بعد فشله في حشد التأييد اللازم في البرلمان الكندي
أوتاوا
في ظل معارضة سياسية متنامية، اضطر رئيس الحكومة الكندية، جاستين ترودو، يوم الأربعاء الماضي، إلى وقف العمل بقانون الطوارئ بعد تسعة أيام على تطبيقه لقمع الاحتجاجات التي يقودها سائقو الشاحنات –منذ أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي– رفضاً للأوامر الحكومية المتعلقة بوباء كورونا.
وجاء تراجع ترودو المفاجئ بعد فشله في حشد التأييد اللازم لقانون الطوارئ في مجلس الشيوخ الكندي، رغم تمكنه من الحصول على غطاء مجلس العموم (النواب)، مساء الثلاثاء الماضي، عبر تأمين أغلبية طفيفة من خلال تحالف النواب «الليبراليين» مع «الديمقراطيين الجدد».
وكان ترودو قد أعلن اعتزامه مواصلة حالة الطوارئ لملاحقة المتظاهرين، رغم تمكن السلطات الأمنية، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، من إنهاء الاحتجاجات التي كانت تغلق وسط العاصمة أوتاوا، ومعابرَ حدودية رئيسية مع الولايات المتحدة.
وقال ترودو خلال مؤتمر صحافي، الإثنين الماضي: «حتى إذا كانت العراقيل أزيلت عبر البلاد والحدود مفتوحة حالياً، وحتى إن كان الوضع يعود إلى طبيعته في أوتاوا، فإنّ حالة الطوارئ هذه لم تنته بعد». وأصرّ على أهمية مواصلة التدابير الاستثنائية رغم تلقيه انتقادات شديدة من المعارضة البرلمانية ومن حكام المقاطعات الكندية الذين بادر بعضهم إلى مقاضاة الحكومة الفدرالية بسبب قرارها غير المبرر لفرض حالة الطوارئ وتعليق الحريات المدنية.
وتمسك ترودو بأن «تفعيل قانون إجراءات الطوارئ كان ضرورياً»، مبدياً «مخاوف فعلية للأيام المقبلة» في إشارة إلى إمكانية عودة الاحتجاجات التي تم إنهاؤها في العاصمة أوتاوا خلال عطلة نهاية الأسبوع باعتقال نحو مئتي متظاهر ومصادرة عشرات الشاحنات والمركبات التي كانت تحتل وسط المدينة منذ 28 يناير الماضي.
وعشية التصويت على قانون الطوارئ في مجلس العموم، قال ترودو: «سنواصل المراقبة يوماً بعد يوم لمعرفة متى يمكننا رفعها (حالة الطوارئ). لن يكون ذلك في وقت قريب، لكننا سنعيد التقييم كلّ يوم ونأمل بألّأ نحتفظ بها يوماً واحداً أكثر من اللازم».
وبالفعل، حصل رئيس الوزراء على مباركة مجلس العموم الذي صوت لصالح استمرار الطوارئ بأغلبية 185 صوتاً مقابل 151، إذ دعم الاقتراح «الحزب الليبرالي» بقيادة ترودو و«الحزب الديمقراطي الجديد»، اليساري التوجه، بقيادة جاغميت سينغ، فيما عارضه حزب «المحافظين» الذي يشكل المعارضة الرسمية وحزبُ «الكتلة الكيبيكية»، ثاني أحزاب المعارضة.
تراجع ترودو
رغم انتصار ترودو في مجلس العموم، اضطر رئيس الوزراء الكندي في اليوم التالي إلى تعليق العمل بقانون الطوارئ، بعد فشله في حشد التأييد اللازم في مجلس الشيوخ الذي كان بصدد التصويت على اقتراح بوضع حدّ لاستخدام قانون الطوارئ.
وبشكل مفاجئ، أطل ترودو في مؤتمر صحفي عقده بعد ظهر الأربعاء الماضي في أوتاوا قائلاً: «لم يعد الوضع طارئاً، وبالتالي ستضع الحكومة الفدرالية حداً لاستخدام قانون تدابير الطوارئ».
ورداً على اتهامه بانتهاك حقوق المواطنين من دون مبرر، تعهد ترودو بإطلاق تحقيق في غضون 60 يوماً لفحص الظروف التي أدّت إلى استخدام قانون الطوارئ ولفحص أداء الشرطة و«التمويل والتأثير والمعلومات المضللة التي دعمت عمليات الحصار والاحتلال غير القانونية». وستُشكَّل أيضاً لجنة برلمانية في الأيام المقبلة للنظر في الموضوع.
وفي دفاعه عن قراره، قال ترودو: «كان ذلك الشيء المسؤول والضروري الذي ينبغي القيام به»، مؤكداً أن استخدام قانون تدابير الطوارئ كان «متناسباً ومسؤولاً ومحدوداً زمنياً».
وأضاف قائلاً: «علينا أن نضمن أنّ مؤسساتنا ستكون جاهزة في المستقبل» للتعامل مع مواقف مماثلة، مشيراً إلى أن استجابة الشرطة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات المضللة والتدخل الأجنبي كعناصر يتعيّن النظر فيها.
ورفض ترودو أن يقول بشكل مباشر ما إذا كان سيلجأ إلى فرض تدابير الطوارئ مجدداً، مكتفياً بالقول: «نعلم أنّه ستظلّ هناك تهديدات لكندا ولديمقراطيتنا ولديمقراطيات العالم أجمع»، مشدداً على أنه «لا يمكننا أن نتردّد في استخدام الأدوات الضرورية للحفاظ على أمن المواطنين وسلامتهم».
هل تعود الاحتجاجات؟
كان ترودو قد فرض قانون الطوارئ في 14 شباط (فبراير) الجاري لإنهاء الاحتجاجات التي كانت تغلق وسط العاصمة الفدرالية أوتاوا ومعابرَ حدودية رئيسية في أنحاء عدة من البلاد. وكانت تلك، المرة الثانية فقط في تاريخ كندا يتم فيها تفعيل هذا القانون في زمن السلم، واستُخدم للمرة الأولى في أزمة العام 1970 في كيبيك، حين كان بيار إليوت ترودو، والد رئيس الوزراء الحالي، يحكم البلاد.
ويسمح هذا القانون باتخاذ «تدابير استثنائية» مثل الاعتقالات وتجميد الحسابات المصرفية ومصادرة الممتلكات من دون العودة إلى القضاء.
وانطلقت الحركة الاحتجاجية التي قلّلت السلطات من شأنها في البداية، أواخر يناير الماضي بتظاهرات لسائقي شاحنات ضد فرض التلقيح الإلزامي لعبور الحدود بين كندا والولايات المتحدة.
لكنّ الحركة التي تحمل اسم «قافلة الحرية» اتّسعت لاحقاً لتشمل إلغاء مجمل التدابير الصحية لمكافحة «كوفيد–19»، وامتدت بالنسبة للبعض إلى رفض حكومة ترودو الليبرالية.
ومن غير الواضح حتى الآن، ما إذا كانت الحركة الاحتجاجية ضد قيود كورونا، ستعود للظهور في الساحة الكندية وسط إصرار حكومة ترودو على مواصلة القيود الفدرالية المتعلقة بالوباء، رغم تراجع عدة مقاطعات عن إجراءاتها المحلية.
ميدانياً، تقول الشرطة إنّ بعض المتظاهرين أو الجماعات التي شاركت في التظاهرات أثاروا إمكانية استئناف احتجاجاتهم. وكان الرئيس الانتقالي لجهاز شرطة أوتاوا، ستيف بيل، قد قال إنّ مرحلة الحفاظ على السلام في وسط العاصمة الفدرالية قد تستغرق مزيداً من الوقت.
Leave a Reply