـي حياة الدنيا وكذلك فـي الآخرة؟
أنا أتأفف، منزعج، متوتر، غاضب، متورم من الضغط النفسي، أكاد أنفجر وأحتاج إلى أن آخذ ناصية، مكاناً بعيداً عن هذا العالم حيث لا اقيم فـي مكانكم وزمانكم، حيث أجلس ووجهي فـي وجه الحائط.
أنا هكذا أصدق أني أرى وجهي فـي مرآة الجدار! أعرف أن هذا أمر لم يخطر على بالكم، أنا مؤخراً أتصرف بغرابة (الجنون فنون). أنا كنت اتخيل نفسي هكذا أسير فـي شارع طويل بدون نهاية ومتحرر من وسائل النقل وانا مرتدٍ «شورتاً» وحليق الشعر تماماً واحمل بين يدي «فرنينة» كتلك التي كنت أحبها فـي صغري.
واستمر هكذا أسير وأسير وأسير، حتى يشرق على روحي الصبح وتتنفس الياسمينة فـي أرض الدار، فألملم أطراف خيبتي وأعود الى السير.
أنا متعب تماماً، ولا زلت لم افهم، أن المشكلة تكمن فـي أن مبادراتي تتغلب على لا مبالاتي عكس الآخرين. لا زلت لا افهم لماذا أسرح الى عملي منذ الصباح وكأني قطيع ماعز، أسير بعرض الطريق، أتنفس بالعرض، أشاهد حركة الناس بالعرض، أحمل الخشبة بالعرض، أسوق الناس كلهم بخشبة واحدة.
وأنا لا زلت كما أنا لم افهم بعد أن أكوي الصباح لأرتديه الى المساء، عكس أفكاري فأنا لا أكويها البتة، احملها «مجعلكة» (طالعة نازلة) اطلقها على عواهنها أحيانا تصيب وغالباً تخيب ولكني لا أعاقب نفسي بل أضحك عليها ولها، وامضي فـي طريق وكأن شيئا لم يكن.
مؤخراً اكتشفت أن اللامبالاة، بل «التطنيش»، هو أمر فـي محله وأن البني آدم لا يأخذ معه شيئاً عندما يعيد وديعة روحه الى باريها، عندما اكتشفت الأمر كان قد فاتني كل شيء وكانت روحي قد «طلعت من مناخيري». يا جماعة الخير «طرّوها شويّ».
لا أريد أكثر من فرصة فقط لبذار روحي فـي «مسكبة» دُخان وغداً عندما تمسكون «العاتول» فـي موسم «المشاتل» ترفقوا بشيء كان أنا.
Leave a Reply