يبدو أن فضيحة التحرش الجنسي واستقالة المتهم فيها، لم توقف كرة الثلج التي تهدد المؤسسة الحقوقية الأكثر عراقة في الدفاع عن العرب الأميركيين.
فقد تسببت طريقة تعاطي «اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز» (أي دي سي) مع قضية اتهام مديرها الإقليمي في ميشيغن، عماد حمد، بالتحرش بنساء تحت إدارته، بتوجيه الإنتقادات لإدارة اللجنة في واشنطن على خلفية عدم شفافيتها في التحقيق وتغاضيها عن الإتهامات الموجهة لحمد. وهذا ما أدى خلال الأشهر الماضية الى سلسلة هزات أصابت «أي دي سي» أدت إلى الإطاحة برؤوس كبيرة في المنظمة الحقوقية العربية الأكبر.
وبدأت مشاكل «أي دي سي» بعدما قامت عضو مجلس نواب ميشيغن، رشيدة طليب، ونساء أخريات عملن في مكتب ميشيغن، باتهام حمد بالتحرش الجنسي بهن، ما أدى الى استقالة حمد (وقد قيل أن «أي دي سي» أقالته)، وطَرد رائد جرار، من منصبه كمدير للإتصالات والدفاع القانوني، وصولا الى الإستغناء عن خدمات رئيس «أي دي سي»، وورن ديفيد، في الرابع من كانون الأول (ديسمبر)، الذي عيّن مكانه المحامي سامر خلف.
وجاء في بيان اللجنة أنها تشكر ديفيد على خدمته، مع الإشارة الى أنه لم يعد يعمل لدى اللجنة منذ 26 تشرين الثاني (نوفمبر) من دون ذكر أسباب إقالته.
وتتعرض «أي دي سي» لأقسى تجربة في تاريخها بعد فضيحة حمد وأسلوب تعاطي الإدارة معها ما أدى الى موجة إستقالات جماعية من اللجنة إحتجاجاً على نقص الشفافية، وخصوصاً بعد إصدار قرارها الشهير عقب أربعة أشهر من التحقيق في القضية، بعدم وجود أدلة كافية تدين حمد بالتحرش بالنساء من دون الإفصاح عن حقائق التحقيق، ثم وضعت حمد في إجازة إدارية مع إبقائه مستشاراً خاصاً لمكتب ميشيغن إلى أن أعلن عن تقاعده بنفسه في 22 الماضي، في أول بيان علني له منذ إتهامه بالتحرش الجنسي.
الدكتور سهيل إيليا، عضو مجلس أمناء اللجنة، الذي يرأسه الدكتور صفا رفقة، أكد في بيان مكتوب رداً على أسئلة «صدى الوطن» أن وورن ديفيد قد أقيل من منصبه ولم يطرد بسبب آرائه المتعلقة بمسألة فضيحة التحرش الجنسي، وأضاف إيليا «أن ديفيد وجرار قد أقيلا بسبب فشلهما في تطبيق سياسات وإجراءات اللجنة».
ويعتبر مجلس الأمناء أن أي عضو في «أي دي سي»، ومن ضمنهم المتطوعين والمتدربين، لهم الحق في عدم الموافقة على قرارات أو سياسات اللجنة، و«لكل شخص يعمل في منظمة ويحمل أفكاراً مغايرة لها، خيار واحد فقط، وهو الإستقالة». وأردف ايليا أنه لم يكن لدى «أي دي سي» أي خيار سوى إقالة ديفيد وجرار من منصبيهما «بسبب عدم إتباع سياسات اللجنة ورفضهما الإستقالة الطوعية».
وحول إستقالة حمد قال إيليا إن نفس المعايير لا تنطبق عليه بسبب عدم وجود «أدلة كافية» بأنه لم يتماش مع سياسات «أي دي سي» ضد التحرش الجنسي. وأشار إلى أنه لو كانت هناك أدلة لطبقت عليه نفس القوانين»، وأضاف أن «الذين يتهمون اللجنة بازدواجية المعايير حيال موظفيها هم مخطئون تماماً».
وعندما سألت «صدى الوطن» إيليا عن السياسات والإجراءات المحددة التي عارضها ديفيد وجرار على حد زعم اللجنة، لم يجب عن السؤال. وإتصلت «صدى الوطن» بوورن ديفيد، وهو كان من سكان منطقة ديترويت قبل انتقاله الى واشنطن لتولي رئاسة «أي دي سي» قبل عامين، لكن ديفيد لم يجب على إتصالات «صدى الوطن»، غير أن شخصاً مقرباً منه، لم يشأ الإفصاح عن هويته، أبلغ الصحيفة أن طرد ديفيد يتعلق بشكل مباشر بفضيحة التحرش الجنسي. وأكد المصدر «أن النقد الداخلي الذي حصل في اللجنة سبب سلسلة من المواقف التي أدت إلى طرده، بعد أن تم وضعه تحت المراقبة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مع قرب إعلان نتائج التحقيق بقضية حمد». وأشار المصدر الى أن اللجنة «لم تكن سعيدة ببعض الأمور التي فعلها ديفيد ومنها قوله لوسائل الإعلام إنه غير معني ومتورط بالمسألة في وقت أمرته اللجنة بعدم التصريح علناً للإعلام».
والمعروف أن ديفيد هو إعلامي وناشط وأصبح رئيساً للجنة في أول تموز (يوليو) 2011 كما أنه مؤسس موقع الكتروني إعلامي إسمه arabamerica.com يغطي أخبار الجالية باللغة الإنكليزية. وقبل أن يصبح رئيساً لـ«أي دي سي» كان مدير برامج إذاعية وتلفزيونية شتى من بينها سلسلة برامج عن «قصص عربية أميركية» بثت من محطة التلفزيون الأميركي العامة.
وقال بيان «أي دي سي» إن الرئيس الجديد، المحامي سامر خلف، خدم كعضو في مجلس أمناء «أي دي سي» ولا زال اسمه مدرجاً في لائحة أعضاء اللجنة التنفيذية لمجلس الأمناء على الموقع الإلكتروني للجنة.
وسوف يتخلى خلف عن عمله بمكتب معروف للمحاماة في واشنطن ليتفرغ لمهام رئاسة «أي دي سي». وقد عين خلف سابقاً من قبل حاكم نيوجرسي في لجنة التراث العربي الأميركي، وفي لجان رسمية أخرى. وكان إنتسابه إلى اللجنة عام 1996 كمتدرب، وحسب بيان «أي دي سي»، فإنه أول متدرب في اللجنة يرفع إلى منصب رئيس اللجنة العام وهذه «شهادة لالتزام اللجنة بتنمية الجيل الشاب الجديد ليصبحوا قادة مستقبليين».
وفي أول رد فعل له على تنصيبه رئيساً، إعترف خلف بأن اللجنة تواجه صعوبات لكنه تعهد بأن يمضي باللجنة إلى الأمام وقال «إني أتشرف بإختيار اللجنة لي وهي التي جعلتني ما أنا عليه اليوم»، وتابع أن «أي دي سي» «جزء لا يتجزأ من الجالية وصوت لكل العرب الأميركيين وأنا أقبل هذا المنصب بعقل مفتوح وإرادة للإستماع إلى نصائح الذين هم مستعدون لابدائها من أجل تحسين وتطوير العمل وأنا أتطلع بشوق إلى خدمة الجالية والتقدم نحو الأمام».
إلا أن الرئيس الجديد يواجه نداءات متكررة من أجل الإصلاح من قبل أعضاء حاليين وسابقين قاموا بتأليف منتدى الكتروني يدعى «المستقبل العربي الأميركي» مهمته حث الأشخاص على طلب إحداث تغيير جذري داخل «أي دي سي». ولم تستقبل حركة إصلاح «أي دي سي» تعيين خلف بشكل إيجابي بل إنتقدت عبر موقعها الالكتروني هذا التعيين كون خلف كان عضواً في الهيئة التنفيذية لمجلس الأمناء المتهم بسوء التعامل مع الفضيحة. وأضافت حركة الإصلاح أن «خلف خدم في الهيئة التي فشلت في نيل ثقة أعضاء «أي دي سي» والجالية بشكل عام».
وتقوم الحركة بتوزيع حملة تواقيع تدعو «إي دي سي» إلى إتخاذ سلسلة خطوات من شأنها تأمين العدالة لضحايا مزاعم التحرش الجنسي.
ويل يومانز، كاتب وناشط فلسطيني أميركي وأحد مؤسسي حركة «إصلاح أي دي سي»، قال إن الحركة لم تتلق رداً رسمياً من مجلس أمناء اللجنة حتى الآن، وأضاف أن مطالب الحركة الموجودة في العريضة تطالب بأكثر من إقالة حمد. وأردف أن «العريضة تطالب بإعتذار علني ورسمي إلى كل النساء اللواتي تقدمن بشكوى ضد حمد ويجعل التحقيق متوفراً للعامة مع حماية هويات الضحايا كما نريد من اللجنة أن تكون أكثر شفافية وتتبنى سياسات عدم التسامح أو التساهل مع الإضطهاد والإساءات والتحرش من أي نوع خلال سياق الوظيفة».
كذلك تطالب الحركة الإصلاحية بإعادة توظيف رائد جرار الذي طرد من منصبه بسبب الإستفسار عن قضية التحرش، ودعا يومانز إلى تغيير كل الطاقم القيادي في اللجنة ابتداءً من «رأس الهرم»، وأضاف أن رئيس مجلس الأمناء، صفا رفقة، أظهر عدم التزامه بالشفافية المطلوبة تجاه الجالية وهو يدير اللجنة منذ زمن طويل وفي وقت تهبط فيه أسهمها بسبب جملة من الأخطاء الفادحة. وأضاف يومانز أن تغيير ديفيد لا يرضي مطالب الإصلاحيين لأنه لم يكن مسؤولاً عن إنهيار اللجنة.
وأضاف يومانز «لم نطالب إزاحة الرئيس. فأعضاء مجلس الأمناء يقبعون في مناصبهم منذ وقت طويل ظلت فيه الأزمات تعصف باللجنة خلال ولاية العديد من الرؤساء، من ماري روز عوكر الى سارة نجار ويلسون، وصولاً الى ديفيد». وختم يومانز (35 عاماً ) بالقول إن «جيله مستعد للإنفصال عن «أي دي سي» نهائياً إذا لم تصلح نفسها».
Leave a Reply