خليل إسماعيل رمَّال
…وطلع أليكسس تسيبراس رئيس وزراء اليونان وزعيم حزب «سيريزا» اليساري نداً وطوداً شامخاً وشوكة فـي عين الـ«ترويكا» الإمبريالية المالية المؤلفة من الدائنين الخارجيين الكبار لبلاده: صندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي. ربح تسيبراس بقوة وإرادة شعبه ضد طغمة مصرفـية تطالب اليونان بتطبيق المزيد من التقشف مقابل إعادة جدولة ديونها، مما حمل الناخبين على زفَّ تسيبراس وحزبه اليساري إلى الحكم زفَّاً ضد طغيان المال الخارجي.
هذا يجعلنا نتحسر على حظنا العربي العاثر وعلى بلادنا وأنظمة الحكم النتنة فـيها خصوصاً أنظمة الردَّة السلالية الرجعيَّة التي لا تكترث للحرية والكرامة بل لا تعترف بمواطنيها. ألم يوجه عبدالله بن عبد العزيز التحية إلى الشعب السعودي الشقيق؟!
لقد أحدث تسيبراس ثورة ضد الشمال الصناعي الرأسمالي الذي يملك أربعة أخماس موارد العالم الذي يشكل الأخطبوط الإمبريالي المالي العالمي. وثأر للجنوب الذي يملك الخمس الأخير من موارد العالم. كما أبرز تسيبراس المعدن الحقيقي الذي يجب أنْ يكون عليه اليسار وهو خدمة شعبه بحق وحقيق، لا كاليسار العربي الميت غير المأسوف عليه الذي كان يدَّعي فـي بلادنا أنه ديمقراطي وغير شمولي لكنه كان تابعاً ورهناً لإرادة المنظومة الاشتراكية وعلى نافوخها الإتحاد السوفـياتي الشيوعي. لقد كانت كل الأحزاب الشيوعية أو الإشتراكية تضمِّن أسماءها كلمة الديمقراطية لكنها كانت أكثر ديكتاتورية من حكم العسكر والطغاة. هذا اليسار العربي، وخصوصاً اللبناني، أعطى للنفاق إسمه. إذْ بعد كل شعاراته المزيفة الخشبية (مثل خشبية ميشال سليمان) عن التقدمية والإشتراكية والحرية، التحق هذا اليسار بأسوأ أشكال الرجعية اليمينية والوهابية متقمِّصاً الليبرالية التي هي نقيض المملكة الدينية القروسطية لآل سعود، وانضم مع الحريرية فـي نسختها الوحشيَّة الإقتصادية. حتى عتاة الحزب الراديكالي المتطرف فـي حزب العمل الإشتراكي العربي الذين كانوا يعتبرون الحزب الشيوعي حزباً إصلاحياً ورجعياً، اتبعوا ذيلياً قرطة حنيكر الآذارية وأصبحوا حلفاء الداعشية الموضوعيين فـي أغرب ظاهرة تغيير نحو الأسوأ عرفها تاريخ البشر. وليس أعجب من هذا اليسار إلا يسار وليد جنبلاط واشتراكيته الدولية المتصهينة التي من أهم أعضائها حزب العمل الاسرائيلي حيث الجزار شمعون بيريز هو رفـيقٌ دائم لجنبلاط فـيها.
كذلك برهن تسيبراس وحزبه أنَّ كرامة شعبه هي أهم من ضغوط طغيان المال وهذا درس لعبد الفتاح السيسي الذي كبَّل دور مصر الطليعي بسلطة المال الخليجي والوهابي متنكِّراً لتاريخ مصر الوطني والقومي العربي الذي لا يمت بصلة للسلالات الحاكمة ولا لإفرازاتها الدواعشية التي تفتك بأبناء الجيش المصري فـي سيناء وغيرها.
كما أنَّ تسيبراس شكَّل إدانةً للنظام اللبناني الفاسد المُسيَّر من قبل غيلان المال والمصارف والمتحالف مع النوَّائب العاطلين عن العمل والطبقة الحاكمة الفاسدة، ضد العمال والموظفـين والأساتذة وذوي الدخل المحدود بدليل الغائه لسلسلة الرتب والرواتب وعدم إقرار مشاريع تفـيد الشعب. ولا يسعنا هنا إلا أنْ نجري مقارنة بين تسيبراس، الذي يحاول أنْ يوفِّر المليارات على شعبه، وبين فؤاد السنيورة اللص الذي «شفط» من خزينة شعبه ١١ مليار دولار من دون محاسبة حتى اليوم من قبل زملائه فـي البطانة الحاكمة الملوثة. نتحسر على عدم وجود تسيبراس لبناني يقف مع الشعب فـي وجه هذه الطبقة الموبوءة!
حتى على الصعيد المحلي هنا فـي ميشيغن، وبالذات فـي مجلس بلدية ديربورن حيث انتخبنا (السلعدة) كل شبر بندر أربعة أعضاء ممن هم عرباً – من الناحية التقنية، حتى باتوا يشكلون نصف المجلس. لكن وجدنا أنَّ كل المراسيم التي اتخذها هذا المجلس الفارغ فـي المدينة المشهورة بعنصريتها منذ هابارد وحتى غايدو، موجَّهة ضد العرب الأميركيين أصحاب الفضل الأول فـي إزدهار وعزة ورفعة ونهضة المدينة التي كان مآلها ومصيرها أنْ تكون «شقفة» من مدينة ديترويت من حيث المنازل المغلقة بالألواح الخشبية والتردي المالي والنزف البشري وربَّما من حيث اجتياح الجريمة لأحيائها. لقد أبدع أعضاء المجلس من العرب الأميركيين فـي عدم احترام جاليتهم وفـي البرهان للبيض على انهم ليسوا منحازين بل يمكنهم أنْ يتفوقوا عليهم فـي إقرار مراسيم مجحفة مثل منع التمارين الرياضية بعد الساعة العاشرة وحظر تحويل الكاراجات إلى غرف ضيافة والآن وقف التدخين بكل أنواعه فـي الهواء الطلق داخل المنتزهات العامة، ربَّما لان أحد السكان البيض لم تعجبه مناظر العرب أو المحجبات مع أراكيلهم فـي الباركس، فـي الوقت الذي يشكل فـيه العرب ٤٥ بالمئة من عدد السكان ويدفعون معظم الضرائب فـي المدينة العاقَّة بعكس التنابل من السكان البيض.
قديماً قال أحد الحكماء لا فرق بين حية بيضاء وحية سوداء ونحن نقول لا فرق بين حية سمراء أو حميراء فكلهم فـي السم ثعابين! والخطر علينا ليس من تيري جونز الخارجي وغيره بل من تيري جونز الداخلي وعلى السكان العرب أنْ لا يسمحوا بهذا الافتئات على مصالحهم والدوس على حقوقهم وكراماتهم. المسألة هنا ليست مسألة تدخين، لا نشجع عليه أصلاً، لكنها قضية حقوق ومباديء وعدالة.
ثوروا ايها العرب الأميركيون تصحوا فـي شهر الله. فرغم طغيان الثقافة العربية والإسلامية، تصر بلدية ديربورن على التصرف بعنجهية وبعنصرية ضد العرب فلا تراهم، وكأنها نادمة على تمددهم فـيها وتريد «تجفـيف» العنصر العربي الذي نما من دون علمها ورغماً عنها. فحتى الأمس القريب ما زالت دائرة الشرطة تعامل المحجبات من دون حقوق وتنزع عنهن الحجاب وكأن رجال الشرطة لم يسمعوا ويروا الثقافة العربية والإسلامية فـي المدينة أو كأن العرب يعيشون فـي كوكب المرِّيخ. لكن رغم أنف المجلس البلدي بعربه وبيضه، فإنَّ الجالية العربية وجدت لتبقى وتستمر وتزدهر والمستقبل هو لها ولأبنائها.
Leave a Reply