المعارضة توزع مقاعدها ولن تقف عند عدم تعيين سني ودرزي من حصتها
مسيحيو السلطة متخبطون و«تيار المستقبل» يعيش أزمة توزير
ستولد في نهاية المشاورات حكومة للبنان، كما نص اتفاق الدوحة على صيغة 16 وزيراً للموالاة و11 للمعارضة و3 لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ولا يوجد اي طرف لبناني يعمل لنسف هذا الاتفاق او القفز فوقه، وهو ملزم للجميع برعاية عربية وتأييد دولي، وان العملية الجارية لتشكيل الحكومة، لا بدّ من بعض الوقت لتذليل العقد والعقبات، التي تظهر عند كل تشكيل حكومة ليس في لبنان فقط، بل في العديد من الدول ذات النظام البرلماني والتعددية السياسية والطائفية، ويتذكر اللبنانيون، كيف كانت الحكومات تشكل قبل اتفاق الطائف، لا بل قبل الحرب الاهلية التي اندلعت في العام 1975، بسسب التنافس على المقاعد الوزارية لا سيما السيادية منها والخدماتية، اضافة الى ان الازمات السياسية كانت تشكل عائقاً امام تأليف الحكومات، وكانت اطول ازمة حكومية شهدها لبنان في العام 1969، في عهد الرئيس شارل حلو، ودامت سبعة اشهر عندما لم يتمكن الرئيس المكلف انذاك رشيد كرامي من تشكيلها لخلاف حول الوجود الفلسطيني المسلح وقضايا سياسية اخرى.
وبعد اتفاق الطائف كانت سوريا من موقعها الراعي لتطبيقه ومساعدة اللبنانيين على وقف تداعيات الحرب الاهلية وعودة المؤسسات الدستورية ووحدتها، ولم يكن اللبنانيون يشعرون بوجود ازمات حادة، واذا حصلت، كان التدخل السوري يعمل على حلها وفرضه من خلال نفوذه على الاطراف لتقديم التنازلات، وقد قام بهذه المهمة اكثر من مرة، اذ تدخل المسؤلون السوريون لدى الرئيس نبيه بري عام 1992، بالتنازل عن وزارة المال لرفيق الحريري في اول حكومة يشكلها، وكانت الحجة بان الاخير هو من سيضبط تدهور سعر الصرف الليرة امام الدولار الاميركي، وانقاذ الوضع الاقتصادي، وتأمين المساعدات للبنان لاعادة اعماره، في حين كان بري ينظر الى وزارة المال من زاوية المشاركة في التوقيع على المراسيم من قبل وزير شيعي الى جانب توقيعي رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الحكومة السني، وقد عاد موضوع استرداد وزارة المال الى الطائفة الشيعية يطرح من جديد، فطالب نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان، بان يعين وزير المال في الحكومة الجديدة من الطائفة الشيعية، وهو المقعد الوزاري الذي يطالب به ايضاً رئيس «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، لانه يريد اصلاح الوضع المالي ويوقف الهدر والفساد، وهذا ما يقلق «تيار المستقبل» الذي يخشى فتح الملفات للمرحلة السابقة التي كان فيها رفيق الحريري رئيساً للحكومة وفؤاد السنيورة وزيراً للمال، حيث يصر الاخير على ان تبقى وزارة المال في عهدته ويقترح ان يبقى الوزير الحالي جهاد ازعور على رأسها، ولكن تواجهه عقبة التمثيل الماروني في الحكومة، بعد ان ظهر ان الطلب اكثر من العرض، وان المستوزرين الموارنة هم اكثر من المقاعد المارونية الستة لحكومة من ثلاثين وزيراً.
ومثل عقدة وزارة المال، تظهر عقدة وزارة الدفاع، التي يصر العماد سليمان ان تبقى مع الوزير الحالي الياس المر، الذي يواجه اعتراضاً من قبل اطراف المعارضة، التي تعتبره منحازاً وليس حيادياً، وهو بات في موقع 14 اذار وبالتالي فان اختياره من قبل رئيس الجمهورية لا تنطبق عليه مواصفات الحيادية والتوافق،
حيث يصر العماد سليمان على توزيره لانه فتح له اكثر من طريق لوصوله الى رئاسة الجمهورية وتحديداً مع الادراة الاميركية التي لم تكن ترتاح في البداية لترشيح سليمان لعلاقته الجيدة مع المقاومة وصداقته مع الرئيس السوري بشار الاسد، حيث تبرز عقدة توزير الياس المر كاحدى العقبات، مما دفع بمسؤولين اميركيين الى التدخل واشتراط بقائه في منصبه، وهو ما نفاه رئيس الجمهورية.
ومن العقد التي ظهرت هي مطالبة تكتل الاصلاح والتغيير برئاسة العماد ميشال عون بخمس حقائب وزارية هي: المال، الصحة، الاشغال العامة، الشؤون الاجتماعية، الزراعة او الصناعة، وهو يتمسك بها، فيقابله مسيحيو السلطة بالرفض، لا سيما من قبل القوات اللبنانية التي اعلن قائدها سمير جعجع انه يطالب بتوزيره مع وزير قواتي اخر كحد ادنى، وان رصيده السياسي والشعبي يعطيه الحق في ان يكون تمثيله بثلاث حقائب، وهو ما شكل عقدة جديدة امام تأليف الحكومة، اضافة الى عقدة تمثيل حزب الكتائب الذي لم يعد لديه كتلة نيابية بعد ان خسر مقعد بيار الجميل بالاغتيال، ولم يسترده بالانتخابات الفرعية في المتن الشمالي وذهب الى «التيار الوطني الحر» كما لم يتمكن من استعادة مقعد النائب انطوان غانم في بعبدا، لان الحكومة لم تدعو الى اجراءات الانتخابات، الا ان الرئيس امين الجميل الذي طالب بتوزيره ثم نفى ذلك، بعدما تبين له ان فكرة دخول اقطاب الى الحكومة كوزراء دولة سقطت، فاقترح ان تمثل الكتائب بوزير ماروني وليس بوزير كاثوليكي.
اما توزير «لقاء قرنة شهوان»، فتعددت الاسماء المستوزرة داخلها، وطالب النائب بطرس حرب بمقعد وزاري كتعويض له عن تراجع حظه في رئاسة الجمهورية، في حين تصر النائب نايلة معوض ان يكون المقعد الوزاري من حصة ابنها ميشال لمواجهة الانتخابات النيابية في زغرتا التي كانت نتائجها على صعيد القضاء لصالح رئيس تيار «المردة» الوزير سليمان فرنجية في انتخابات عام 2005، والذي فاز مع لائحته في القضاء بفارق حوالى ثمانية الاف صوت وسقط في الدائرة الانتخابية، بسبب رجحان اصوات السنة لصالح خصومه ومن بينهم الوزيرة معوض التي تخشى ان تفقد مقعدها النيابي، وقد جرت تسوية ان يكون النائب السابق منصور غانم البون مرشح قرنة شهوان، وهو من المقربين من رئيس الجمهورية، لكن اسم البون لم يحسم بعد لان ثمة قوى وشخصيات تطالب بان تتمثل هي في الحكومة.
ويبدو ان الخلاف متفاقم داخل مسيحيي السلطة الذين يطالبون بحقائب وزارية لتحسين اوضاعهم الشعبية، والاستفادة من الخدمات داخل السلطة، وهم يعملون لمواجهة ما قد يحصل عليه «التيار الوطني الحر» من مكاسب، بعد ان تم عزله لمدة ثلاث سنوات خارج السلطة، وقد تم احراجه اثناء تشكيل الحكومة السابقة بعدم اعطائه الحصة التي طلبها، فتم اخراجه من الحكومة بتجيير المقاعد الى الرئيس السابق اميل لحود، لكن الوزراء الذي ظنهم لحود انهم محسوبين عليه، انقلبوا على موقعهم وانتقلوا الى قوى 41 شباط وهم الياس المر، شارل رزق، وطارق متري، وقد اخلوا بالتوازن داخل الحكومة وشلوا الثلث الضامن فيها.
فإلى جانب مطالب الفريق المسيحي لقوى السلطة الذي يطالب بثلاثة مقاعد وزارية للموارنة، فان العماد عون يطالب بمقعدين والرئيس سليمان بمقعد، والسنيورة بمقعد، اي سبعة مقاعد بزيادة مقعد واحد عن العدد المطلوب وهو ستة مقاعد، وتجري ضغوطاً على عون للتخلي عن مقعد ماروني وهذا ما يرفضه، وهناك اتجاه لان يتخلى السنيورة عن توزير ازعور.
كما توجد حالات استيزار مارونية، فان ثمة حالة مشابهة عند السنة، وتحديداً داخل تيار «المستقبل» الذي يحاول التوفيق بين مطالب تمثيل المناطق وتمثيل شخصيات، وقد برزت خلافات قوية داخل هذا التيار الذي لم يتمكن من ايصال رئيسه سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، بسسبب الاصرار الاميركي على تسلم السنيورة لها، ورغبة السعودية بابعاد الحريري عنها، لانه ليس اهلاً بعد لتبوئها لانه فشل سياسياً ولم يتمكن من تأمين قاعدة شعبية ثابتة لتيار المستقبل، الذي انهار امام المعارضة في بيروت واكثر من منطقة لبنانية.
أما الحريري الذي ابعده السنيورة عن رئاسة الحكومة، وبات عمله ينصب على تحجيم منافسه الذي اصبح رقماً في المعادلة الداخلية والعربية والدولية، وقد تبقى تسميته من الخارج فيبقى الحريري بعيدا عن السراي، فقد قرر ان يحاصر السنيورة ويمنع حصوله على مقاعد وزارية واستبعاد وزراء يسميهم ومن هؤلاء جهاد ازعور، طارق متري، وخالد قباني، ويعتبر السنيورة انه حق من حقوقه، ان يكون له وزراءه، كما لرئيس الجمهورية ثلاثة وزراء.
وقد يتخطى الحريري هذه العقدة، لكنه قد لا يحل ازمة مستوزرين من تياره، واذا نجح فأنه يكون خلق شرخاً داخله وبداية انشقاقات والخروج منه.
ومع بروز مشاكل داخل مسيحيي السلطة، وتناقضات بين السنيورة والحريري، وخلافات داخل «تيار المستقبل»، فان المعارضة لا تعاني المشاكل نفسها سوى مطلب «التيار الوطني الحر» لوزارة الصحة التي تصر حركة «امل» ان تكون لها، وجرى حل هذه المشكلة بالاتفاق بين الطرفين على تخطيها، وانها لن تكون عقبة بينهما، او امام تأليف الحكومة.
فالمعارضة وزعت مقاعدها 11، حيث اكدت على خمسة مقاعد لـ«كتلة الاصلاح والتغيير»، وستة مقاعد لحركة «امل»، و«حزب الله» الذي تنازل عن مقعدين لحلفائه من السنة والدروز، وربط ذلك بموافقة كل من وليد جنبلاط والحريري المقايضة بالمقعدين، وقد تجاوب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي مع توزير طلال ارسلان عن المقعد الدرزي مقابل ان يحصل على وزارة خدماتية ويطالب ببقاء وزارة الاتصالات معه التي يطالب بها «حزب الله»، ويرفض الفريق الحاكم التنازل عنها ويطرح اسئلة حول طلب «حزب الله» لها بعد اثارة موضوع شبكة اتصالات المقاومة.
واذا كان جنبلاط لا يمانع بالتخلي عن مقعد درزي لإرسلان فإنه يرفض ان يكون لصالح وئام وهاب الذي يؤكد انه غير مستوزر، ويطالب بأن يعطي المقعد للنائب السابق فيصل الداوود لانه لم يتم توزير اي شخص درزي من منطقة وادي التيم، وكان وهاب يقطع الطريق ايضاً على الود الذي عاد بين جنبلاط وارسلان بعد الاحداث الاخيرة، وبقاء الثنائية الدرزية قائمة وهذا ما يرفضه وهاب.
واذا كان جنبلاط لا يمانع بالتخلي عن مقعد درزي لإرسلان فإنه يرفض ان يكون لصالح وئام وهاب الذي يؤكد انه غير مستوزر، ويطالب بأن يعطي المقعد للنائب السابق فيصل الداوود لانه لم يتم توزير اي شخص درزي من منطقة وادي التيم، وكان وهاب يقطع الطريق ايضاً على الود الذي عاد بين جنبلاط وارسلان بعد الاحداث الاخيرة، وبقاء الثنائية الدرزية قائمة وهذا ما يرفضه وهاب.
وفي الوقت الذي يقدم جنبلاط مقعداً درزياً مقابل مقعد شيعي، فإن النائب الحريري يرفض المقايضة على اي مقعد سني، لأنه سيذهب الى خصومه، وهو لن يساوم على ذلك، ويقدم لهم حضوراً سياسياً وشعبياً عشية الانتخابات النيابية، ومع البلبلة التي تضرب «تيار المستقبل» والتفكك الذي بدأ يصيبه جراء الاحداث الامنية الاخيرة. واذا لم يتم التنازل عن المقعدين السني والدرزي، فان «حزب الله» لن يعرقل تشكيل الحكومة، وهو سيبقى يلعب حتى الربع الساعة الاخير لتأمين وصول حلفائه من السنة والدروز، بعد ان امّن ان حليفه العماد ميشال عون سيحصل على حقوقه.
فالحكومة التي لم يضع رئيسها المكلف فترة زمنية محددة لتشكيلها، فان العقد التي ظهرت وتحديداً من داخل الفريق الواحد، قد تؤخر عملية اصدار مراسيم تشكيلها الى ما بعد زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي كان ينوي تقديم التهنئة بإنتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، التي تبين انها كانت ومازالت هي عقدة الازمة وليس انتخاب رئيس الجمهورية فقط، اذ ان المشاركة تبقى هي عنوان الازمة، فبعد حل موضوع الثلث الضامن، برزت ازمة الحقائب السيادية والخدماتية، وتوزيعها بين الموالاة والمعارضة، اذ تبين ان الفريق الحاكم لا يريد التنازل عن وزارات سيادية وخدماتية.
واذا ما استمرت التعقيدات في تشكيل الحكومة وفق البند الثاني من اتفاق الدوحة، فان تدخل قطر يصبح امراً ضرورياً كراعية له، وهو ما دفع بالرئيس بري الى اجراء اتصالات بالمسؤولين القطريين، والامين العام لجامعة الدول العربية، من اجل العمل على استمرار تعويم اتفاق الدوحة، حيث تتوقع ان يحصل هذا التدخل لانقاذ الاتفاق من السقوط.
Leave a Reply