كمال ذبيان – «صدى الوطن»
في الوقت الذي كانت تحاول فيه الحكومة اللبنانية ترميم نفسها، إثر استقالة وزير الخارجية ناصيف حتّي، هزّ بيروت ومعظم لبنان انفجار هائل لم يشهد له لبنان مثيلاً لا أثناء حربه الأهلية ولا بحروبه مع العدو الإسرائيلي. وعلى الرغم من حجم الدمار والأسى الذي لحق باللبنانيين، سارع معارضو الحكومة إلى محاولة تسييس الحادث الغامض وتصويب سهامهم على العهد والمقاومة…
الحكومة برئاسة الدكتور حسان دياب كانت قد تعرضت لانتكاسة لم تكن متوقعة، باستقالة حتّي، التي فاجأت المسؤولين اللبنانيين، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي سمّى حتّي من حصّته في الحكومة، وكذلك الرئيس دياب، الذي يؤكّد أنه لم تكن للاستقالة مقدمات، إذ لم يعرض الوزير المستقيل معه ولا على طاولة مجلس الوزراء، ما جاء في استقالته، التي ربطها البعض بالاشتباك الدبلوماسي الذي حصل بين دياب ووزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان.
الاستقالة الصدمة
شكّلت استقالة الوزير حتّي صدمة سياسية، لأنها جاءت في غير السياق الذي تعكسه الحكومة بأنها متضامنة ومنسجمة، ولأن وزير الخارجية لم يشكُ من تجاوزات في وزارته التي يقال إنها مازالت تحت سيطرة الوزير السابق جبران باسيل، وأن حتّي الذي سُمي من قبل «التيار الوطني الحر»، منزعج من أنه مكبّل بآلة باسيلية في الخارجية.
وبالرغم من أن حتّي رفض ربط استقالته بخلاف بينه وبين باسيل إلا أن العديد من المؤشرات تؤكد على وجود ذلك الخلاف حيث تشير التحليلات إلى أن باسيل أراد تشكيلات دبلوماسية يرتّبها هو، وهذا ما لم يقبل به الوزير حتّي الذي شعر بمحاولات تهميشه، سواء في عدم دعوته إلى اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة مع وزير الخارجية الفرنسي، أو عبر إيفاد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى الكويت وقطر.
ويقال كذلك إن الوزير المستقيل لم يتحمّل أن يلجأ رئيس الحكومة إلى صدام مع الوزير الفرنسي، الذي جاء إلى لبنان لتقديم المساعدة والنصيحة، باعتبار أن فرنسا مازالت تهتم بلبنان، وقد قدّمت له مؤتمر «سيدر» وتعمل على منع انهياره، بحسب لودريان، الذي حضر لإنقاذ «الدولة الفرنكوفونية» من السقوط، إذ اعتبر حتّي، بأن تصرّف الرئيس دياب، كان بعيداً عن لغة الدبلوماسية التي يتقنها وزير الخارجية الذي أمضى عقوداً في جامعة الدول العربية، وكان مندوباً لها في باريس وأسّس له صداقات في فرنسا، ومنها مع لودريان.
غموض الاستقالة
كل هذه الأسباب، التي قيل إنها وراء استقالة حتّي، بقيت غامضة، سوى ما أعلنه في بيان الاستقالة، من أن لبنان يتّجه ليصبح دولة فاشلة، إذا استمر أداء الحكومة الحالية على وضعه، مشيراً إلى أنه شارك فيها من موقع مَن يريد الإنقاذ والإصلاح، لكنه جوبه بأصحاب مصالح، كما في تضارب المصالح داخل الحكومة التي لم تحقّق أيّ تقدّم باتّجاه إنقاذ المركب من الغرق، كما قال حتّي في أسباب استقالته، التي علّلها بأن لبنان فقد دوره، ويعيش عزلة عربية ودولية، ليختم بأنه قبل أن يكون وزيراً عند رب عمل اسمه لبنان، تبين له، أن للبنان أرباب عمل ومصالح، ولا يمكن لهؤلاء أن ينقذوا الوطن من مزيد من الانهيار والسقوط، وفق توصيف حتّي الذي رأى المشهد سوداوياً، وهو واقع الحال بلا شك، لأن الحكومة لم تلجأ إلى قرارات حاسمة، للخروج من الأزمة الوجودية التي يمرّ بها اللبنانيون.
الحكومة باقية
بعد ساعات من استقالة حتّي، سارع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، إلى تعيين بديل عن الوزير المستقيل، لمنع حدوث أزمة وزارية، فقُبلت الاستقالة فوراً، وحلّ محله مؤقتاً الوزير دميانوس قطار، لكن الرئيس عون، سارع إلى اقتراح تعيين مستشاره الدبلوماسي السفير شربل وهبي، وزيراً للخارجية، مخمداً بذلك استقالة حتّي، التي حاولت أطراف سياسية استغلالها، للتصويب على الحكومة ومعها العهد.
وأول مَن فعل ذلك كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي حيّى جرأة الوزير حتّي، الذي قيل إن استقالته جاءت أيضاً، تلبية لضغوط خارجية تستهدف الحكومة، المتهمة بأنها حكومة «حزب الله»، وإن المساعدات الخارجية للبنان مرتبطة، بولادة حكومة جديدة لا تكون تحت نفوذ المقاومة المرتبطة بإيران، وهو كلام يتكرر على لسان العديد من المسؤولين الأميركيين والأوروبيين وكذلك العرب، إلا أن رئيسي الجمهورية والحكومة، ومع المكونات السياسية للحكومة، تداركوا الأمر بسرعة وعجلوا في تعيين البديل، في رسالة واضحة لمن كان يريد استغلال استقالة حتّي، بأن الحكومة باقية ومستمرة.
جرس إنذار
استقالة الوزير حتّي، التي كان من المفترض أن تكون محل سجال سياسي طويل، طويت بسرعة، غير أنها دقّت جرس إنذار للحكومة لكي تعمل بجد أكبر لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، لا أن تبقى تراوح مكانها، وتستمر في حالة تحميل الحكومات السابقة مسؤولية الانهيار، على الرغم من صحة هذا الاتهام.
فعلى الحكومة أن تثبت جدارتها في تحقيق إنجازات، وقد قال رئيسها إنها حقّقت 97 بالمئة مما وعدت به، لكن عملياً لم تتحسّن أوضاع المواطنين، بل زاد انقطاع الكهرباء وظهرت أزمة محروقات وسيطر التجار والمحتكرون على الأسواق التي بقيت رقابة وزارة الاقتصاد عليها محدودة جداً لقلة المراقبين، ولتواطؤ بعضهم مع التجار.
وقد كشف رئيس الحكومة عن تواطؤ أمني–قضائي–إداري، يعمل على تأجيج الأزمة المالية–الاقتصادية–الإجتماعية، عبر استغلال كسل بعض الوزراء وإبقاء سعر صرف الليرة متفلتاً أمام الدولار، مما أدى إلى تبخر دعم السلة الغذائية لصالح التجار، وهو ما طرح إمكان إجراء تعديل وزاري، وتنحية وزراء لا ينتجون، وقد جرى التداول بأسماء وزراء الاقتصاد والعمل والإعلام والمال لتغييرهم.
لكن هذا الإجراء لم يحصل. فالحكومة لم يمر على ولادتها إلا نحو ستة أشهر، وهناك من يؤكد أنها يجب أن تأخذ مزيداً من الوقت للحكم عليها، خاصة بعد أن ضرب وباء كورونا العالم، وهزّ اقتصاده وأدخل الخوف والقلق لدى الشعوب، فانشغلت الحكومة بالفيروس، وتلكأت عن أوبئة أخرى يعاني منها لبنان، كالفساد والمحسوبية التي ما زالت قائمة وظهرت في تعيينات أجرتها الحكومة ووضعتها أمام الامتحان، وقد جاءت على أساس المحاصصة السياسية والطائفية مغلفة بالكفاءة، وهذا ما شكّل سلبية في عملها وأدائها، حتى بحسب بعض الداعمين لها.
دياب باقٍ
إزاء هذه التطورات، من غير المتوقع أن يقدم الرئيس دياب شخصياً على الاستقالة وهو الذي قبل التحدي، لذلك فإن سقوط الحكومة لن يتحقق إلا في حال قررت مكوناتها عدم الاستمرار، عندها كل ما يتعين فعله هو استقالة ثلث أعضائها أو حجب الثقة عنها في مجلس النواب.
هذان الخياران يجعلان الحكومة مستقيلة دستورياً، لكن هذا التوجه غير موجود، فلا رئيس الجمهورية بوارد رفع الغطاء عنها، لأن البديل متعذّر حالياً، ولا «حزب الله» أيضاً، الذي يريد الاستتقرار السياسي في ظل الأزمة المالية والاقتصادية المتفاقمة، والتهديدات الإسرائيلية القائمة. فالحزب مع دفع الحكومة نحو مزيد من القرارات، لاسيما لمعالجة الوضع المعيشي الذي يزداد تدهوراً في ظل حالة شبه الحصار المفروضة على لبنان، من قبل أميركا ودول حليفة لها.
بيروتشيما
وفيما كانت الحكومة تحاول ترميم نفسها، جاء انفجار بيروت وحجم الدمار الصادم، الذي يذكر بالخراب الذي أصاب مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في نهاية الحرب العالمية الثانية، لتظهر معه –بعد أقل من ربع ساعة على وقوعه في المرفأ– تصريحات مسؤولين في فريق «14 آذار» وأعلامه عبر قنوات تلفزيونية محلية وعربية ودولية، زعمت بأن المستهدف كان مخزن سلاح لـ«حزب الله»!
التحليلات المتسرعة جاءت في إطار حملة التعبئة ضد سلاح المقاومة لنزعه، وقد قيل إن طائرة إسرائيلية استهدفت المرفأ، ليتبين لاحقاً بإن في العنبر 12 جرى تخزين نحو 2700 طن من مادة الأمونيا المتفجرة التي صودرت من باخرة مخالفة قادمة من جمهورية مولدافيا ومتوجهة إلى الموزامبيق عام 2013 وهي منذ ذلك الحين –ورغم خطورتها– تعالج بالإهمال والمماطلة والحماية من قبل مسوؤلين إمنيين وقضاة وسياسيين إلى أن وقعت الكارثة لتشهد على اهتراء الدولة وفشلها.
تشكلت لجنة تحقيق لكشف الحقائق وقد وعد رئيس الحكومة بمعاقبة المتسببين بالكارثة التي أدت إلى استشهاد أكثر من 137 شخصاً وجرح الآلاف وفقدان العشرات وفق الإحصاءات الأولية عدا عن الدمار الشامل الذي لحق بالعاصمة. وهو ما دفع الحكومة إلى اعتبار بيروت «مدينة منكوبة» فاندفع العديد من الدول إلى تقديم المساعدات لبلد يمر بأزمات خانقة وانقسام سياسي حاد لم تقوَ الكارثة على حلحلته بين القوى السياسية والحزبية التي تتطلع إلى تسجيل النقاط ضد هذا الفريق أو ذاك، فيما تترنح البلاد الآيلة للسقوط بالضربة القاضية.
Leave a Reply