بيروت – خاص “صدى الوطن”
لا شيء في شوارع العاصمة بيروت وضواحيها يوحي بأن اليوم يوم مميز، حتى هذا الانحسار الضئيل لعجقة السير الخانقة . كل شيء على حاله والحركة جد طبيعية، لكنه الخامس والعشرون من أيار، عيد المقاومة والتحرير، وذكراه العاشرة تحديدا.
لعل البعض صار يجد هذه الذكرى مجرد يوم آخر من الأيام “المجيدة” في تاريخ أمتنا، ولكن الكثيرين لاشك يعرفون أن بيروت وكل لبنان ما كان ليشهد ذلك الهدوء ورغد العيش لولا ما صُنع ومن صنع السلام ذلك اليوم المجيد بحق.
استغل كثيرون شمس وإجازة ذلك اليوم ليقضوا يومهم على رمال الشاطئ الذهبية وزرقة المتوسط الوادعة. هو ذات الشاطئ الذي أرسى السيد حسن نصر الله معادلة حمايته من أي عدوان اسرائيلي وربما أي تطفل غير صديق!
بهذا تكون المقاومة من أرست معادلة دفاعية برية تجسدت في حرب تموز وتكرست فيما تلاها من تعزيزات وتطوير قتالي وتكتيكي للمقاومة كما أفصح عنه مرات عدة، والآن تضاف معادلة البحر التي كانت بوارجه حتى وقت غير بعيد عاملاً أساسياٍ في الهجوم.
وبهذا يغدو لبنان “بره، بحره، ودرة الشرقين” كما يقول رشيد نخلة في المقطع الثالث من النشيد الوطني اللبناني.
قبيل الكلمة المنقولة عبر الشاشة التي ألقاها السيد حسن نصر الله، كان المفكر والكاتب والمناضل اليساري الأميركي نعوم تشومسكي يلقي محاضرة في قصر اليونيسكو بدعوة من نادي اللقاء اليساري الذي أسسه مجموعة من رفاق الراحل جوزف سماحة. وقد غصت قاعة الاونسكو بالحضور الذي بدا متحمسا ومتفائلا بما سيقوله تشكومسكي الثمانيني.
استهل تشومسكي كلمته بالقول إن أهم ملفين في الشرق الأوسط هما موضوع إيران والقضية الفلسطينية، متسائلا: “ما هو فعلا الخطر الإيراني، ولم لا يتم إيجاد حل حقيقي للمشكلة الفلسطينية؟”.
وقد أعطى تشومسكي لمحة تاريخية عن تطور الصراع والعلاقات الأميركية الاسرائيلية متحدثا بشكل مطول عن اللوبي الصهيوني وخاصة “آيباك” التي صدف أن تحدث عنها نصر الله في كلمته أيضا.
وقد وصف تشومسكي الحل بأن يتم تعديل الدفة الأميركية للابتعاد ولو قليلا عن دعم اسرائيل. وقد أعطى مثالا من التاريخ على ذلك في جنوب أفريقيا حيث اعتبر أن جدار الفصل العنصري لم يسقط إلا عندما توفقت الولايات المتحدة عن تغطيته ودعم السلطة هناك تحت تأثير من الرأي العام والضغط على بعض أصحاب الاستثمارات بتوقيف ودعمهم للعنصرية.
اعتبر تشومسكي أن الوصول الى حل مرضٍ في فلسطين ليس معقدا، كل ما يلزم هو “أن تنضم الولايات المتحدة الى العالم وتوافق على إجراء تغيير حقيقي”. وأردف تشومسكي الجملة الأخيرة بتشبيه الإدارات الأميركية المتعاقبة “بالعراب الذي للمافيا التي شبه اسرائيل بها”.
وفي لقاء معه سألته عما وجده مختلفا في لبنان بين زيارته قبيل حرب 2006، واليوم، فأجاب: “الحرب وقعت وذلك أمر يبدو أنه غيّر كل شيء، كما أدهشني التفاؤل لدى اللبنانيين الذين يعيدون اعمار بيوتهم ومصالحهم رغم أن معظمهم يتحدث عن احتمال وقوع حرب جديدة في المستقبل القريب”.
وحين سألته عما إذا كان يعتقد أن المواطن العربي باستطاعته فعل شيء في سبيل القضية الفلسطينية حين يتآمر الحكام العرب عليها، قال “باستطاعتكم فعل الكثير. إنها مسأله نضال والأمر يتطلب جهدا أكبر من مجرد التصفيق لمحاضرة كهذه”.
تشومسكي، الأميركي الجميل، كما يشاء البعض تسميته واحدا من أولئك القلائل في هذا العالم الذين يبقون الأمل نابضا بأن الصبح قريب.
لقد أعطى ذلك الرجل من أعوامه التي تطاولت عن الثمانين سنين طويلة لقول الحق والنضال من أجله، فما عسانا نحن نعطي لنؤدي القسط للعلى؟!
Leave a Reply