البصرة – يسود جو من الترقب في العراق من تداعيات الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات بين جيش المهدي من جهة والقوات الأميركية والعراقية من جهة ثانية، وبخاصة خلال الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
فقد فرض التلويح الأخير لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بـ «الحرب المفتوحة» حالة من التوجس على الساحة السياسية العراقية، فتحت معها الباب أمام طروحات مختلفة تتناول نتائج وانعكاسات «المواجهة الموسعة» إذا وقعت.
وقد قررت الحكومة العراقية أن الوقت حان للقضاء نهائياً على «جيش المهدي» وتيار مقتدى الصدر. ويستعد المالكي الذي تمترس في البصرة، المدينة الجنوبية التي تسبح على بحر من النفط، للحرب المفتوحة متجاهلا كل المصاعب التي تمر بها بلاده واضعا نصب عينيه هدفا واحدا: الصدريونً.
فبعد جولة أولى من الحرب على «جيش المهدي» خرج منها المالكي بهدنة مريرة لن يتوانى رئيس الوزراء العراقي بالاستعانة التامة بجيوش الاحتلال لحسم الجولة الثانية لاستعادة كرامة هدرت الشهر الماضي.
فقد انتهت معارك البصرة في الجولة الأولى بوقف متبادل للنار، لكن الحرب لم تتوقف. فقد انتقلت المواجهات الى العاصمة بغداد وأصبحت مدينة الصدر محور العمليات. وتحول معقل التيار الصدري الى هدف مركزي للعناصر الحكومية، وللقوات الأميركية التي سرعان ما اسقطت عليه ما تعلمته من حلفاء في أماكن غير بعيدة: جدران اسمنتية تسلخ المدينة الصغيرة عن مدينتها الأكبر.
جاءت هذه التطورات الميدانية بعد أشهر تحدثت فيها الأنباء عن تراجع العنف في العراق، انجرفت فيها البلاد نحو الفوضى من جديد. وسقط المئات من القتلى والجرحى المدنيين والعسكريين.. كما تشرد آخرون، وهجّر المزيد. لم تكد تلتقط البلاد أنفاسها حتى وجدت نفسها أمام معركة سياسية-عسكرية من نوع آخر.
وفي ظل بوادر الفشل التي طبعت بدايات الحملة العسكرية، اجمع المحللون على ان المالكي والادارة الاميركية اقدما على مغامرة حاسمة وضعت مقتدى الصدر في موقع الرابح. فالمجازفة هي امام جيش المهدي الذي كان للاحتلال الاميركي معه صولات وجولات خاصة في العام 2004، حين فاجأ صمود هذه الجماعة المسلحة الطرية العود الحاكم المدني بول بريمر وتمكنت من السيطرة على عدد من مناطق الجنوب.
والصراع الشيعي الشيعي ليس العنوان الوحيد لهذه الحملة. فالأميركيون يعتبرون ان مقتدى الصدر يشكل عقبة في وجه محاولتهم ممارسة احتلالهم للعراق بشكل طبيعي، نظرا الى المسار «غير التوافقي» الذي انتهجه. لذا كان لا بد من تحرك يقضي على تيار الزعيم الشاب ويستبدله بجماعة أكثر طواعية.
منذ معارك النجف قبل أربعة أعوام (في صيف العام 2004) حاول الصدر تجنب المواجهة المباشرة مع الاحتلال. وتحت رعاية المرجعية الشيعية العليا، وافق على الهدنة ووقف إطلاق النار. وفي الآونة الأخيرة مدد تجميد أعمال جيش المهدي من اجل «تطهيره من العناصر المارقة»، رغم أن البعض يشير إلى محاولة الصدر إعادة تسليح جيشه وتنظيمه.
وبما أن المعارك الحالية أثبتت ان جيش المهدي يستطيع بالفعل مقاومة أكثر من جيشين، فإن المحللين اجمعوا على ان القضاء على التيار الصدري «مستحيل» في الوقت الحالي، خاصة في ظل تغلغله داخل الإحياء الفقيرة في بغداد، والجنوب خاصة، ونظراً إلى كونه يتمتع بدرع شعبي اكتسبه جراء المساعدات التي يقدمها لتسهيل حياة شرائح كبيرة من العراقيين الفقراء.
الصدر والأميركيون
وفي دليل على نفوذ وقوة الصدر دعت القيادة الاميركية في العراق الاربعاء الزعيم الشيعي الى استخدام نفوذه للحد من اعمال العنف المتواصلة في بغداد. وصرح الجنرال لويد اوستن مساعد قائد القوات الاميركية في العراق للصحافيين «نامل ان يستخدم مقتدى الصدر ما لديه من نفوذ على قواته لوقف العنف والعمل من اجل السلام».
ونسب اعمال العنف الاخيرة الى «مجموعات خاصة» وهي عبارة يشير بها الاميركيون الى المقاتلين الشيعة الذين يشتبه في ان الاجهزة الايرانية تدربهم وتجهزهم وتمولهم.
واكد لويد اوستن ان «المجموعات الخاصة ما زالت تستهدف المدنيين ويجب معاقبتها. لقد مل سكان مدينة الصدر» من العنف.
وتجري مواجهات منذ نهاية اذار (مارس) بين القوات النظامية العراقية والوحدات الاميركية من جهة والميليشيات الشيعية من جهة اخرى في هذا الحي الشعبي وذلك في سياق الهجوم الذي امر بشنه رئيس الوزراء نوري المالكي على الميليشيات الشيعية في البصرة (جنوب).
واكدت القيادة الاميركية ان هدفها في مدينة الصدر هو تخليص هذه المنطقة من فرق تطلق قذائف الهاون وتستهدف بقية انحاء بغداد لا سيما المنطقة الخضراء المحصنة حيث مقر الحكومة العراقية والسفارة الاميركية.
وهدد مقتدى الصدر الذي يرفض الاحتلال الاميركي في 19 نيسان (ابريل) بشن «حرب مفتوحة» اذا لم يتوقف الهجوم على مناصريه. ورد الجيش الاميركي انه قادر على التصدي لهجوم ميليشيا الصدر التي يقدر عدد عناصرها بنحو ستين الفا في مختلف انحاء البلاد.
لكن القيادة الاميركية رفضت اتهام ميليشيا مقتدى الصدر، جيش المهدي، صراحة لا سيما انه يحترم اتفاق هدنة منذ اب (اغسطس) 2007.
وقال الناطق الرسمي باسم الصدر الشيخ صلاح العبيدي أنه «إذا كانت الحكومة تلح في موضوع استهدافها للصدريين ولجيش المهدي، فليس أمام السيد مقتدى إلا أن يعلن الحرب المفتوحة ضد الاحتلال وهو واجبنا الوطني والشرعي تجاه العراق».
ويلقي العبيدي بمسؤولية المواجهة ان حصلت على عاتق الحكومة، قائلا إن «على الأطراف الأخرى ان تختار ما تريد.. من الوهلة الأولى دعا السيد مقتدى إلى حل هذا الموضوع بالحوار سيما وان هناك انعدام ثقة بين الحكومة والشعب، وعليه كان يجب بحث الأسباب التي أدت إلى فقدان تلك الثقة بين الطرفين».
من جهته، يقول النائب السابق كريم البخاتي انه «في حال انتصر الصدريون وأبناؤهم، يبقى بين هؤلاء المنخرطين في قوات الشرطة والجيش، لذا فإن العملية ستعود بالخسارة على كل الشعب العراقي.. التيار سيخسر أبناءه والحكومة كذلك ستخسر الكثير». ويوضح أنه «في المحصلة النهائية، سيكون التيار الصدري بقاعدته الشعبية الكبيرة المنتصر الكبير والخاسر الكبير في آن واحد. لكنه اعتبر ان العقاب الجماعي الذي تمارسه الحكومة بحق العراقيين سيجعلها الخاسر الوحيد، سيما وان قاعدة كبيرة من الجماهير كانت قد انتخبت تلك الحكومة.
ووسط هذه التجاذبات، لمن يكون الانتصار إن حصلت المواجهة؟ وهل هناك خاسر؟ وماذا سيكون موقع مقتدى الصدر بعدها؟ هل يخرج ضعيفاً، أم قوياً بقاعدته الجماهيرية الواسعة؟
Leave a Reply