وليد مرمر – لندن
إذا كانت «الديون» حسب أستاذة القانون في «جامعة هارفرد»، كريستين ديسان، هي أحدى أبرز خصائص الرأسمالية اليوم، فإنه سيتعين على صانعي السياسات في عالم ما بعد كورونا إما قبول العيش مع أعباء ديون هائلة، أو معالجة إصلاح شامل للنظام الاقتصادي القائم، وهو أمر أشبه بالمستحيل.
ففي معركتها ضد كورونا، وبهدف حماية شعوبها وإنقاذ اقتصاداتها من خسائر الإغلاق الفادحة، أصبحت الحكومات في جميع أنحاء العالم أكثر مديونية من أي وقت مضى في التاريخ الحديث، متجاوزة حتى مرحلة الحرب العالمية الثانية والذي بلغت حينها 124 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للدول مجتمعة. فلقد تجاوزت ديون الدول بسبب الجائحة أكثر من 20 تريليوناً حتى الآن وهو رقم يجعل معظم دول العالم رهينة لنخبة أرباب المال من سلالات روتشيلد وروكفلر ومورغان الذين يملكون معظم المصارف الكبرى ويتحكمون بسياسات البنوك المركزية حول العالم.
وبعد أن كان معظم الخبراء الاقتصاديين يتوقعون ركوداً عالمياً يهدد أسس الاقتصاد العالمي في بداية 2021، جاء فيروس كورونا من جعبة ساحر لإنقاذ هذا النظام المتهالك، أو ربما لإعطائه جرعة قد تمد في عمره إلى أمد، وذلك عبر تضخيم حجم الديون التي ستشكل عامل دفع جديد للاقتصاد الرأسمالي العالمي المحتضر.
أما بعد… أين أصبحت معركة العالم مع الفيروس؟
بينما تسبب الوباء حتى الآن بوفاة حوالي أربعة ملايين شخص، تقدر منظمة الصحة العالمية أن عدد متلقي اللقاحات المضادة لفيروس كورونا حول العالم لم يتجاوز 10 بالمئة. ليبدو أن الحرب بين البشر وكورونا ما زالت في جولاتها الأولى سيما مع تتابع الإصدارات والتحديثات «الكورونية» والتي كان آخرها «دلتا» و«دلتا+» الهنديان.
وبينما يعاني العديد من دول العالم النامي من مشكلة الحصول على اللقاح، تعاني بعض الدول من معضلة عدم القدرة على إقناع نسبة لا يُستهان به من سكانها بأخذ اللقاح. وهذا العدد يزيد على 25 بالمئة في الولايات المتحدة وحدها. وفي الهند أيضاً، ورغم تفشي السلالات الجديدة، تعاني الحكومة هناك من إقناع مواطنيها بأخذ اللقاح خصوصاً في المناطق الريفية. وأما في الفيليبين فقد صرح الرئيس الفيليبنيي بأن من لا يأخذ اللقاح فإنه سوف يُسجن! ومع تعدد اللقاحات وتفاوت نجاعتها لا ينفك «السيد كوفيد» يقاوم بروح قتالية لا يبدو أنها ستنكسر قريباً بالرغم الأجواء التفاؤلية التي تعم بعض أرجاء المعمورة.
فما الإصداران الأخيران من شيفرة كورونا الفيروسية –«دلتا» و«دلتا+»– إلا مثالين على ضراوة الحرب الضروس المستمرة على جبهة اللقاحات.
من جهة أخرى، يتذرع رافضو اللقاح عموماً بعدم خطورة كورونا أصلاً، وبأن هناك ضجة مفتعلة ومضخمة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو مؤامراتية. والبعض الآخر يتخوف من اللقاح لأسباب صحية على رأسها المخاوف من آثاره طويلة الأمد التي لم يتسن للعلماء اختبارها بعد بسبب سرعة إنتاج اللقاحات.
ففي السنة الماضية، تم تطوير عشرات اللقاحات المختلفة لمواجهة الوباء حول العالم، لكن الفيروس المميت ما انفك يصدر التحديث تلو الآخر متجنباً الاستسلام بعناد واضح. وقد جاء انتشار سلالتا «دلتا» و«دلتا+» الهنديتان كالنار في الهشيم، سواء في الهند أو في بلدان أخرى، ليعيد بذلك أجواء الرعب التي شهدها العالم مع بداية انتشار الوباء سيما مع تأكيد الخبراء بأن هذه السلالة هي أشد فتكاً وشراسة من السلالات السابقة.
وقد قامت منظمة الصحة العالمية بالتحذير من أن المتحور الهندي هو في طريقه للهيمنة على العالم وذلك لأن من خواص هذه السلالة الجديدة هو قصر الوقت اللازم للانتقال من الأعراض الخفيفة إلى الأعراض الشديدة للمرض، وهذا ما سوف يقلل من الظهور المحتمل للأجسام المضادة الخاصة بجسم الشخص المصاب. ولقد توقع المركز الأوروبي لمراقبة الأمراض والوقاية منها الأربعاء أن تشكل سلالة «دلتا» التي تم اكتشافها في الهند، 90 بالمئة من إصابات فيروس كورونا الجديدة في الاتحاد الأوروبي بنهاية أغسطس القادم.
وخلال السنة الماضية قامت دول عديدة بتطوير لقاحات تختلف نسبة نجاعتها في مقارعة الفيروس. ولكن جاء تطوير اللقاح الكوبي «عبدالله» مؤخراً ليدفع دولة قصب السكر إلى إحراز قصب السبق في مواجهة كورونا.
وسارع الرئيس الكوبي، ميغيل دياز–كانيل، إلى «تويتر» لتهنئة بلاده على هذا الإنجاز، رغم خضوع كوبا للحصار الأميركي: «إنّ علماءنا في معاهد البحوث وفي مركز الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية والذين يواجهون جائحتين (كورونا والحظر من عام 1962) تغلّبوا على كلّ الصعاب وأعطونا لقاحين فعّالين للغاية: «سوبيرانا 2» و«أبدالا» (عبدالله)».
ورغم الحصار قامت كوبا منذ ثمانينيات القرن الماضي بتطوير أدويتها الخاصة بما فيها ثمانية من اللّقاحات الـ13 التي تستخدمها الجزيرة في حملات التلقيح العامة.
فمن هو عبدالله الكوبي؟
هو بطل مسرحية أصله من النوبة بمصر. والمسرحية ألفها شاعر كوبا الشهير، خوسيه مارتي، الراحل عام 1895 عن 42 عاماً، والمعروف بحبه للعرب وتمجيده لهم في كثير من قصائده إلى درجة أنه جعل معظم أبطال قصائده منهم.
وعبدالله في المسرحية لا يرى مجداً أعظم من القتال والاستشهاد من أجل تحرير وطنه من الغزاة، وجل همه هو التضحية بنفسه من أجل قضية شعبه. ولقد أثنى مارتي الذي كان متأثراً بحركات التحرر العربية في شمال أفريقيا أكثر من مرة على العرب وشجاعتهم قائلاً: «إنهم كائنات رشيقة وجذابة، تشكل أمة هي الأكثر نبلاً وأناقة على وجه الأرض»، كما وصفهم «بالحكمة والترفع عن الدناءات» وبأنهم «لا تثبط عزيمتهم هزيمة ولا يتخاذلون أمام الفارق العددي بينهم وبين أعدائهم وإنما يدافعون عن أرضهم دون هوادة».
ويتميز لقاح «عبدالله» بنسبة نجاعة قد تكون من الأفضل عالمياً تصل إلى 92.28 بعد الجرعة الثالثة. وهذا ما دفع بدول عديدة إلى تقديم طلبات لشراء اللقاح الكوبي الجديد.
القارة السمراء.. وكورونا
تعاني القارة الإفريقية من أدنى معدل للتطعيم ضد كورونا مقارنة بباقي قارات العالم (2 بالمئة فقط). إذ أن دول إفريقيا تسلمت كميات شحيحة للغاية من اللقاحات. ولم يتم حتى الآن البدء بإطلاق حملات التطعيم في العديد من الدول مثل تنزانيا وتشاد. وفي حين أن عمليات التلقيح تسير بشكل مقبول في بعض الدول ذات الكثافة السكانية العالية كنيجيريا ومصر، إلا إن العديد من الدول الأفريقية لا تمتلك الموارد المالية للتفاوض لشراء لقاحات كورونا من الشركات المصنعة لهذه اللقاحات.
ومن بين العوامل الأخرى التي تسببت في تأخير حملات التطعيم هو عدم وجود بنية تحتية مناسبة لهذه الحملات بما في ذلك نقص الطواقم الطبية المدربة إضافة لانتشار الشكوك حيال اللقاحات. هذا كله أدى إلى فشل برامج التطعيم في تحقيق تقدم في إفريقيا حيث تم إعطاء أقل من ثلاث جرعات لكل مئة شخص! ويتفشى فيروس كورونا في زامبيا أسرع من أي مكان آخر في العالم. وبذلك أصبحت إفريقيا اليوم المنطقة الوحيدة في العالم حيث يزداد تفشي كورونا مع زيادة أسبوعية بالإصابات بنسبة 30 في المئة، فيما يتراجع عدد الإصابات حول العالم للشهر الثاني على التوالي.
اللقاح.. والسياسة!
تتحدث بعض التقارير عن استعمال بعض الدول لتصدير اللقاح من أجل «ابتزازات» ومنافع سياسية معينة، حتى أن اللقاح أصبح سلعة جيوسياسية تخدم الدول المصنعة له. ومن هذه الأخبار ما نشر في فبراير الماضي حول توسط روسيا في إطلاق سراح مواطن إسرائيلي محتجز في سوريا مقابل تمويل إسرائيل إرسال لقاح «سبوتنيك» إلى سوريا.
وبالمثل فقد قدمت روسيا اللقاحات إلى بلدان أوروبية تدور في فلك السياسة الروسية. وأشارت تسريبات صحفية إلى أنَّ الصين طالبت بتغيير موقف باراغواي من تايوان للموافقة على تزويدها باللقاح، وعندها تدخلت تايوان لدى الهند لتوفير اللقاح للباراغواي لكيلا ترضخ للضغوط الصينية. ولكن بكين نجحت في الضغط على البرازيل لفتح سوق شبكات الجيل الخامس فيها أمام شركة «هواوي» مقابل شرط مسبق بتلقي شحنات اللقاح. وحسب بعض التقارير، عرضت إسرائيل تصدير اللقاح إلى هندوراس وجمهورية التشيك وغواتيمالا مقابل نقل سفاراتهم إلى القدس المحتلة. ولا يستبعد أن يكون توفير إسرائيل اللقاح لهندوراس هو من أهم الحوافز التي دعتها يوم الخميس الماضي إلى الإعلان عن نقل سفارتها إلى المدينة المقدسة!
walidmarmar@gmail.com
Leave a Reply