تظاهر الاف السوريين والعرب والاميركيين أمام البيت الابيض في واشنطن، صباح الاثنين الماضي، مطالبين الرئيس باراك أوباما بعدم تنفيذ تهديده بضرب سوريا وترك المجال للحوار والجلوس الى طاولة المفاوضات في جنيف.
«صدى الوطن» واكبت الوفود المشاركة من منطقة ديترويت الكبرى، حيث انطلقت مساء الأحد الماضي حافلتان من مدينة ديربورن وعلى متنهما مايزيد عن المئة شخص من السوريين والعرب والاميركيين وصلوا قرابة التاسعة صباحا الى البيت الابيض حيث تبعهم فيما بعد مئات القادمين من ولايات اخرى، بدعوة من المنتدى السوري الأميركي، كما انضم ناشطون اميركيون مؤيدون للسلام الى المظاهرة التي استمرت قرابة الساعتين أمام البيت الابيض وسط حراسة امنية مشددة شارك فيها أكثر من مئة شرطي ومعهم مختلف الاليات بدءاً من الدراجات الهوائية والنارية والخيول وحتى سيارات الشرطة المجهزة باحدث المعدات والاسعاف.
ولوحظ التواجد الامني المكثف على سطح البيت الابيض وفي محيطه وابعدت الشرطة المتظاهرين عن السور الحديدي لحديقة البيت الأبيض وسمحت لهم بالوصول الى حافة الرصيف.
وقد رفع المتظاهرون شعارات تدعو الرئيس أوباما لعدم التدخل في سوريا وعدم دعم المسلحين «الذين يأكلون الأكباد ويشوون الرؤوس ويقتلون الناس بدم بارد» وطالبوه بعدم خوض المزيد من الحروب وتوفير المال من أجل ايجاد فرص العمل بدلا من انفاقها على القنابل .
ثم انطلق المتظاهرون باتجاه مبنى الكونغرس الأميركي، قبل صدور قرار تأجيل التصويت على قرار التدخل العسكري في سوريا، وقد قامت الشرطة بقطع حركة السير في الطريق الذي سلكه المتظاهرون ورافقت الشرطة على ظهر الخيول والدراجات النارية المتظاهرين الذين كانوا يهتفون بأعلى اصواتهم «لرفع اليد عن سوريا» وعدم اشعال «حرب جديدة». ومرت المظاهرة من امام مبنى الارشيف الوطني ومبان تاريخية اخرى حيث انضم الكثير من الاميركيين الى المظاهرة التي وصلت الى مبنى الكونغرس بعد حوالي الساعة لتبدأ من جديد مناداة اعضاء الكونغرس المجتمعين في تلك اللحظة لمناقشة خطة اوباما لضرب سوريا.
وقد القى منذر أحمد نائب رئيس المنتدى السوري الاميركي كلمة قال فيها: «نجتمع هنا اليوم لنقول آلاف اللاءات: لا للعدوان على سوريا… لا للتدخل الخارجي.. لا للعصابات المسلحة الارهابية المجرمة.. نعم لسوريا الواحدة الموحدة المستقرة كما كانت عليه من قبل، ولكن بسوريا متجددة، من داخل سوريا، نعم لسوريا الحاضنة لجميع ابنائها الشرفاء». وأضاف «من خلال حضورنا هنا في واشنطن نريد أن نوصل رسالة الى الإدارة الأميركية وللدول الإقليمية والعالمية وللعصابات المجرمة التابعة لهذه الدول: اتركوا شعب سوريا العظيم يحصل على ما يريده دون تدخل».
وقال: باسمكم وباسم المنتدى السوري الأميركي نتوجه بالنداء التالي:
– الوقف الفوري لكل اشكال التهديد والوعيد بالتدخل العسكري، وتوقيف التسليح الخارجي وتصدير المسلحين الى سوريا
– الحل يجب ان يكون سوريا وعبر السوريين وحدهم
– نرفض رفضا تاما كل اساليب العنف والقتل التي تنتهجها العصابات المسلحة المدفوعة من الخارج بهدف النيل من أمن واستقرار سوريا.. فالديمقراطية والحرية لا تتحققان بالقتل والتدمير وخدمة الاجنبي
وخاطب أحمد المتظاهرين قائلا «كل منا يستطيع ان يفعل ويقدم شيئاً في هذه الازمة.. وهذا ما نفعله في المنتدى السوري الاميركي الذي ادعوكم للانضمام اليه ودعمه لأنه صوتكم».
وقد التقى وفد يمثل المتظاهرين إلى داخل مبنى الكونغرس للاجتماع مع بعض أعضاء الكونغرس لنقل حقيقة ما يجري في سوريا للمشرعين. وتطرق الوفد الى استعمال السلاح الكيماوي مؤكدين أن «الجماعات الارهابية» استعملت هذا السلاح من قبل في حلب ولم يستجب لطلب الحكومة بإرسال لجنة تحقيق.
وقد أكد اعضاء المنتدى على أهمية إقامة «علاقات قوية ومتينة بين بلدينا وشعبينا بدلا من القطيعة والتهديدات».
المشاركون يتحدثون
كارلا، شابة سورية أميركية قالت إنها جاءت للمشاركة في التظاهرة للقول للرئيس أوباما «اترك بلادي.. لا نريد حرباً جديدة.. يكفينا مافعل المسلحون بنا فقد كنا نعيش بأمان وسعادة الى أن جاء هؤلاء القتلة فدمروا بيوتنا وفجروا كنائسنا وأوجدوا الفرقة بيننا فقد كنا نمارس حياتنا وعباداتنا بشكل طبيعي دون أن يعترضنا أحد الى أن جاء هؤلاء وخربوا كل شيء، نكّلوا بالبشر والحجر ولم يتركوا مكاناً إلا وعاثوا فيه فسادا»، وتوجهت كارلا للرئيس أوباما بالقول «أنت وعدتنا بإحلال السلام فكيف تقرع طبول الحرب على بلاد السلام والتعايش، سوريا».
وختمت بالقول «نحن نحب رئيسنا جداً كما الكثيرين من السوريين وتمنى ان يحل السلام في بلادنا ونحن من يقرر من سيكون رئيسنا القادم لاننا نعرف مصلحتنا الوطنية جيدا وكيف يجب أن تكون».
علي نصر قال «جئنا الى هنا نحمل رسالة سلام، لنبثها ونخاطب بها الرأي العام الأميركي، ونقول لهم إن مَن فجر برج التجارة العالمي هو مَن يقاتل اليوم في سوريا، «جبهة النصرة» و«القاعدة» ومن لف لفهم، يقتلون الناس ويفجرون بيوت العبادة الاسلامية والمسيحية على حد سواء ويقتلون الاطفال ويدمرون المشافي والمدارس والجامعات، هؤلاء ليسوا دعاة حرية ولا طلاب ديمقراطية، جاؤوا ليخربوا سوريا بلد السلام والامان حيث يعيش المسلم والمسيحي جنبا الى جنب في حي واحد وأحيانا يتقاسمون البناء الواحد ويمارس كل منهم طقوسه الدينيه بكامل حريته بدون أي لفت للنظر، وهذه سمة من سمات الشعب السوري المحب للسلام الكاره للتطرف، الاسلام في سوريا اسلام وسطي، ينبذ العنف والطائفية ويدعو الى المحبة والتسامح واحترام الاخر».
عيسى حبقة قال إن الرسالة الاولى التي أراد ايصالها في هذه المظاهرة هي «حماية سوريا من اي اعتداء خارجي لا مبرر له»، وأضاف «إن إسرائيل لها مصلحة حقيقية في ذلك لضرب السد الأخير الواقف في وجه مشروع الشرق الاوسط الجديد، وبلادي سوريا لم ترضخ لهذا المشروع لأنها دولة ذات سيادة، ولها قرارها الحر المستقل والذي يعبر عن تطلعات العرب. ولولا سوريا ورئيسها بشار الاسد لمر المشروع مرور الكرام وبهدوء، وملوك العربان ومشايخهم وأمراؤهم يتأمرون بأمر الأميركي ولا همّ لهم سوى عروشهم وبقائهم في السلطة».
وأضاف حبقة «إن سوريا بقرارها السيادي الذي يمثلنا جميعا كمواطنين عرب أحرار، هي ملاذنا وهي التي تدافع عنا، ولذلك تكالبت عليها عصابات الارهاب لكي يمر المشروع الذي رفضته وقاومته واليوم يقاتلون في سوريا يدمرون كل شيء لا من أجل هدف محدد سوى اركاع سوريا التي لن تركع».
الحاجة تغريد قالت: «نحن جئنا الى هنا من ولايات بعيدة لأننا نؤمن بعدالة قضيتنا وبالموقف السوري من الارهابيين»، وتابعت «نحن على اقتناع تام بأن سوريا تحارب الارهاب كما حاربته أميركا من قبل، وجئت الى هنا لأقول إن من يقطع الأوصال ويمثّل بالجثث ليسوا مسلمين ولا يمتون الى الاسلام بصلة.. هؤلاء هم الذين يقاتلون في سوريا ونريد ايضاح ذلك للرأي العام الأميركي الذي يضلله السياسيون». وأضافت «نطالب أوباما بإيقاف أية هجمة عسكرية ممكن أن توجه الى سوريا، فسوريا بلد المحبة والسلام والتاريخ والعيش المشترك».
ابو محمد، فلسطيني كان يعيش في مخيم اليرموك بدمشق، قبل أن تدفعه الأحدث الدموية الى الهجرة تحدث بحرقة عن «الذين يدعون الاسلام ويجاهدون في سوريا» وتوجه الى هؤلاء بالقول: «لماذا لم تجاهدوا -إن كنتم جادين وصادقين- في فلسطين؟ لماذا لم تساعدوا ابناء غزة عندما هاجمتها إسرائيل وقتلت ابناءها وشردت أطفالها؟ هناك الجهاد الحقيقي اما في سوريا فهذا ارهاب، دمرتم المدارس والمشافي والمستوصفات والجسور والحدائق وخطوط الكهرباء.. هل هذا جهاد؟ قتلتم واغتصبتم الابرياء واكلتم لحم البشر، ومع ذلك هناك من جاء ليدافع عنكم ونسي انكم من ارتكب جريمة «١١ أيلول»، ولذلك نخاطب أوباما لنقول ابعدوا أيديكم عن سوريا وكفى تدخلا في شؤونها فالذين تدافعون عنهم وتحمونهم اعداء لكم واعداء للانسانية والبشرية».
إشكال فـي طريق العودة
في طريق العودة، وفي احدى استراحات الطريق السريع في ولاية بنسلفانيا، التقى عدد من المعارضين السوريين الذين كانوا يتظاهرون في واشنطن أيضاً للمطالبة بالتدخل العسكري الأميركي في بلادهم مع المتظاهرين الرافضين لذلك. وجرى احتكاك بسيط بين الطرفين كاد أن يؤدي الى تفاقم الموقف لولا تدخل العقلاء لحل الاشكال الذي لم يتطور لاكثر من مشادات كلامية.
لقطات من المظاهرة
– تواجد أمني مكثف من قبل الشرطة الأميركية رافقت المظاهرة من بدايتها حتى نهايتها مدعمة بالآليات والخيول.
– حمل المتظاهرون الاعلام الاميركية والسورية والروسية والصينية وصوراً للمجازر التي نفذتها المعارضة بحق العزّل. ويافطات كتب عليها: لا للحرب، أوباما ابعد قنابلك عن سوريا، إرفعوا ايديكم عن سوريا، لا للارهاب، انتم عانيتم من «11 أيلول» وسوريا تعاني «24/7» (٢٤ ساعة يومياً).
– حضرت فتاة ورفعت علم اسرائيل ومنعتها الشرطة من الاقتراب خوفا من الاستفزاز ثم انسحبت من المكان.
– حاولت مندوبة قناة «الجزيرة» توزيع استبيان على المتظاهرين لكنها لم تتمكن من التحرك بين الحشود وسط صيحات المتظاهرين الرافضة لسياسة القناة القطرية واتهموها بالكذب والتآمر على سوريا.
– بعضهم وجد في المظاهرة وسيلة لكسب النقود وجمع المال، فقد كانت سيدة تبيع ميداليات تحمل العلم السوري بخمسة دولارات (خدمة ومحبة) بهذا السعر.
– بعد المظاهرة، افترش المتظاهرون المرهقون من عناء السفر والمشي والهتاف أرض منتزه لافاييت المقابل للبيت الأبيض والتقطوا صورا تذكارية.
– هلل المتظاهرون فرحا للاخبار التي سمعوها من محطات الاذاعة حول تأجيل الكونغرس للتصويت على قرار ضرب سوريا وقالوا: هذا من ثمار مظاهرتنا.
Leave a Reply