ديترويت – خاص “صدى الوطن”
بعد أسابيع من الإجتماعات والمسيرات والمعارك القضائية تخللها توتر على خلفية عنصرية، صوت مجلس ديترويت البلدي، الأسبوع الماضي، على اتفاقية مع ولاية ميشيغن، من شأنها درء خطر تعيين مدير طوارىء مالية لإدارة شؤون المدينة، في المدى القصير على الأقل. وبموجب الصفقة-التسوية تتولى هيئة استشارية مالية يعينها حاكم الولاية ريك سنايدر ورئيس بلدية ديترويت دايف بينغ والمجلس البلدي، إدارة شؤون المدينة المهددة بالإفلاس عبر تقديم المشورة ومراجعة الأمور المتعلقة بعجز الميزانية ومراجعة العقود النقابية.
إلى ذلك، قال نائب رئيس البلدية كيرك لويس “أن رئيس البلدية وادارته عملوا مع المجلس البلدي على تطوير اتفاقية نعتقد انها ستضعنا على الطريق نحو إعادة هيكلة أمور مدينتنا المالية، وتمكننا من إعادة بناء البنية التحتية لضمان عدم تعرض ديترويت لمصاعب مالية مرة أخرى”. مؤكداً ان التسوية تضمن كذلك ان مستقبل ديترويت سيقرره اهالي المدينة وقادتها المنتخبون، وليس مدير طوارئ تعينه الولاية.
وبحسب الاتفاق سيعين سنايدر ثلاثة اعضاء في الهيئة فيما يعين رئيس البلدية والمجلس البلدي أربعة أعضاء (عضوان لكل منهما) وآخر يعين بالاتفاق مع سنايدر، اضافة الى عضوين يعينهما وزير الخزانة ألان ديلون، ليكون المجموع عشرة أعضاء.
وجاء تصويت المجلس البلدي على التسوية بنتيجة 5-4 قبل 24 ساعة من الموعد المقرر لقيام سنايدر بتعيين مدير طوارىء مالية، والذي له من بين صلاحيات واسعة اخرى القدرة على تعديل العقود النقابية والغاء العقود مع المتعاملين مع البلدية وتحجيم الدوائر فيها بما يسمح بضبط الموازنة، وذلك حسب قانون أقر في ميشيغن العام ٢٠١١، ويلقى معارضة شعبية واسعة وقد يطاح به في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
وفي سياق آخر، جاءت التسوية في ضوء اعلان مجلس القساوسة المعمدانيين في ديترويت وضواحيها عن دعمهم للاتفاق بغية تجنب خيارات “أكثر تشدداً”، فيما اعرب مواطنون غاضبون عن خيبة أملهم تجاه قادة المدينة وبأنهم اداروا ظهورهم للإرث النقابي فيها وبكونها مدينة غالبية قياداتها من السود.
ويذكر أن ناشطين وقيادات من ديترويت اتهمت حكومة الولاية بمحاولة الاستيلاء على مدينة السود في ميشيغن، في حين دعا أحد رجال الدين الى ”إحراق ديترويت” قبل تسليمها للرجل الأبيض.
ومن ناحيتها، قالت عضوة مجلس البلدي جوان واطسون التي تعتبر من أبرز المعارضين للتسوية “لقد صعقت، صعقت وحسب” نتيجة القرار الذي اعلنه مجلس القساوسة. ومعروف عن واطسون معارضتها الشديدة لأي اتفاق من شأنه تجريد أيٍ من صلاحيات رئيس البلدية والمجلس البلدي. من جانبه، قال رئيس المجلس البلدي تشارلز بي، المؤيد للتسوية، إن التصويت كان مجرد خطوة باتجاه إعادة هيكلة واسعة ومؤلمة، اضاف “هذا لم يكن حلاً سحرياً، وهذا الاتفاق لا يمثل حلاً سريعاً، فنحن قريبون من مناقشة الميزانية في غضون الأسابيع القادمة، وعلينا اجراء تخفيضات اضافية، هذه هذه الحقيقة”.
وقبل الاتفاق بساعات كانت هيئة المراجعة المالية المعينة من الولاية صوتت (7- صفر) بالموافقة على الاتفاق. ويشار الى ان ديترويت غارقة في بحر من الديون، بما في ذلك التزامات بعيدة المدى تقدر بـ 12 مليار دولار على شكل امتيازات ورواتب تقاعدية، اضافة الى ان المدينة خسرت 250 الفاً من سكانها على مدى العقد الماضي، مع ما يعنيه ذلك من تراجع في عوائد الضرائب العقارية وزيادة عدد المنازل المهجورة.
ويتيح الاتفاق لـ بينغ، الذي خرج من المستشفى بعد تعرضه لمضاعفات عقب اجراء العملية الجراحية، وللمجلس البلدي البقاء في مواقعهم، ولكنه يعطي الولاية صلاحية سيطرة على الامور المالية واعادة فتح ملفات العقود النقابية، وبرغم ذلك سعى مؤيدو التسوية الى طمأنة الناس الى ان الاتفاق كان في صالح المدينة وأن المجلس البلدي ورئيس البلدية لم يتخليا عن مسؤولياتهم وأن الهيئة الاستشارية لن تكون طليقة اليد فيما تريد فعله. وبحسب الاتفاق، فإن المدينة ستلجأ الى تحديث تقديرات العائدات مرتين سنوياً وتضع ميزانيتها بحسب هذه الأرقام، ما يجعل ديترويت تعيش وفق حدود امكانياتها.
ومن جانبه أصدر الحاكم ريك سنايدر بياناً فور تصويت المجلس البلدي على الاتفاق معتبراً ان ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح للمدينة. وجاء في البيان “إن المجلس تصرف بمسؤولية لوضع ديترويت على طريق الاستقرار المالي، وهذه فرصة ايجابية للمدينة ولكامل الولاية، وهذا يعني إننا ماضون قدماً: ميشيغن واحدة”. وأضاف الحاكم الجمهوري “هذه الاتفاقية تعبّد الطريق لشراكة حسنة النوايا نستعيد من خلالها كسب ثقة دافعي الضرائب وضمان تقديم الخدمات التي تستحقها العائلات”.
وقال سنايدر في البيان إن هذه الخطوة “بقدر ما هي إيجابية إلا أن هنالك امامنا الكثير لنفعله في خضم الحجم الهائل للمصاعب المالية التي تواجهها المدينة، ما يعني ان امامنا قرارات صعبة سنتخذها، وعلينا البناء وفق هذه الروح التعاونية والعمل لما هو في مصلحة ديترويت على المدى البعيد”.
يشار الى الاتفاق طرح تساؤلات قانونية كادت أن تطيح به من قبل الاتحادات العمالية المناهضة له، مع الإشارة الى أن الاتفاق الذي أقره المجلس البلدي هو الصيغة المعدلة الثالثة، حيث كان بينغ ومعاونوه رفضوا الصيغة الأولى المقدمة من سنايدر في 9 آذار (مارس) الماضي. في حين اجريت تغييرات على الصيغة الثانية المقدمة في 13 منه والمتعلقة بمستقبل دائرة النقل ودائرة الإضاءة وأصول أخرى في البلدية. وكان عدد من الناشطين من أهالي المدينة طالبوا المجلس برفض الاتفاقية. البعض منهم اشار الى ان المناقشات جاءت متواكبة مع الاحتفال بذكرى مصرع الناشط الأميركي الأسود مارتن لوثر كينغ. وقالت المواطنة ماليري بريس “دعنا لا نحفر قبورنا بأيدينا”، في إشارة الى تدخل الآخرين بشؤون “مدينة الأفارقة الأميركيين”.
وقالت “اذا مرر هذا الاتفاق فلا تدفعوا ضريبة الاملاك العقارية ولا مخالفات الوقوف أو أي ضرائب دخل، لا تدفعوا شيئاً يساهم في هذه المهزلة”. وقال الناشط مالك شاباز ان “كل من صوت لصالح الاتفاق إما غبي أو خائن للناس الذين انتخبوه لعضوية المجلس البلدي” وكان شاباز قد دعا الى حرق المدينة قبل تسليمها للبيض.
من ناحيته، حذر فاليري غلين مع آخرين اعضاء المجلس من ان تصويتهم لصالح الاتفاق يضع مناصبهم في خطر، وقال “إننا نراقب تصويتكم ولن ننتخب احداً يصوت للاتفاق حتى لوظيفة صائد كلاب في ديترويت”.
النائب الأميركي هانسين كلارك (ديمقراطي عن ديترويت) قال انه لم يؤيد الاتفاق لأنه لا يوفر موارد كافية للمدينة من شأنها تقديم الخدمات. وقال “نريد استثمارات متواضعة لجذب الناس والوظائف الى المدينة”، لكن هذا الشعور لم يكن بالاجماع فمجلس القساوسة المعمدانيين قال انه يفضل الاتفاق بديلاً عن تعيين مدير طوارىء مالية يدير المدينة وحده، وأكد الأب مايكل اوينز إن دعم الاتفاق لا يعني تأييد “قانون مدراء الطوارئ”، وقال “إننا فضلنا الاتفاق كونه يمد المدينة باموال من الولاية ويوفر وسيلة للخروج من الأزمة المالية ويبقى المدينة تحت سيطرة الهيئة الاستشارية ومعها رئيس البلدية والمجلس البلدي”. ووصفت واطسون موقف مجلس القساوسة بانه محض نفاق كونه يؤيد الاتفاق ويناهض القانون في نفس الوقت.
Leave a Reply