ديربورن
أمام المشاهد الصادمة للأطفال المجوعين في غزة واستمرار مسلسل الإبادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، شهدت مدينة ديربورن، الأسبوع الماضي، حراكاً مزدوجاً يعكس تصاعد الغضب الشعبي من تدهور الأوضاع الإنسانية في الأراضي المحتلة، حيث خرجت تظاهرة حاشدة جابت شوارع مدينة ديربورن رفضاً لسياسات القتل والتجويع التي تنتهجها دولة الاحتلال في غزة، كما نظّمت فعاليات عربية وإسلامية مؤتمراً صحفياً أمام «مكتبة هنري فورد» لمطالبة الإدارة الأميركية، بوقف الدعم المالي والعسكري لدولة الاحتلال والسماح بإدخال المساعدات الإغاثية للسكان المحاصرين في القطاع المنكوب.
وكانت السلطات الطبية في قطاع غزة قد أعلنت عن وفاة عشرات بسبب الجوع وسوء التغذية، محذرة من مجاعة تهدد حياة مئات آلاف الفلسطينيين العالقين وسط حصار خانق ومعوّقات متعمدة أمام دخول المساعدات الغذائية، فيما أطلقت أكثر من مئة منظمة إغاثية، من بينها «أطباء بلا حدود» و«أوكسفام» و«منظمة العفو الدولية» و«كاريتاس» و«أطباء العالم»، بياناً مشتركاً حذّرت فيه من «تفشي المجاعة الجماعية في قطاع غزة»، داعية إلى وقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل و«حماس»، وكذلك فتح جميع المعابر البرية لضمان التدفق الحر للمساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين.
البيان الذي أشار إلى أن أطناناً من الغذاء والمياه والوقود والأدوية لا تزال عالقة في المستودعات داخل القطاع وخارجه، دون السماح للمنظمات الإنسانية بإيصالها «لمن هم بأمس الحاجة إليها» بسبب القيود والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، جاء غداة اتّهام المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجيش الإسرائيلي بقتل أكثر من ألف شخص عند نقاط توزيع المساعدات في غزة منذ نهاية شهر أيار (مايو) الماضي.
وبينما تبقى مفاوضات الهدنة المقترحة، عالقة في الدوحة، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من أن «المجاعة تطرق جميع الأبواب»، لافتاً إلى أن الأهوال التي يعاني منها قطاع غزة على صعيد أعداد القتلى والدمار الواسع «لا مثيل لها في التاريخ الحديث»، وقال خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي الثلاثاء الماضي: «تكفي مشاهدة الرعب الذي يدور في غزة، مع مستويات من الموت والدمار لا مثيل لها في التاريخ الحديث: سوء التغذية يتفاقم، والمجاعة تقرع كل الأبواب».
مظاهرة غاضبة
شهدت الأحياء الشرقية من مدينة ديربورن مساء الثلاثاء المنصرم مسيرة احتجاجية شارك فيها المئات من أبناء الجالية العربية ومناصرون للقضية الفلسطينية الذين رفعوا الأعلام الفلسطينية ورددوا هتافات تطالب بوقف العدوان الإسرائيلي وإنهاء تجويع غزة وإيصال المساعدات الغذائية إلى مئات آلاف المحاصرين الذين يتضورون جوعاً إلى حدّ الموت في القطاع المنكوب، وسط صمت عربي وإسلامي ودولي مطبق.
وتجمّع المتظاهرون بالقرب من تقاطع شارعي شايفر وميشيغن أفنيو، قبل أن يجوبوا الأحياء ذات الأغلبية العربية في شرقي ديربورن لتشجيع السكان على رفع الصوت بإدانة سياسات الاحتلال التجويعية ومجازر الإبادة التي تنفذها إسرائيل ضد الفلسطينيين المدنيين للشهر الحادي والعشرين على التوالي، منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2023.
وبحسب منظمي الفعالية، فقد نددت المسيرة بـ«الحصار الممنهج» الذي يحرم المدنيين من الغذاء والدواء، والذي يستهدف الأطفال والنساء عند مراكز توزيع المساعدات الإنسانية، داعية في الوقت نفسه صانعي القرار في واشنطن، إلى وقف الدعم المالي والعسكري غير المشروط لإسرائيل، وفتح ممرات إنسانية فورية وآمنة لإغاثة أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين في القطاع.
كما ندد المتظاهرون بتراجع الفعاليات المؤيدة للقضية الفلسطينية في أوساط الجاليات العربية والإسلامية خلال الآونة الأخيرة بسبب شيوع العديد من المخاوف والإشاعات المتعلقة بتشديد المراقبة على المهاجرين بمن فيهم حاملو البطاقة الخضراء (غرين كارد)، وفقاً لأحد المنظمين الذي شدّد على ضرورة الإسراع في كسر «حالة الصمت السياسي» حيال الأزمة الإنسانية المتفاقمة في الأراضي المحتلة.
مؤتمر صحفي
وفي اليوم التالي للتظاهرة، جمع مؤتمر صحفي أمام «مكتبة هنري فورد» بمدينة ديربورن، يوم الأربعاء المنصرم، نشطاء سياسيين وحقوقيين ورجال دين وجّهوا دعوة عاجلة إلى إنهاء الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، مطالبين بوقف العدوان ورفع الحصار وفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، ومؤكدين بأن ما يتعرض له المدنيون من تجويع واستهداف ممنهج يرقى إلى جرائم حرب ويستدعي تحركاً فورياً من المجتمع الدولي، وفي مقدمته الإدارة الأميركية، لوقف الانتهاكات وضمان حماية المدنيين وحقوقهم الأساسية.
وأوضح المدير التنفيذي «للمجلس الأميركي لحقوق الإنسان»، عماد حمد، بأن «الصمت لم يعد خياراً مقبولاً إزاء المستجدات في الأراضي المحتلة، فالأمر لم يعد يتعلق بالسياسة، بل بإنقاذ الأرواح وتفادي المزيد من الوفيات»، على حد تعبيره، مؤكداً بأن الوقت قد حان لمطالبة المسؤولين المنتخبين على المستويات المحلية والولائية والفدرالية، بالتحرك العاجل لضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة دون تأخير.
وقال الناشط الحقوقي الفلسطيني الأصل: «نحن لا نطلب منهم معاداة إسرائيل، بل نطلب منهم ببساطة أن يكونوا بشراً، أن يتصرفوا بضمير، لا كسياسيين، وأن يسهموا في إنهاء المجاعة المتفاقمة والسياسات الإسرائيلية التي أودت بحياة 21 طفلاً خلال 72 ساعة»، واصفاً ما يحدث في قطاع غزة بـ«الهولوكوست الجديد»، ومضيفاً «سوف نفعل كل ما هو ضروري وصحيح لكسر الحصار وإنهاء المأساة هناك».
من جانبه، أدان ناشر صحيفة «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني، طغيان الجبروت الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، وقال: «نستيقظ كل يوم ونرى القتل والقصف الجماعي في فلسطين وغزة ولبنان، إننا نعيش كابوساً مستمراً رغم أننا نحيا على بعد أكثر من سبعة آلاف ميل عن تلك المنطقة»، متسائلاً عن برودة الإدارة الأميركية وحيادها إزاء تداعيات الأحداث الدموية بالقول: «ماذا يفعل مسؤولونا في واشنطن.. هل فقدوا إنسانيتهم؟ وأين الرئيس دونالد ترامب الذي وصف نفسه بأنه صانع السلام، مما يجري في قطاع غزة على مرأى ومسمع العالم؟».
وشجب السبلاني الاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف الأطفال خلال سعيهم للحصول عما يسد رمقهم، وقال إن الأخبار تطالعنا يومياً بمقتل الجوعى عند مراكز توزيع المساعدات الإنسانية، بينما تغرق بلادنا وحكومتنا بالصمت المطبق، مستدركاً بأن واشنطن ضالعة بأكثر من التآمر مع الإسرائيليين، وصولاً إلى حدّ «قيادة الكارثة الإنسانية» بنفسها.
ولفت السبلاني إلى أن غالبية الناخبين العرب والمسلمين الأميركيين في منطقة ديترويت صوّتوا للرئيس ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة بسبب وعوده بإنهاء الحروب وإحلال السلام، مستفسراً: «أين السلام الذي وعدنا به الرئيس ترامب؟ إننا لا نرى سوى الموت والتدمير والتجويع الجماعي»، مضيفاً بالقول: «كفى يعني كفى».
وذكّر السبلاني بالانتخابات الوطنية المقبلة في عامي 2026 (انتخابات مجلس الشيوخ الأميركي) و2028 (الانتخابات الرئاسية)، وقال: «نحن على موعد في الانتخابات المقبلة»، في إشارة إلى أن الأصوات العربية والإسلامية الناخبة سوف تحاسب المسؤولين المتخاذلين والمتواطئين على استمرار الفظاعات ومجازر الإبادة في غزة.
وفي الإطار، انتقد النائب عن مدينة ديربورن في مجلس نواب ولاية ميشيغن، العباس فرحات، استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض في السابع من شهر تموز (يوليو) الجاري من قبل «الرئيس ترامب صانع السلام العظيم»، في الوقت الذي كان فيه الغزّيون يتضورون جوعاً حتى الموت، وقال: «إنه من العار أن يبقى هذا البلد صامتاً أمام صور الأطفال المصابين بالهزال الشديد لأنه ليس لديهم ما يأكلونه، بينما كنا نحتفل بنتنياهو في البيت الأبيض».
وقال النائب اللبناني الأصل بأن المستجدات الكارثية في قطاع غزة تستدعي من الرئيس ترامب «الذي زار مدينتي ودائرتي الانتخابية» أن يفي بوعوده بإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، مستدركاً بأن الرئيس الجمهوري قد حنث بالفعل بوعوده للناخبين العرب والمسلمين الأميركيين في منطقة ديترويت عندما آثر الصمت حيال ما يحدث في فلسطين ولبنان وسوريا، ومحذراً من أنه سوف تتم محاسبة المسؤولين المتواطئين مع جرائم الاحتلال في صناديق الاقتراع خلال الانتخابات المقبلة.
الرئيس المشارك في منظمة «أطباء ضد الإبادة»، الدكتور نضال جبور، نقل تحذير الطواقم الطبية في قطاع غزة من تفاقم الأمراض الناجمة عن سوء التغذية بالتزامن مع تدهور الأوضاع الصحية مما يهدد بشكل مباشر «حياة عشرات الآلاف» خلال الأيام والأسابيع القادمة، واصفاً ما يجري في القطاع بـ«شبكة الموت الأميركية التي يتم تمويلها بأموال دافعي الضرائب في بلادنا».
وقال إن وقف المأساة الإنسانية في قطاع غزة كان يجب أن يتم منذ عامين عبر اتصال هاتفي واحد، على غرار ما فعله الرئيس رونالد ريغان في عام 1982 (لإيقاف العدوان الإسرائيلي على العاصمة اللبنانية، بيروت)، ولكنها «ماتزال مستمرة بأموال وحماية حكومتنا»، مشدداً على قدرة ترامب على وقف الحرب في الحال، «لو أراد ذلك».
وأضاف الطبيب الفلسطيني الأصل: «على الرئيس أن يفعل ذلك الآن… يمكنه بمكالمة هاتفية تفادي المجاعة الجماعية، وعندها يمكن لإسرائيل وحماس الجلوس والتفاوض وإيجاد حل لهذا الصراع».
المحامي لدى «مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية» (كير–فرع ميشيغن)، جاد سلامة، أكد بأن ما يحدث في غزة ليس «أزمة سياسية بل إبادة جماعية»، موضحاً بأن دولة الاحتلال تستخدم التجويع كسلاح لتركيع المدنيين، ومندداً –في الوقت نفسه– بالسياسات الأميركية التي تستهدف الناشطين المؤيدين للقضية الفلسطينية في الجامعات الأميركية وبقية الأوساط الأخرى.
وقال: «لا يمكن للعالم أن يدير أنظاره عما تقوم به إسرائيل من تجويع جماعي للأطفال في غزة تحت القصف، الذين يستهدفهم بشكل مباشر»، متسائلاً: «كيف يمكننا الصمت والإخلاد إلى النوم ونحن نرى على مدار الساعة ما يحصل هناك»، ومهيباً بالأميركيين ألا يقفوا مكتوفي الأيدي، وأن يبادروا إلى الاتصال بممثليهم في الهيئات والمجالس المحلية والوطنية ودفعهم للضغط على الإدارة الأميركية لـ«وضع حد فوري للمأساة الإنسانية في غزة».
المؤتمر الصحفي، تضمن أيضاً كلمات لكل من رئيس منظمة «جيل جديد من أجل فلسطين» وعضو مجلس مدارس مدينة ديربورن، عامر زهر، ورئيس «المنظمة الإسلامية بأميركا الشمالية» الشيخ مصطفى الترك، والناشط في منظمة «أمباك» السياسية، عبدالله الشيخ، والناشط زهير عبدالحق، تركزت حول إدانة الجرائم الإسرائيلية وضرورة العمل السياسي والأهلي لإنهاء الكارثة الإنسانية في القطاع.
وفيما لفت الشيخ إلى أن أكثر من 20 ألف فلسطيني قتلوا منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، الذي «رهن نفسه وحكومته لدعم أجندة نتنياهو»، بحسب تعبيره، فقد شجب زهر تصريحات الرئيس الجمهوري التي تكذّب بشكل مستمر، الأنباء والإحصائيات المتواردة من الأراضي المحتلة حول أعداد القتلى وضحايا الانتهاكات الإسرائيلية.
وأما الترك، فقد وصف ما يحدث في القطاع بأنه أكثر من «مأساة تدمي القلوب»، وقال: «ما يحدث هو انهيار أخلاقي للضمير العالمي، وبصفتنا مؤمنين فقد أُمرنا بالوقوف إلى جانب المظلومين، ليس فقط بصلواتنا، بل بأصواتنا وأفعالنا»، مؤكداً أن «الصمت تواطؤ» وداعياً إلى مواصلة الضغوط لإنهاء معاناة الفلسطينيين فوراً».
Leave a Reply