وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
أعلنت وزارة الري المصرية أن مفاوضات سد النهضة خلال الجولة الأخيرة قد باءت بالفشل وأنه سوف تتم إحالة الخلاف على الاتحاد الأفريقي الذي يرأسه حالياً سيرن رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا.
نعي المفاوضات المدعومة أميركياً، جاء بعد ساعات قليلة من اختتام جولة محادثات استمرت 11 يوماً برعاية الاتحاد الأفريقي، للتباحث حول اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، وذلك بالتزامن مع ظهور صور جديدة التقطتها الأقمار الاصطناعية لخزان سد النهضة الإثيوبي.
وكانت القاهرة قد أعلنت رفضها لأي تصرف أحادي الجانب من قبل إثيوبيا بشأن البدء في ملء خزان سد النهضة، دون اتفاق معها يضمن حقوق المصريين بمياه النيل والتي تعتبر مسألة وجودية بالنسبة للشعب المصري، وفق ما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
هل فشلت المفاوضات؟
مدير مركز البحوث الأفريقية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، الدكتور أيمن شبانة، أكد لـ«صدى الوطن»، أن هذه الجولة فشلت فعلاً، لكن هذا لا يعني عدم عقد جولات مقبلة. أين ستكون ويشير شبانة إلى أن الملف قد يُحال إلى لجنة من لجان الاتحاد الأفريقي لمتابعة المفاوضات، وهذا ما تتطلع إليه إثيوبيا، لأنها تحاول عرقلة مسار التفاوض وتأخيره، دون إبداء أية نية للتوقيع على اتفاق ملزم لها، لأنها منذ البداية تريد إدارة السد باعتباره مشروعاً إثيوبياً سيادياً خالصاً، لا يشاركها فيه أحد، وكأن هذا السد يُقام على نهر محلي داخل إثيوبيا، فيما هو في الحقيقة يُقام على نهر دولي.
ويشدد شبانة على أن مصر من حقها أن تطالب بالإدارة المشتركة لهذا السد، أو على الأقل بالتنسيق مع إثيوبيا بما لا يضر بمصالحها القومية، باعتبار أن مصر هي دولة المصبّ وأكثر المتضررين المحتملين.
وينفي الخبير الاستراتيجي أن يكون مجلس الأمن قد رفع يده عن هذا الملف، لأن مجلس الأمن هو الجهة الوحيدة التي من حقها أن تصنف أي نزاع أو موقف بأنه يمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين من عدمه، وبالتالي عندما فوّض مجلس الأمن الاتحاد الأفريقي الإشراف على هذه المفاوضات في الجولة الأخيرة فهذا لا يعني أنه رفع يده عن الملف، بل إن الاتحاد الأفريقي يعمل بتفويض من مجلس الأمن وتحت إشرافه ومراقبته، وبالتالي هناك إمكانية لأكثر من احتمال.
وبحسب شبانة، تريد إثيوبيا عرض الأمر على لجنة من لجان الاتحاد الأفريقي، وهي بذلك تسعى الى تضييع الوقت، لكن الاحتمال الثاني –وهو الأرجح– أن تعيد مصر الملف الى مجلس الأمن الدولي لكي يطلب من إثيوبيا الامتناع عن ملء السد إلى حين توقيع اتفاق ملزم لأديس أبابا يتعلق بالملء الأول ونظام التشغيل والتعويضات في حال حصول أضرار، فضلاً عن تحديد آلية قانونية لتسوية أي نزاع محتمل في المستقبل.
وسطاء ومبادرة
وعن أوراق الضغط التي تمتلكها مصر، يعتقد شبانة أن هناك بدائل ما زالت متاحة أمام المفاوض المصري، منها الاستعانة بوسطاء إقليميين مثل السعودية والإمارات وهما تستطيعان في حال وجود إرادة سياسية بالتعاون مع مصر والسودان وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، أن تقودا مبادرة سياسية شاملة لتسوية الأزمة بشكل شامل وعادل يحقق مصالح الجميع، وفق معادلة الطاقة مقابل المياه.
وعن إمكانية اعتماد الحل العسكري لمعالجة الخلاف، يعتبر شبانة أنه ما دام السد لم يُملأ بعد، فإن مصر لن تقدم على خطوة من هذا النوع، أما إذا تم ملء السد بالفعل، فإن ذلك سيكون إعلان حرب من قبل إثيوبيا ضد مصر، لأن إعلان الحرب ليس معناه استخدام القوة العسكرية فحسب، بل إن الإضرار بالمصالح الحيوية والمصيرية للدول يدخل أيضاً في إطار العدوان، فمصر ليس لها مصلحة أهم من المصلحة المائية، وبالتالي فإن التأثير على تدفق مياه النيل معناه تهديد المصريين بإبادة جماعية، وتهديد الأمن الوطني المصري والأمن القومي العربي، وتهديد كل خطط التنمية في مصر بالكامل، مثل خطط التوسع العمراني وخطط التصنيع والزراعة والسياحة، التي تعتمد كلها على المياه.
لكن هل تنوي إثيوبيا فعلاً ملء السد دون اتفاق مع مصر؟ يجيب الدكتور شبانة بأنه إذا فعلت أديس أبابا ذلك، فإنها ستكون عرضة للصدام مع مصر، وربما هي تناور ولن تملأ السد، وتتذرع أمام شعبها بأن المفاوضات ما زالت سارية، وبالتالي لا يمكن ملء السد الآن، في هذه الحال، يمكن أن يُملأ السد في العام المقبل أي في تموز (يوليو) 2021 ما يعني أن أمامنا مساحة من الوقت مدتها سنة تكون فيها الانتخابات الإثيوبية قد أُنجزت بالفعل، وتكون قد طُرحت بدائل أخرى خلال هذا الوقت ومُنحت فرصة جدديدة للتفاوض من خلال ضغوط دولية أو وساطة دولية وإقليمية للوصول إلى تسوية، لكن في جميع الأحوال، إثيوبيا لن تستفيد من السد الاستفادة القصوى إلا إذا كان هذا السد مشروعاً للتنمية الإقليمية وليس مشروعاً إثيوبياً خالصاً، بمعنى أن تكون كل من مصر والسودان معابر للطاقة التي يمكن أن تصدّرها إثيوبيا من خلال هذا السد لا حاجزاً أمام تصدير الطاقة، ما يعني أن إثيوبيا إذا كانت تريد الإفادة الحقيقية من هذا السد، عليها أن تتعاون وتطبق نظرية الإدارة المشتركة لا السيادة المطلقة.
الخيارات المصرية
وحول الخيارات المتاحة أمام مصر اليوم، بعد فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات، يشير شبانة إلى أنه بإمكان مصر اللجوء إلى مجلس الأمن لإخباره بتطورات الموقف وتنبيهه وفقاً للمادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة، بشأن خطورة الوضع على الأمن والسلم الدوليين.
فالجيش المصري هو الجيش التاسع عالمياً ولا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا التهديد الذي يمس الأمن الاستراتيجي. إذ الدولة المصرية تعتمد اعتماداً كلياً على نهر النيل، ولا يمكنها أن تسمح لأي دولة دولة أخرى أن تحدد لها حصتها المائية السنوية، وأن تصرف هذه الحصة لها أو تمنعها عنها متى شاءت. فمياه النيل تعني التوسع الزراعي والعمراني والسياحي وجذب الاستثمارات، أما عدم وجود انتظام في نهر النيل يعني أن كل خطط التنمية في مصر مهددة بشكل مباشر ووشيك.
لذلك يؤكد شبانة أن الخيار العسكري مطروح جدياً كملاذ أخير لردع إثيوبيا عن سياسة حافة الهاوية، مشيراً إلى أنه يمكن التواصل مع أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين، ولاسيما مع روسيا، لمنع صدور أي قرارات عقابية من مجلس الأمن ضد مصر.
ويضيف شبانة: «الكرة الآن في ملعب مصر. ومن حسن الطالع أن هناك توافقاً تاماً رسمياً وشعبياً يتعلق بمحورية نهر النيل وحتمية الدفاع عنه».
ما هو سد النهضة؟
سد النهضة العظيم كان يُعرف سابقاً بسد الألفية وأحياناً يُشار إليه باسم حداسة، هو سد تثاقلي تحت الإنشاء على النيل الأزرق على بعد نحو 40 كيلومتراً شرق السودان في منطقة بني شنقول–كموز، إثيوبيا. بقدرة 6,000 ميغاواط سيصبح السد أكبر محطة طاقة كهرومائية في أفريقيا عند اكتماله، وفي الترتيب 13 عالمياً. وستبلغ سعة خزان السد 63 مليار متر مكعب ليصبح واحداً من أكبر خزانات المياه في القارة الأفريقية. ويُبنى السد على امتداد نحو 15 كيلومتراً من الحدود مع السودان على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل.
مناورات إثيوبية
إذا بدأت إثيوبيا الآن بملء السد فسوف تحجز بحلول نهاية أيلول (سبتمبر) 4.9 مليارات مكعب والسنة المقبلة 13 مليار متر مكعب وعشر مليارات في السنوات التالية.
وكانت إثيوبيا قد أعلنت عدم التوصل إلى اتفاق مع مصر بشأن سد النهضة، وهو ما عبر عنه وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، في تغريدة عقب إعلان القاهرة اختتام مفاوضات عقدت برعاية الاتحاد الأفريقي، ليعلن بعد ساعات بدء ملء وتخزين المياه في السد، لافتاً إلى أن المفاوضات حول السد ستستمر ليس للجيل الحالي بل لصالح الأجيال المقبلة، ليعود وينفي لاحقاً ما نُسب إليه، بأن بلاده بدأت في ملء خزان سد النهضة على النيل الأزرق. وأوضح ذلك بقوله إن صور الأقمار الاصطناعية عكست الأمطار الغزيرة التي كان تدفقها أكبر مما هو معتاد!
يُشار إلى أن الاتحاد الأفريقي كان قد بدأ جهود وساطته قبل أسبوعين، وتضمنت إحدى عشرة جلسة عبر الإنترنت لكسر الجمود حول ملء وتشغيل سد النهضة الذي كلف بناؤه 4 مليارات دولار.
مراقبون يرون أن سيناريوهات تضييع الوقت، بإشغال مصر والسودان في محادثات عبثية الواحدة تلو الأخرى، ستستمر، لأنه من المفترض أن يقدم الوزراء الثلاثة المشاركون فيها تقارير إلى رؤسائهم الذين سيشاركون في قمة مصغّرة تحت رعاية رئيس جنوب أفريقيا في الأيام القليلة المقبلة، لكن المراقبين يستبعدون أن ينجح رامافوزا حيث فشل الرئيس الأميركي دونالد ترامب أحد أبرز حلفاء إثيوبيا ومصر.
النيل… شريان الحياة لدى المصريين
يمثل «سد النهضة» حجر الأساس الذي تبني عليه إثيوبيا طموحها لتصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا، لكنه في الوقت نفسه، يشعل المخاوف في القاهرة من الضغط على إمدادات مياه النيل.
على برديات المعابد المصرية القديمة وعلى جدرانها كُتب: إذا نقصت مياه النيل فعلى الفرعون وجنوده أن يخرجوا للدفاع عن مياه النيل وإزالة ما يعوق جريان هذا النهر وألّا يعودوا إلى ديارهم إلا بعد إزالة الأسباب التي تمنع تدفق مياه نهر النيل.
كلام محفور في أذهان المصريين وعقولهم، وهو يلزمهم بالدفاع عن وجودهم، ويدفعهم إلى عدم الوقوف متفرجين بأيدٍ مغلولة على من يقطع عنهم شريان الحياة.
Leave a Reply