ممفيس – خاص “صدى الوطن”
ترافقت حملة الأنباء المسيئة عن قيام متعصبين متطرفين بمحاولات إحراق نسخ من المصحف الكريم في الولايات المتحدة بموجة أنباء موازية تحمل رؤية أخرى، متسامحة ومتفهمة، للعلاقات المسيحية الاسلامية في هذا البلد.
ففي الوقت الذي كانت فيه الأصوات الأميركية المتعصبة تبث الرسائل المتشجنة حول الإسلام والمسلمين والتي بلغت أوجها بدعوة القس الأميركي تيري جونز إلى إحراق نسخ من المصحف الشريف في الذكرى التاسعة لهجمات “١١ أيلول”، كانت على الجانب الآخر جماعات وهيئات وأصوات متعقلة تدعو إلى التسامح والمحبة، وعدم تحميل المسلمين الأميركيين مسؤولية تلك الهجمات الإرهابية، وفهم تلك الأحداث في سياقاتها السياسية والاقتصادية، بعيداً عن تأصيلها وتفسيرها دينياً. بمعنى عدم ربطها بدوافع وعواطف دينية دأب الكثير من المتعصبين على اعتبارها “مبادئ وأركاناً إرهابية” تقع في جوهر وأساس الدين الإسلامي.
وكان أهالي مدينة غينسفيل، التي تقع فيها كنيسة القس المتعصب تيري جونز، قد تضامنوا مع المسلمين وشاركوهم أداء الصلوات في بعض ساحات المدينة، في محاولة لـ”محو العار الذي ألصقه القس بمدينتهم” على حد تعبير الأهالي.
وفي مستوى آخر، وعلى خلفية النقاشات الحادة حول مواضيع “الإسلاموفوبيا” (التخويف من الإسلام) و”المسلموفوبيا” (التخويف من المسلمين) والتي وصلت ذروتها على خلفية بناء مركز إسلامي في منطقة “غراوند زيرو” في نيويورك، عمدت بعض الكنائس في مدن متعددة من العالم، في أميركا وكندا ووصولا إلى أوروبا، إلى فتح أبوابها أمام المسلمين خاصة في ليالي شهر رمضان، عندما ضاقت المساجد “الصغيرة” المنتشرة في تلك المدن عن استيعاب الأعداد الكبيرة من المسلمين خلال أداء صلوات التراويح.
وكان وراء فتح أبواب الكنائس أمام المسلمين رسالة مزدوجة: الأولى، دينية تثبت مبادئ المحبة والسلام والتسامح التي يقوم عليها الدين المسيحي. والثانية، سياسية.. بمعنى تجاوز وإدانة الدعوات المتعصبة والمتطرفة والتعالي عن الحذلقات والبهلوانيات التي يقوم بها البعض، باسم الدين المسيحي، والتي تحاول كسب نقاط لصالح أهداف وضيعة ومؤقتة.
وفي هذا السياق، فتحت كنيسة “هارتسونغ” في مدينة ممفيس في ولاية تينيسي أبوابها أمام المسلمين لأداء صلوات التراويح، بسبب عدم اكتمال أعمال المركز الإسلامي “غرودوفا” في المنطقة. وعلّق القس ستيفن ستون على تلك الحادثة بالقول: “في البداية عندما سمعنا بمشروع بناء مركز إسلامي شعرت ببعض التوتر، ولكنني أدركت أن ذلك مرده للجهل، وهكذا غيرنا رأينا ببساطة وعلقنا لوحة ترحيبية بجيراننا الجدد (المسلمين)، كتب عليها: نحن نتبع المسيح الذي علمنا أن نحب جيراننا”.
وكانت الكنيسة في تلك المدينة قد استجابت لطلب بعض المسلمين الذين يقطنون فيها، حيث تعيش جالية سورية، مفضلين التواصل والاندماج والابتعاد عن أجواء الشحن الديني الذي يعم البلاد.
وشكر أحد المسلمين المشرفين على بناء المركز القائمين على الكنيسة بالقول: “شكرا لأنكم أظهرتم المحبة. افتحوا أبوابكم وقلوبكم وستكتشفون بأننا متشابهون، وأن أوجه الشبه بيننا أكثر من أوجه الاختلاف”.
وقال آخر لوسائل إعلام أميركية “لا نواجه أي مشكلة في بناء المركز الإسلامي هنا، بل على العكس هناك ترحيب بنا”.
وشكر مسلم آخر أبناء المدينة بالقول “شكراً لأنكم أظهرتم روح الله المحبة. فهذا من شأنه أن يزيد أواصر المحبة والاحترام وتبادلهما”.
جدير بالذكر، أن الجالية العربية في منطقة ديترويت الكبرى العربية، بطوائفها الإسلامية والمسيحية، كان لها موقف واضح وحازم إزاء الجدل والنقاشات الدائرة على خلفية بناء المركز الإسلامي في نيويورك، فقد أظهرت القيادات والفعاليات الدينية المسيحية والإسلامية تضامناً تجلى عبر بيانات واحتفالات، وتوجته إقامة صلوات مشتركة في مراكز إسلامية كالمركز الإسلامي وكنيسة “أم المخلص” في ديربورن، وكنيسة “سانت ماري” في مدينة ليفونيا، وقد ضمت تلك اللقاءات مشاركات من قبل الكثير من القيادات والفعاليات الدينية وممثلي كنائس أميركية.
Leave a Reply