ثمانية أعوام وساسة العراق الجدد يطلقون الوعود بألسنتهم المعسولة لاسيما أولئك الذين تسلموا المناصب العليا في الدولة الجديدة، دولة المكونات والطوائف. ولم يستح هؤلاء الساسة وعلى مدى ثلاث دورات إنتخابية، واحدة لإنتخاب البرلمان المؤقت والحكومة المؤقتة واثنتان لإنتخاب البرلمان والحكومة الدائمتين.
وكلما سدل الستار على عام نقترب من عام جديد ويبدأ الحديث في البرلمان عن ما يسمى بالميزانية السنوية للبلاد التي تتم مناقشتها وإقرارها في البرلمان، وتبدأ أركان الحكومة العتيدة بإطلاق التصريحات التفاؤلية بدءاً من رئيس وزراء حكومة الفساد والمفسدين نوري المالكي وإنتهاء بأصغر واحد من شلتهم، فأحدهم يصف الميزانية بالإنفجارية نظراً لإقتطاع نسبة عالية منها في المشاريع العملاقة الخاصة بالبنية التحتية. وآخر يصفها بإنها الميزانية الأعلى في تاريخ العراق وأن الأخير سيشهد أكبر مسيرة عمرانية ستنطلق إعتباراً من هذا العام.
ومضت الأعوام الثمانية على إيقاع هذا النوع من الخطابات التي لم يتحقق شيء منه لأسباب عديدة أبرزها الفساد الإداري والمالي الذي إستنزف ميزانيات العراق عبر ثمان سنوات علما ً أن أسعار النفط العالمية أرتفعت إلى أعلى مستوى لها في السنوات القليلة المنصرمة. ولم تجد شيئا ً حكومة المحاصصة البغيضة لتلهي به الجماهير العراقية التواقة لرؤية بلدها وهو ينهض من جديد نافضا ً عنه غبار الحروب والديكتاتورية سوى الوعود الكاذبة، والذرائع الجاهزة حين يتذمر الناس من إنعدام الخدمات العامة، لا سيما الكهرباء والبطالة، فضلا عن عدم وجود فرص متكافئة للجميع، ولعل أبرز ما جعل الأمور تتفاقم هو وجود البطانة الفاسدة والمتخلفة للحكومة، فمعظمهم لا يجيدون في أحسن الأحوال سوى اللطم على الصدور والتطبير والنحيب، بينما نجد أن نماذج عديدة من الدول لم تتمكن من ترتيب أوضاعها بعد أن مرت بظروف صعبة إلا من خلال التخطيط العلمي السليم إلى جانب وجود الولاء الوطني، بينما نجد أن ولاء السياسي العراقي أصبح لحزبه ولطائفته، وتجليات ذلك الزعم كثيرة وواضحة، و آخرها الانتخابات الأخيرة والوقت المستنزف الذي إستغرق بين شد وجذب للإتفاق على المغانم، فالعراق لدى هؤلاء هو مجرد محطة للتكسب والترزق من خلال ما يسمى المشاركة في العملية السياسية التي أصبحت أشبه بالكعكة التي يدور الصراع حول تقاسمها.
لقد ظل السياسيون العراقيون الجدد قابعين في منطقتهم الخضراء، ولم يجسوا نبض الشارع العراقي يوماً أو يعرفوا معاناة المواطن العراقي في صراعه مع شظف العيش والتحدي الأمني وفقدانه لأبسط الخدمات العامة، وكلما ضاق به ذرعاً ذلك المواطن المغلوب على أمره وعبر عن مطالبه يخرج عليه المالكي أو الطالباني ليمتصوا غضبه بالإعلان عن أنهم بصدد التبرع بنصف راتبهم!
لا أعرف فيما إذا كان نصف راتبهم هذا سيكفي لمن في المحافظات العراقية أو الجماهير التي يعاني السواد الأعظم منها من إنخفاض في الدخل والبطالة، ألم يسأل هؤلاء الساسة أنفسهم وهم يقبضون آلاف الدولارات شهرياً من قوت الشعب العراقي لقاء عدم تقديمهم أي شيء.. هل صنعوا له الذرة لتكون رواتبهم بهذه القيمة؟
إن المشكلة في العراق ليست بحاجة لمبادرات من هذا النوع لأن المعضلة عامة وبحاجة إلى عملية إصلاح حقيقية تبدأ بمراجعة ترتيب سلم الرواتب بدءاً من رئيس الدولة وإنتهاء بأصغر درجة وظيفية وتفعيل دور القضاء المستقل وجميع مفاصله وإطلاق يده الحديدية في مكافحة الفساد جنباً إلى جنب في مكافحته الإرهاب. كان حريا ً بهؤلاء الذين يتخذون من المنطقة الخضراء ملاذاً لهم أن يتوقعوا يوما ً أن صبر المواطنين سينفذ ولن تكون هناك فرصة للتبريرات فالأمور باتت مكشوفة بعد أن تصدر العراق قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم، الأمر الذي يثبت للمواطن العراقي أنه وضع ثقته بأيد ٍ ليست أمينة لأن هؤلاء لا يستحقون أن يصوت لهم أحد من الناخبين العراقيين الذين تجشموا العناء وتحدوا الظروف الأمنية ليصوتوا لهذه القائمة أو تلك، التي تضم أسماؤهم المشبوهة التي باتت رديفاً لكل ما هو معيب من سرقات إلى تزوير إلى عدم إكثرات بمصالح الشعب العراقي، لذلك أزفت اللحظة التي يطلق بها الشعب العراقي صرخته بوجه هؤلاء معلنا عن رفضه لهم، فلم يعد ينفعهم عزفهم على الوتر الطائفي أو تكرار الإسطوانة المشروخة المتمثلة بإسطوانة البعث المقبور.
نعم إنها صرخة غضب بوجه الفساد والمفسدين الذين حولوا البلاد إلى مزرعة لهم ولنشاطهم المشبوه، وما المطالب التي يطالب بها هؤلاء المتظاهرون ونحن معهم سوى مطالب مشروعة تمس حياتهم اليومية المتمثلة في الخدمات العامة وتحسين الظروف المعيشية، فهل يعقل أن يتقاضى أحد 70 مليون دينار شهريا ً أي ما يعادل 65 ألف دولار ويتقاضى آخر 150 ألف دينار شهرياً ما يعادل 120 دولار لا تكفي حتى لإيجار مسكن بسيط فكيف بالنسبة لمتطلبات الحياة الأخرى؟
وأبرز مشهد يدل على ما ينوء به الواقع العراقي من مشكلات بسبب فساد المسؤولين منظر القمامة التي منذ العام 2003 حتى الآن نجدها بالأطنان ملقاة على جنبات الشوارع علما ً إننا نزور العراق منذ ذلك التاريخ كل عام، ولم نجد أي تقدم يذكر على مختلف الأصعدة الحقيقة الوحيدة أن الطبقة السياسية هي التي تغيرت وأصبحت من الثراء الفاحش ما لا يصدقه العقل بينما الشعب يكتوي بنار فساد تلك الطبقة الفاسدة.
Leave a Reply